إلى طشقند عاصمة أوزبكستان:
وقد ذهبت إلى طشقند عاصمة أوزبكستان مع وفد من المملكة على رأسه نائب رئيس مجلس الأمناء الدكتور عبد الله نصيف، وعضو المجلس الأستاذ عبد الله علي رضا، الذي صحبناه في طائرته الخاصَّة، التي نقلتنا من جدة إلى طشقند... وقد أكرموا وفادتنا، وأنزلونا في قصر الضيافة الخاص، وعاملونا معاملة طيبة. وهذه أول مرة أزور فيها جمهورية من الجمهوريات الإسلامية، التي كانت تعد جزءًا من الاتحاد السوفييتي، ويعتبرها كثير من المسلمين من «بلاد الأقليات الإسلامية»! وكنت أقول: يا إخواننا، هذه ليست بلاد أقليات، بل هذه بلاد إسلامية أصيلة، كل أهلها مسلمون، وقد دخلت الإسلام منذ القرن الأول، فاعتبارها بلاد أقليات: لون من التحريف والتزييف للواقع.
على كل حال بقينا يومين على ما أذكر في «طشقند»، وهي التي كانت عرف بـ «شاش»، وينسب إليها الشاشيون الفقهاء وغيرهم.
وطشقند تنقسم إلى قسمين: جديد وقديم: فالجديد فيه مظاهر المدنية الحديثة، والشوارع والميادين والحدائق والمتاحف والتماثيل، وغير ذلك. وإليه كانوا يأخذوننا لنطلع على هذه الأشياء. وهناك قسم قديم من المدينة، بقي على حاله، يمثل الفقر والتخلف وسوء الحال. فهذا القسم من المدينة لا ينتمي إلى هذا العصر ولا يعرفه، إنما هو من مخلفات الماضي.
أثر الشيوعية في أوزبكستان:
هذا هو أثر الشيوعية التي حكمت هذه البلدان طوال عقود مضت. سبقت أمريكا في غزو الفضاء، وامتلكت ترسانة عسكرية هائلة، منها أسلحة الدمار الشامل، والأسلحة النووية، ولكنها لم توفر لشعوبها الرخاء الذي حصلت عليه شعوب أخرى.
لقد أنكرت الماركسية جنَّة الآخرة، التي وعدت بها أديان السماء، ووعدت أتباعها بجنة بديلة في هذه الدنيا، سيجدون فيها كل ما تشتهيه الأنفس، وتلذ الأعين، حين تحكم الشيوعية، وتطبق منهجها الاقتصادي والاجتماعي، كما وعدت طبقة العمال «البروليتاريا» أن يكونوا هم ملوك الأرض، بدل الملوك والحكام السابقين.
ولكن الواقع الذي عاشته البلاد الشيوعية، وشاهدناه وشاهده الناس في العالم، لم يجدوا لجنة الماركسيين أثرًا في ديارهم، ولا حدث أن الطبقة العاملة سعدت من شقاء، وطعمت من جوع، وأمنت من خوف، بل وجدنا الطبقة العاملة في بلاد الرأسمالية أسعد حالًا، وأروح بالًا، وأكثر فاهية منها في البلاد الشيوعية.
وهذه البلاد «أوزبكستان» نموذج حيّ، وشاهد ناطق، على أن الماركسية أو الشيوعية أخفقت تمام الإخفاق في الإيفاء بوعودها، وتحقيق أحلامها. بل كانت كما قال الشاعر كعب بن زهير:
كانت مواعيد عرقوب لها مثلا وما مواعيدها إلا الأباطيل
فلا يغرنك ما منت ما وعدت إن الأمانيِّ والأحلام تضليل