بعيدًا عن أي اعتبارات ذاتية، دعونا نتأمل الانتخابات الأمريكية بصورة موضوعية، ونسجل ما يمكن أن نتعلمه منها بصفتنا مراقبين، حيث يمكن أن نتعلم ما يلي:
١- المثابرة والإصرار: فالمدعو ترامب شخصية مثابرة إلى حدٍّ بعيد، ولديه إصرار وعناد شديدان في مواجهة التحديات والأزمات؛ فقد ظل صامدًا منذ خسارته في الانتخابات السابقة- رغم بعض ممارساته الفجَّة-، وظل عازمًا على خوض التجربة مرة أخرى، حتى تحقق له بالفعل ما أراد.
٢- لكن المثابرة والإصرار لا بد أن يصحبهما إعدادٌ، وسعيٌ، وعملٌ، فلا نصيب للمتراخين، والكسالى، والاتكاليين.
٣- خسارةُ جولةٍ في مشوارك الممتد الطويل ليس معناه النهاية، بل هي تجربةٌ تصلح أن تكون درسًا للنجاح في المستقبل.
٤- بعض الكيانات، والتنظيمات، والأحزاب يحلو لها أن تعيش في حالة من الوهم الكبير، فتراها تتوهم أنها الأكبر والأعظم والأكثر شعبية، وهذا قد يكون صحيحًا لبعض الوقت، وليس لكل الوقت، وبالتالي لا بد من رصد التغيرات والتحوُّلات أولًا بأول، والتفاعل معها بشكل بنَّاء وجاد.
٥- لا يُقبَل أن تُسيءَ التقدير بشكل متكرر، وعلى طول الخط؛ فالحزب الديمقراطي ظل يردد: اليهود معنا، العرب معنا، البِيضُ معنا، السُّودُ معنا، ثم اتضح أن هذا وَهْمٌ كبير، وغرور شديد.
٦- الثقة والاطمئنان الزائدان يغريان بالقعود، والكسل، والتراخي، وهذا ما حدث مع الحزب الديمقراطي.
٧- الاستهانة بالعوامل الصغيرة قد تؤدي إلى فشل مريع، وخسائر فادحة؛ فاستهانة الحزب الديمقراطي بأصوات العرب والمسلمين أدت إلى فقدانها، رغم أنها ليست كبيرة جدًّا، ولكنها مُرجِّحة بلا شك.
٨- ودرس آخر: أنه لا بد من إدراك مفاتيح الشعوب، فالشعوب لها مفاتيح، أولها المفتاح الاقتصادي، وثانيها: مفتاح الأمن والاستقرار، لذلك رفع ترامب شعارات إنعاش الاقتصاد والحد من التضخم، أما الأمن والاستقرار، فقد ألحَّ على موضوع الحدود مع المكسيك، ومنع الهجرة غير الشرعية بحُجَّة أن هؤلاء المهاجرين مجرمون، ويمثلون خطرًا شديدًا على أمن البلاد واستقرارها.
٩- والدرس الكبير: أن مستقبل المسلمين مشرق، وأن تأثيرهم في المجتمعات الغربية يزداد مع الوقت، ولكن يجدر التنبيه هنا إلى أن هذا الأمر يحتاج إلى:
● حسن التخطيط والإعداد الجيد.
● وحدة الكلمة، وترابط الصفوف، والتعاون في المتفق عليه، وعذر بعضنا بعضًا في المُختلَف فيه.
● اليقظة الشديدة، والترقب الواعي، والاستغلال الأمثل للفرص.
● التأني وعدم الاستعجال: " فقد تكون الطريق طويلة، ولكن ليس هناك غيرها، وإنما تظهر الرجولة بالصبر والمثابرة والجد والعمل الدائب. فمن أراد أن يستعجل ثمرة قبل نضجها، أو يقتطف زهرة قبل أوانها فلست معه في ذلك بحال، ومن صبر حتى تنمو البذرة، وتنبت الشجرة، وتصلح الثمرة، ويحين القطاف، فأجره في ذلك على الله".
١٠- أما الدرس الأكبر: فإن لهذا الكون إلهًا، وأن الأمر كله بيده، وأن كل ما يحدث لا يخرج عن مراده- سبحانه وتعالى- فاطمئنوا، ولا داعيَ للقلق أو الخوف، أو الفزع.
{ رَبَّنَا لَا تُزِغۡ قُلُوبَنَا بَعۡدَ إِذۡ هَدَیۡتَنَا وَهَبۡ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحۡمَةًۚ إِنَّكَ أَنتَ ٱلۡوَهَّابُ }
[سُورَةُ آلِ عِمۡرَانَ: ٨]