استجازتي من الشيخ عبد الفتاح أبو غدة:
وقد انتهزت وجود الشيخ أبو غدة في الدوحة، فطلبت منه أن يجيزني في علم الحديث، على طريقة أسلافنا في ذلك، وكنت قد أخذت إجازة قديمًا من المحدث المغربي المعروف الشيخ أحمد بن الصدِّيق الغُماري، حين زار مصر أيام عبد الناصر حوالي سنة 1957م(1).
والحقيقة أني لم أُعْنَ من قبل بطلب الإجازات من العلماء؛ وإلا لكنت أخذت من عدد من المحدِّثين الكبار الذين لقيتهم، مثل الشيخ أحمد عبد الرحمن البنا «الساعاتي»، والشيخ أحمد محمد شاكر، والشيخ حبيب الرحمن الأعظمي، وغيرهم.
ولكنّي رأيت في إجازة الشيخ أبي غدة شرفًا وبركةً، لما أعتقده فيه من فضل وخير وصدق، وقد رفض أول الأمر، وقل: مثلك يُجيز ولا يُجاز، أنا الذي أطلب منك... وهذا من تواضعه رحمه الله ، ولكني أصررت على طلبي، وقلت: أنا أتبرِّك وأتشرَّف بهذه الإجازة، فلا تحرمني منها، فكتب لي هذه الإجازة بخطه، تقبَّله الله في العلماء الربانيين الصادقين:
نص الإجازة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد سيد الأولين والآخرين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وعلى تابعيهم بإحسان من العلماء العاملين من الفقهاء والمحدثين، وسائر المتّقين.
أما بعد فيقول العبد الضعيف عبد الفتاح محمد أبو غدة الحلبي منشأ ودارًا، تاب الله عليه، وغفر له ولوالديه: قد طلب مني الإجازة في الحديث الشريف وعلومه أخي وصديقي العلامة الدرّاكة الداعية الجيل، والمحدِّث الفقيه الحاذق النبيل، الأستاذ المفضال الشيخ جمال الدين أبو المحاسن يوسف عبد الله القَرَضاوي، الغني عن التعريف، حفظه الله تعالى ورعاه، ونفع به العباد والبلاد وأولاده، وهو صاحب التصانيف المفيدة الرائقة، والآثار النافعة الفائقة، الشاعر المفكر الإسلامي، الموهوب المحبوب. وهو غنيٌّ عما طلب، بما آتاه الله تعالى من العلوم الواسعة، والمواهب العالية الساطعة. فامتنعتُ أول الأمر من تلبيته، إجلالًا وتقديرًا لفضله ومنزلته؛ متى استقت البحار من الركايا؟! ولكنه أصرَّ واستمر، فأجبته إلى طلبته، فأقول:
أجزتُ أخي العلامة الجليل الشيخ يوسف القرضاوي بما أجازني به شيوخي الأجلة رحماتُ الله عليهم، في بلاد الشام ومصر والحرمين الشريفين والهند وباكستان والمغرب واليمن والعراق وغيرها من البلدان، ليكون ذلك اتصالًا منه بساداتنا المحدِّثين الكبار، وعلمائنا الأفاضل الأخيار. والإجازة لمستحقها وأهلها سنة أولئك الأئمة الأبرار.
فأجيزه بما أجازوني به، وبكل ما صحَّ لي وعني روايته وكتابته، ليتصل سنده بسندهم، ويكون في سلك قافلتهم، وتنالني دعواتهم الصالحة. وأوصيه ونفسي - كما أوصاني شيوخي وأساتذتي - بتقوى الله تعالى في السرِّ والعلن، والتوقير لأهل العلم والدين، والسلف الصالحين، وأن يكون خير مُعلّم لمن يتعلَّم منه العلم والدين، رحمةً وشفقة وأمانة وورعًا وإتقانًا في التوقيع عن ربِّ العالمين، والله وليُّ المتقين، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
في الدوحة من قطر يوم الثلاثاء 4 من ذي الحجة سنة 1413هـ
وكتبه
الفقير إلى الله تعالى
عبد الفتاح أبو غدة