بالنظر إلى ما يحدث في العالم بدءا بالحرب الأوكرانية والتوترات في المحيط الهادئ، مرورا بالإبادة الجماعية في غزة، وجرائم الاغتيال والرد المحتمل أو التهديد بالرد، وانتهاء بالعدوان الهمجي على ضاحية بيروت اليوم والتمادي في تحدي القانون الدولي والقانون الإنساني الدولي والضمير الإنساني، بات من الواضح أن الوضع ينطوي على مخاطر جدية قد تؤدي إلى حرب كونية لا يعرف أحد مداها ولا شكلها.
يضاف إلى هذه اللوحة القاتمة عوامل التأزيم التي تتفاقم في منطقة الساحل والصحراء، وما تحمله من نذر حرب غامِضة ومبهَمة، لا نظامية ولا تقليدية تميل شيئا فشيئا مع إنشاء "كونفدرالية دول الساحل" إلى جعلِ ساحات G5 ومحيطها الإقليمي كلها ساحة صراع واحدة على غرار "وحدة الساحات" في مناطق أخرى.
يتوقع جل المراقبين أن يشتد الصراع في المنطقة ويتصاعد لهيب الحرب بعد معركة "تينزواتن" (أواخر يوليو الماضي) وما تكبدته القوات المالية و رديفتها "فاغنر" من خسائر. وتشير كل التحليلات الاستراتيجية إلى أن المغزل عليه والمستهدف في نهاية المطاف هو المحيط الأطلسي وموانئه وخيراته. وقد يتحول "لي الذراع" القائم حوله منذ عقود بين القوى الإقليمية والدولية الكبرى إلى صراع مفتوح.
نظرا لهذا كله، فإن الحكومة الموريتانية مطالبة مثل غيرها من حكومات المنطقة بالتفكير من الآن في اتخاذ تدابير احتياطية واحترازية تحسبا لأي طارئ على المدى القريب والمتوسط. ومن تلك التدابير على سبيل المثال، لا الحصر:
- التزام اليقظة وتوطيد الجبهة الداخلية عبر الحوار وتجاوز الخلافات الثانوية والتشبث بنهج التوافق تحقيقا للوحدة والوئام. ونهج التوافق السليم لا يعني "الشعبوية" و"الترضية" و"شراء الصمت" و"الولاءات" وما إلى ذلك من مجاراة ومداراة لحاجة الحين، بل يعني سياسات توافقية تحقق التضامن والوئام عن وعي واقتناع.
- اعتبار تحسين الظروف المعيشية للشعب عاملا جوهريا من عوامل الأمن والاستقرار، والعمل على خفض الأسعار بشكلٍ جدي وتموين السوق، وخلق فرص عمل حقيقية، وتوفير الخدمات الأساسية من ماء وكهرباء وتعليم ودواء.
- شد الأحزمة وتطبيق سياسة تقشف صارمة توفر موارد جديدة عبر محاربة الفساد وسوء التسيير وهدر موارد الدولة،
- ضمان خطوط رئيسية وخطوط بديلة للإمداد والتموين يتكامل فيها النقل والتموين والتخزين لتأمين المؤن في المجالات الحيوية كافة، إلخ.
- أخيرا وليس آخرا، في هذا العالم المشتعِل والمعروف بأنه عالم المحاور والتجمعات، لا ينبغي لموريتانيا أن تبقى مترددة وحرونة - "إلكترون حرّ" - تدور على نفسها دون ارتباط بنواة صلبة.
أعتقد أنه لا بد من الانحياز والإيواء إلى ركن قوي. لا توجد دولة واحدة في العالم اليوم إلا ولها تحالفات واتفاقات متعددة الأطراف تساعدها في الدفاع عن نفسها عند اللزوم. إن سياسة "الحياد" و"النأي" بالنفس قد تعطي نتيجة عاما أو عامين أو أكثر أو أقل، لكنها غير صالحة لأن تُبنى عليها استراتيجية دفاعية طويلة الأمد.