رسائل الإصلاح.. عناق بين نضال المداد وجهاد الوعي- المدير الناشر

 قدم الأستاذ محمد الأمين ولد الفاظل حصيلة عدة أعوام من نضال المداد في كتابه الشيق "أيها المواطنون الصالحون.. أنتم المشكلة" وبين دفتي هذا الكتاب عناوين متعددة لرحلة نضال فكري وثقافي، قادها الرجل في الميدان وعبر رحيق الأفكار ونضال المقالات وفق بعض التعابير التقليدية، أو المفاكرة كما يقول إخوتنا السودانيون.

قد يختلف بعض الناس مع الأستاذ الفاظل، لكنهم قد لا يختلفون حول ضابطين كانا أبرز ما ميز قلم ونضال وحملات وأنشطة محمد الأمين، وهما:

-   ضابط علوية وحاكمية المصلحة الوطنية: ففي ضفتي السياسة التي شغلت جزء كبيرا من وعي ووقت محمد الأمين كان الهم الوطني الحاضر الأبرز، والأجمل في ذلك أنه لم يضيع وقتا كثيرا في نقد المظاهر، وإنما قدم البدائل والمقترحات، ونفذ الحملات ضد الظواهر الأكثر إيلاما للمواطنين، سواء تعلق الأمر بارتفاع أسعار الوقود، أو حوادث السير القاتلة وغيرها من الحملات الأخرى

-   الاعتدال والوسطية في الطرح: فلا يعدم أي خط فكري وسياسي جاد في هذه البلاد نقاط اتصال وتوافق كثيرة مع ولد الفاظل ومطالبه، ولا تعدم أيضا أي حركة أو تيار سياسي أن ترى في مواقفه تجديدا لبعض مطالبها، أو تناغما مع دعواتها.

وهكذا يظهر الرجل كما عبر عن نفسه:

-   إسلاميا متطرفا: في كل ما يتعلق بتأدية الشعائر الدينية وفي مواجهة كل من يريد تشويه هذا الدين العظيم أو الحط من مكانته.

-         قوميا متطرفا: عندما يتعلق الأمر بالتمكين للغة العربية، والدفاع عن هوية البلد، وإن كانت اللغة العربية جزء أصيلا من الإسلام من وجهة نظرنا.

-         يساريا متشددا: في كل ما يتعلق بالدفاع عن المهمشين والمستضعفين؟

-   ديمقراطيا ليبراليا في كل ما يتعلق بالدفاع عن كل ما لا يخالف الإسلام من القيم الديمقراطية.

وبشكل عام يؤسس الكتاب على ثنائية قديمة عالجها الفقه والدعوة الإسلامية قديما وناقشتها كتب التصوف، ولربما كان ينبغي أن يظهر هذا الاستمداد من الإرث الفقهي والتراثي في معالجة الأستاذ الفاظل لثنائيتي الصلاح والإصلاح

غير أن الكاتب بذكاء أعاد تحوير هذه الثنائية وتوزيعها على دوائر مجتمعية متعددة، أولها الطلاب والأساتذة والسياسيون والمثقفون والأطباء، متسائلا ماذا قدمتم للوطن.

ولأن الرجل لا يريد الإجابات التقليدية الجاهزة، يعيد في مقالتها الأولى المنشورة منذ 13 سنة، السؤال من جديد" هل رأيتم على سبيل المثال مجموعة من الأطباء والممرضين يتظاهرون من أجل فتح نقطة صحية في منطقة نائية"

دون شك تقرع مثل هذه الأسئلة السؤال المطلبي الذي تعبر به القطاعات المهنية والسياسية والثقافية في البلاد عن نقدها لما تعيشه البلاد من ترد، لكنه دون شك سؤال مطلبي ذاتي لا ينظر إلى الوطن ككل، يتحدث عما يعانيه المواطن، لكنه لا يتحدث عن الوطن إلا نادرا.

وعلى غرار هذا المقال وتلك الأسئلة تمضي المقالات تناقش وتشخص وتحفر حول جذور الإخفاق في مسيرات الإصلاح الوطني، غير المخروق، مؤسسا بذلك لوعي جماهيري، ولنوع من التعبير الإعلامي الذي بات منسيا في غمرة مقالات التطبيل أو الهجاء، ومع ذلك لا شك أن مثل هذا الكتاب سيخلد، لأنه ينشد الفكر السوي والخلق الحميد، ولأنه مما ينفع الناس، ومما سيسعى إلى مد جسور الإصلاح.