خلال دراستنا بالمعهد العالي كنا نلاحظ الخلاف حد القطيعة بين اثنين من كبار أساتذتنا رغم علو كعبهما علماً وورعاً، ورغم قرابتهما، وهما شيخنا العلامة محمد يحيى ولد الشيخ الحسين وشيخنا العلامة الناجي ولد محمود تغمدهما الله تعالى في واسع رحمته وجزاهم الجزاء الأوفى،
وكان مدار الخلاف فيما نسمع حول عدة نقاط من مثل تمدرس البنات ومشاهدة التلفزيون وغيرها، والحقيقة أنه خلاف بين مدرستين، مدرسة تتردّد وتنفر من كل جديد، وتتداخل لديها أحيانًا عادات المجتمع مع أحكام الشرع، وبدافع من ورع عميق يتعالى حتى على المباحات، ومدرسة أخرى منفتحة لا تتهيب أي جديد لأنه جديد، إنما تتعامل معه بعقل يستحضر العلة والقصد والمصلحة والسياق باعتبار سابقيتهم على الحكم، ولا ترى في ذلك أي نقص من ورع أو تقوى.
ويشاء الله أن يسافر الرجلان إلى دولة الإمارات لإلقاء محاضرات خلال شهر رمضان من العام 1405، وتفرض الصحبة قوانينها، ويجد الرجلان فرصتهما للتحاور والنقاش عن قرب، وهو ما كنا تلامذة الرجلين ننتظر نتائجه بفارغ الصبر،
وعند العودة كان الشيخ يحيانّ على عادته واضحاً محدداً دقيقا في عبارته: "أشهدكم أني كنت ظالما لابن عمي الناجي بن محمود (وعدّ من آبائه سبعاً) وأني أسأت فهمه وطلبته السماح".
أمًا الشيخ الناجي رحمه الله فقد بادرناه بالسؤال المركزي وقتها:
شيخنا، هل صحيح أنكم أقنعتم الشيخ محمد يحيى بمشاهدة التلفزيون؟ فأجاب بظرفه العميق الذي لا يفارقه: نعم لقد أصبح يشاهد بعض برامج التلفزيون لكنه لا يعرف كيف يفتحه ولا كيف يغلقه.
ومع تقدم الزّمن، وبعد أكثر من ثلاثة عقود، تُرى هل لا زال الناجي يسكُننا وبألقِه ذاك، أم غادرنَا وللأبد ؟؟.