لكل لحظة من لحظات عمر الكون قيمة هامة في حياة الإنسان، أهميةٌ أساسها قيم روحانية وجودية، ويواعث فيزيائية مرتبطة بالكون وتقلباته وطبيعة الإنسان وحاجياته.
ومن لحظات العمر الفارقة؛ معايشة لحظات بزوغ الفجر، أوان ترتفع همم النفوس لتركن إلى رحاب الكون في لحظات كأنها تشتاق معانقة السماء وتهفو في خلجاتها إلى من تألف وفطرت على اشتياقه وتعظيمه، مهما زاغت النفوس.. يستريح القانت، ويستيقظ المؤمن، وينهي الفاجر فجوره مرغما. ظرف السكينة والهدوء وانجلاء لباس الليل، وشارة انطلاق أمد طلب وتحصيل المعاش.
يسابق الزمن أقوام نحو المعالي بطرق شتى، غير أن سيمى أهل الفجر من المؤمنين لا تُضاهى، بادية في وجوههم وفي قلوب الخلق تجاههم، فمن عظمة الفجر اقتبسوا.. تراهم في صفوف الصلاة مخبتين كأنما على رؤسهم الطير يجمعون النور ويتلقون البهاء والجلال، لو قسمت سعادتهم على أهل الدنيا لوسعتهم، حسبهم أنهم في هذا الموطن جلسوا، وإذا خرجوا إلى الناس كأنما عليهم طلعت البُدور.
تحيلك إلى هذا الواقع الجليل مشاهد من داخل موطن صناعة المطمئنين.. ترقبْ وجوه الوافدين للمسجد في صلاة الفجر، وانتظامهم في الصفوف ستتيقن تلفائيا أن هؤلاء القوم ليسوا رُعاعا ولا عامة الناس، هؤلاء -حرفيا- من أعظم من يمشي على وجه الأرض.
لا يكثرون اللغط، ولا يطيلون الحوارات، إن رأيتهم هبتهم وإن كلمتهم أحببتهم، وإن عاملتهم رضيت سلوكهم، هم القوم لا يشقى بهم جليسهم. أبدعوا في استغلال فرصة التناغم مع عقارب ساعة الكون. وميزان الروح وهوى القلب يتوقان فطريا للتعامل بلطف وانسجام وإحسان مع الكون وخالقه.
لكل من أهل الفجر قصص، وأحلام، وجنة في صدره. سيرهم ورواياتهم وأدعيتهم تستحق أن تكتب في سفر الخلود بماء الذهب ليقرأها المشتاقون لبرد العفو ولذة المناجاة والسياحة الروحية البدنية؛ بشكل مجاني، ومدى الحياة.
وما خفي أعظم، فقد روى الشيخان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول، ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا، ولو يعلمون ما في التهجير لاستبقوا إليه، ولو يعلمون ما في العتمة والصبح، لأتوهما ولو حبوا».