هكذا تتكبد إسرائيل خسائر في مختلف القطاعات الاقتصادية

منذ اندلاع حرب الإبادة على غزة قبل نحو عام، تشهد إسرائيل تداعيات اقتصادية كبيرة، أبرزها التباطؤ الاقتصادي وتراجع نشاط العديد من القطاعات الحيوية، مما أدى إلى ارتفاع ملحوظ في نسبة الفقر. فقد أثرت الحرب المستمرة بشكل سلبي على الاقتصاد الإسرائيلي، الذي كان يعاني بالفعل من تحديات قبل شنه حربه على القطاع، بحسب تقرير لموقع فرانس 24.

وكان يشهد الاحتلال قبل السابع من أكتوبر أزمة داخلية نتيجة الاحتجاجات الحاشدة التي اندلعت على خلفية الإصلاحات القضائية المثيرة للجدل التي اقترحتها حكومة بنيامين نتنياهو اليمينية المتطرفة.

هذه الأزمة الداخلية كانت بالفعل قد ألقت بظلالها على الاقتصاد الإسرائيلي، وتسببت في تراجع الثقة لدى المستثمرين وزيادة التوترات الاجتماعية.

مع بداية الحرب، تفاقمت الأزمة الاقتصادية بشكل كبير، حيث تلقت البلاد ضربة قاسية بسبب الاستنزاف العسكري والإنفاق الهائل على العمليات العسكرية التي قتلت آلاف الفلسطينيين، ما أدى إلى انكماش في الأنشطة الاقتصادية.

و يتوقع الخبراء أن يستمر التأثير السلبي لهذه الحرب على الاقتصاد الإسرائيلي، خاصة في ظل غياب أفق سياسي أو عسكري يضع حدًا للحرب، مما يزيد من الضغوط على حكومة الاحتلال لإيجاد حلول شاملة تتعامل مع التداعيات الاقتصادية والاجتماعية المتزايدة.

انكمش الاقتصاد الإسرائيلي بنسبة 0.4% في الربع الثاني من 2024 بمقياس نصيب الفرد من الناتج المحلي.

وفي الوقت الذي توقع فيه محللو بورصة تل أبيب نمو اقتصاد إسرائيل 5.9% خلال الربع الثاني من العام 2024، وهي ذات النسبة التي توقعتها وكالة بلومبيرغ وجاءت الأرقام أقل من التوقعات لتسجل 1.2%.

وخفّضت وكالات التصنيف الدولية الكبرى تقييمها لديون إسرائيل. مما جعل نتنياهو والمسؤولين الإسرائيليين ينتقدون وكالات التصنيف. وشدد نتنياهو على أن الاقتصاد "مستقر وصُلْب" وسيتحسن ما إن تنتهي الحرب.

و يقول الخبير الاقتصادي جاك بنديلاك لفرانس 24 إن "الاقتصاد الإسرائيلي صلب، إلا أنه يعاني لتحمّل عبء هذه الحرب التي استمرت فترة طويلة"، محذّرا من احتمال دخول الاقتصاد في مرحلة ركود في حال تواصل المعارك لمدة زمنية أطول

خسائر الاقتصاد الإسرائيلي/ shutterstock

فقد توقعت وكالة فيتش في آب/أغسطس أن الحرب في غزة، وهي الأطول التي يخوضها الاحتلال منذ نشأته في العام 1948، قد تمتد الى سنة 2025. بينما عبرت مؤسسات مالية كبرى عن شكوكها حول قدرة الاحتلال على إدارة تحدياته المالية وتحقيق نمو اقتصادي مستدام.

وأصدر كل من سيتي بنك وجيه بي مورغان تقارير تحذر من بيانات الاقتصاد الكلي الأخيرة والمخاطر المستقبلية المحتملة حسب ما نقلته عنهم صحيفة غلوبس الاقتصادية الإسرائيلية.

ففي تحليل نشره سيتي بنك، سلط البنك الضوء على المخاوف التي أعربت عنها وكالات التصنيف الدولية التي خفضت مؤخرا التصنيف الائتماني لإسرائيل.

لفت البنك إلى أن تصنيف إسرائيل الائتماني لا يزال في وضع حرج، مع عدم وجود حل واضح للتوتر الإقليمي المستمر. وأشار البنك إلى أن الفارق بين السندات الحكومية الإسرائيلية بالدولار ونظيراتها الأميركية وصل إلى نحو 200 نقطة أساس، وفقا للصحيفة.

وأوضح البنك أن هناك احتمالا كبيرا لمزيد من التخفيضات، خصوصا من وكالة موديز، بسبب الشكوك المحيطة بقدرة الحكومة الإسرائيلية على ضبط العجز المالي.

وتوقع سيتي بنك أن يصل عجز الموازنة كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي إلى 7.6%، وهو أعلى بكثير من الهدف الذي حددته وزارة المالية الإسرائيلية والبالغ 6.6%.

