
أحبتي في غزة .. سامحوني ..
أعلم أنكم تبيتون بلا عشاء، عفوًا وبلا غداء، آسف وربما بلا إفطار، وأنا عندي قوتُ شهري، أتناول الإفطار، وطعام الغداء، ثم مأدبة العشاء، وبين الوجبات مُسلِّيات ومُشهِّيات، وفي المساء فاكهة الصيف والشتاء.
سامحوني ..
أعلم أنكم لا تنامون، وإن نمتم فخطفات من النوم تخطفونها، وأنا أغُطُّ في نوم عميق، وأروح في سُباتٍ بعيد.
سامحوني ..
أعلم أن الرعب يتملككم، والخوف يحيط بكم، والفزع يساكنكم، وأنا آمِنٌ في سربي، مُعافًى في بدني.
سامحوني ..
أعلم أن صوت قذائف المدافع، والدبابات، والطائرات، والمُسَيَّرات، يصُخُّ آذانكم، أما أنا فيزعجني صوت الأذان في مكبرات الصوت في المساجد، ويقلقني صراخ الأطفال وهم يلعبون، ويستفزني أصوات السيارات وهي تمرق في شارعنا، يتسلل صوتها من نوافذ بيتنا.
سامحوني ..
أعلم أن الأرض فراشُكم، والسماء لِحافُكم، أما أنا فأفكر في تغيير أريكتي؛ طمعًا في أخرى ليّنة وثيرة، ولحاف خفيف ناعم؛ لفصل الصيف، وآخر مُبَطَّن ثخين يجلب الدفء في الشتاء.
سامحوني ..
أعلم أنكم فقدتم أغراضكم وأمتعتكم، وتسترون أجسامكم بما تيسَّر من بقية ملابسكم، وأنا أعاني من كثرة الملابس وحشرها في الخِزانات والدواليب، حتى إن بعضها لم يأتِ دور ارتدائها بعد.
سامحوني ..
أعلم أنكم تعيشون بلا ماء ولا كهرباء، وأنا أيضًا عانيت بشدة لمدة ساعة منذ يومين؛ لأن ضغط الماء كان ضعيفًا في صنابير المياه.
سامحوني ..
أعلم أن أبناءكم محرومون من مدارسهم للعام الثاني على التوالي، وأنهم يُقتَّلون، ويُفَزَّعون، ويُيَتَّمون، ويُشرَّدون، ويُصابون، ويُعَوَّقون، أما أبناؤنا فيعانون من الاستيقاظ المبكر، والمذاكرة، والواجبات، والامتحانات.
سامحوني ..
أعلم أن المستشفيات مُكْتظَّة بكم وبمصابيكم، أما نحن فمُكْتَظَّة بنا أسواقُنا ومتاجرُنا الكبرى.
سامحوني ..
أعلم أنكم تصارعون الباطل، وتدافعون عن الحق، وأنا أصارع من أجل بقاء النادي الذي أشجعه على قمة دوري كرة القدم، أو للحصول على كأس البطولة.
سامحوني ..
أعلم أن حياتكم بكاء ودموع، وحياتي ضحك وشموع.
سامحوني ..
أعلم أنكم في فِتَنٍ وبلاءٍ عظيم، أما أنا ففي لهوٍ ولعِبٍ مقيم.
أعلم أن أرضكم الآن مكسُوَّة بالجثامين، والأشلاء، والدماء، وأن الدماء عندكم تسيل بلا حدود، أما نحن .. فليس عندنا دماء.
سامحوني.
#فؤاد_علوان