هذا التوقع -وفقا للصحيفة- يعكس شكوك البنك حول التزام الحكومة الإسرائيلية برفع الضرائب أو تقليص الإنفاق. وقال البنك إن الاحتلال قد يواجه صعوبة في إصلاح ميزانيته في أعقاب الصدمات الاقتصادية، وهو ما قد يعرض استقراره المالي للخطر.

وأصدر جيه بي مورغان أيضا تقريرا محبطا للاقتصاد الإسرائيلي، حيث خفض توقعاته لنمو الناتج المحلي الإجمالي لإسرائيل في عام 2024 من 1.6% إلى 1.4%.

وتعكس الأرقام فشلا لقطاعات اقتصاد إسرائيل في التكيف مع تبعات حرب غزة لا سيما الإنشاءات والزراعة والخدمات والسياحة، وفق الأرقام التي كشف عنها مكتب الإحصاء الإسرائيلي الشهر الماضي، وسط توقعات بمزيد من القتامة لما تبقى من العام الجاري 2024.

وكان أحد أكبر المتراجعين خلال الربع الثاني قطاع الصادرات الذي انخفض للفصل الثالث على التوالي، مسجلا تراجعا بنسبة 7.1%.

تضرر قطاعات عديدة

وفقًا لتقرير بلومبيرغ، يعاني الاقتصاد الإسرائيلي من تباطؤ ملحوظ، ويعود جزء كبير منه إلى ركود قطاع البناء الذي يعتمد بشكل كبير على العمالة الفلسطينية القادمة من الضفة الغربية.

قبل الحرب، كانت سلطات الاحتلال تصدر ما يقرب من 100 ألف تصريح عمل للفلسطينيين، ما ساهم بشكل كبير في دعم قطاعات البناء والزراعة والصناعة.

بالإضافة إلى ذلك، كان هناك عشرات الآلاف من العمال الفلسطينيين الذين يعملون بشكل غير نظامي في الأراضي المحتلة. مع اندلاع الحرب، مُنع هؤلاء العمال من دخول إسرائيل، مما أثر بشكل كبير على هذه القطاعات.

ورغم الوعود الحكومية بالاستغناء عن العمال الفلسطينيين واستبدالهم بعمال أجانب من دول مثل الهند وبنغلاديش والفلبين، فإن هذه الخطط لم تنجح في سد الفجوة، مما أدى إلى أزمة حادة في قطاعات البناء والزراعة.

كذلك، تضرر قطاع السياحة بشكل كبير منذ بدء الحرب، حيث انخفض عدد السياح بشكل كبير، سواء لأغراض الترفيه أو السياحة الدينية.

وفقًا لبيانات وزارة السياحة، زار إسرائيل نحو 500 ألف سائح بين يناير/كانون الثاني، ويوليو/تموز، وهو ربع العدد مقارنة بالفترة نفسها من العام السابق، مما يعكس التراجع الحاد في هذا القطاع الحيوي للاقتصاد الاحتلال.

مستثمرو التكنولوجيا الناشئة يهجرون الاقتصاد الإسرائيلي

بينما أفادت دراسة نشرها موقع "كالكالست" الاسرائيلي المتخصص بأن قطاع التكنولوجيا الفائقة (الهايتك) والشركات الناشئة في إسرائيل يعاني من تداعيات خطيرة منذ بداية الحرب على غزة.

فقد ألغت 49% من شركات الهايتك والشركات الناشئة استثماراتها، في حين أعرب أكثر من 80% من الشركات و74% من المستثمرين عن شكوكهم بشأن قدرة الحكومة على مساعدة هذا القطاع الحيوي على التعافي.

وأكدت الدراسة أن الوضع أكثر خطورة في شمال إسرائيل، حيث أعربت 69% من شركات الهايتك في هذه المنطقة عن قلقها الكبير بشأن قدرتها على جذب الاستثمارات خلال العام المقبل.

ونتيجة لذلك، تفكر 40% من هذه الشركات في نقل أنشطتها جزئيًا أو كليًا إلى مناطق أخرى، بحثًا عن بيئة أكثر استقرارًا ودعمًا للاستثمار.

تشير هذه النتائج إلى أن الحرب لا تؤثر فقط على القطاعات التقليدية مثل البناء والزراعة، بل تتسبب أيضًا في تباطؤ واحد من أكثر القطاعات الاقتصادية تطورًا في إسرائيل.

زيادة الإنفاق الحكومي و الفقر

مع استمرار الحرب وتداعياتها، شهد الاقتصاد الإسرائيلي زيادة كبيرة في الإنفاق الحكومي، حيث ارتفع الاستهلاك الحكومي بنسبة 8.2% في الربع الأخير مقارنة بـ 2.6% في الربع السابق.

هذه الزيادة في الإنفاق الحكومي، التي تأتي بشكل أساسي لتلبية احتياجات الحرب، تثير مخاوف الخبراء بشأن اعتماد النمو الاقتصادي بشكل مفرط على هذا الإنفاق العام المتزايد.

في الوقت ذاته، يستمر العجز المالي للميزانية الإسرائيلية في الارتفاع، حيث بلغ 8.1% من الناتج المحلي الإجمالي حتى يوليو/تموز الماضي، وهو ما يعادل 155.2 مليار شيكل (47.1 مليار دولار)، وفقًا لأحدث تقرير صادر عن المحاسب العام لوزارة المالية، يالي روتنبرغ. يشير هذا العجز المتزايد إلى الضغوط المالية التي تواجهها الحكومة الإسرائيلية نتيجة الإنفاق العسكري الهائل والركود الاقتصادي.

بلغ العجز المالي لإسرائيل في الشهور المنتهية خلال يونيو/حزيران الماضي نحو 7.6% من الناتج المحلي الإجمالي، بينما كانت التوقعات السابقة لوزارة المالية تشير إلى أن العجز سيبلغ 6.6%، أي ما يعادل قرابة 34 مليار دولار.

هذه الأرقام تعكس اتساعًا مستمرًا في العجز، مما يزيد من صعوبة قدرة الاحتلال على تحمل تكاليف الديون التي يتحملها لتغطية هذا العجز، لا سيما مع ارتفاع أسعار الفائدة على الدولار والشيكل معًا.

كما تجاوز الدين العام الإسرائيلي 67% من الناتج المحلي الإجمالي، مقارنة مع حوالي 63% قبل بدء الحرب على قطاع غزة في أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

بالإضافة إلى ذلك، يشير الخبراء إلى أن استهلاك الائتمان في إسرائيل قد شهد زيادة كبيرة خلال العقدين الماضيين، حيث تعتمد العديد من العائلات على القروض لسد احتياجاتها. ومع ذلك، في فترات الأزمات الاقتصادية، تعجز العديد من هذه العائلات عن سداد ديونها، مما يفاقم الأوضاع الاقتصادية لأسر كثيرة.

يحذر الاقتصاديون من أن ارتفاع تكلفة المعيشة وتباطؤ النمو الاقتصادي سيؤديان بلا شك إلى زيادة نسبة الفقر في البلاد.

و بالفعل، أفادت منظمات مساعدة في إسرائيل عن زيادة الطلب على خدماتها، حيث ظهرت أعداد متزايدة من الأشخاص الجدد الذين يسعون للحصول على مساعدات غذائية خلال عمليات توزيع الطعام.

وفقًا لتقرير ل"فرانس 24″، توزع منظمة "بيتشون ليف" (القلب المفتوح) سلالًا من الفاكهة والخضروات واللحوم مجانًا مرتين أسبوعيًا لدعم العائلات في إسرائيل.

وقد أشار مؤسس المنظمة، إيلي كوهين، إلى أن أنشطة المنظمة تضاعفت منذ بداية الحرب، مع تزايد عدد العائلات المحتاجة. حاليًا، تقدم "بيتشون ليف" الدعم لأكثر من 200 ألف عائلة.

كلفة الحرب الاقتصادية

قدرت الخبيرة الاقتصادية الإسرائيلية راكيفيت روسك أميناح، الرئيسة التنفيذية السابقة لبنك لئومي، أن الحرب على غزة كلفت اقتصاد الاحتلال بالفعل أكثر من 67.3 مليار دولار (250 مليار شيكل).

ففي حديث سابق لها الشهر الماضي لقناة 12 الإسرائيلية، أشارت روسك إلى أن الأضرار الاقتصادية الناجمة عن الحرب تتجاوز التكاليف المباشرة، مع وجود طلبات متزايدة من مؤسسة الدفاع لزيادة ميزانيتها السنوية بما لا يقل عن 20 مليار شيكل (5.4 مليارات دولار).
كما أوضحت أن هناك العديد من التكاليف الخفية التي لم يتم احتسابها، مثل نفقات إجلاء المدنيين، وعلاج الجرحى، وتلبية الاحتياجات الاقتصادية الملحة.

من جانبه، أكد البروفيسور يعقوب فرنكل، الحائز على جائزة إسرائيل للاقتصاد والمحافظ السابق لبنك إسرائيل، على أن التعامل مع العجز المتزايد هو المهمة الأكثر إلحاحًا.

وأشار إلى أن الوضع المالي كان مستقرًا مع بداية عام 2023 دون وجود عجز، لكن الحرب غيرت هذا المسار بشكل جذري. بحلول نهاية يوليو/تموز الماضي، بلغ العجز المالي 8.1% من الناتج المحلي الإجمالي، وهو ما يعادل حوالي 155 مليار شيكل (42 مليار دولار)، مما يضع ضغطًا كبيرًا على الحكومة لتغطية هذا العجز المتصاعد.

كما ذكرت القناة 12 أن الأسواق الدولية بدأت تفقد صبرها مع إسرائيل نتيجة لهذا التدهور المالي. وقد انخفض التصنيف الائتماني للدولة وارتفعت علاوة المخاطر بشكل واضح منذ بداية الحرب، مما يزيد من التحديات الاقتصادية التي يواجهها الاحتلال في الفترة القادمة.

عربي بوست

 

-