العين التي كان فيها العمل أمس ليست العين المريضة!- ذ محمدٌ ولد إشدو

يحكى أن طبيبا هاويا أناخ ذات يوم بقوم من أهل "الڭبلة" فوجد جماعة في خيمة من بينها رجل تدمع عينه. فقال له بثقة كبيرة وحماس: "عينك مريضة وسوف أداويها فورا. أوقدوا نارا وضعوا فيها مكواة واذبحوا شاة سمينة وأحضروا آسفل" (حبل من جلود). سأل المريض الطبيب: ولماذا "آسفل"؟ قال: لأشد وثاقك به حتى لا تتحرك أثناء العملية. قال المريض: لا داعي لذلك، فسوف أصبر! وتم إحضار جميع ما أمر به الطبيب إلا الحبل!

وعندها أخرج "الطبيب" موساه (مبضعه) ونزع عين الرجل وملأ مكانها شحما وأحاط موضعها بثلاث كيات، وأمر بوضع المريض في فروة (قبة من الجلود تنصب في الخيمة شتاء) ومَنْعِه من الشراب حتى ضحى الغد.

بات المريض على تلك الحالة يعاني! وفي ضحى الغد دخل عليه الطبيب منتشيا وسأله: "ما اتڭد بعد اتڭول انك ما ابريت؟" فرد المريض بهدوء أهل المنطقة المعتاد: "لا باس! العين ڭاع الي ظال فيها العمل يامس ماهي هي الكانت توجع"!

ذكرني ما جرى من عمل حكومي في المائة يوم الأولى من المأمورية الأخيرة - رغم ما علق عليها من أمل- بهذه الحكاية الطريفة!

خاصة أن فخامة الرئيس كان قد أعلن أن مأموريته هذه مأمورية حرب شعواء على الفساد، وسماها مأمورية تمكين الشباب، وحدد فيها طموحاته النبيلة لموريتانيا!

فعين موريتانيا التي جرى فيها العمل خلال المائة يوم الأولى من هذه المأمورية كانت العين الصحيحة! أما العين التي "توجع" فلم يبدأ علاجها حتى الآن، وهي:

1. انقلاب المفسدين، واستيلاؤهم على السلطة، وتحكمهم في مصائر البلاد والعباد، ونهبهم للمال العام والخاص، وتدميرهم لمؤسسات وبنى الدولة. وكان حريا بمن يريد علاج العين المريضة، أن يبدأ بالإطاحة بالمفسدين، أو بتقليم أظافرهم على الأقل، ومساءلتهم عن بغيهم ونهبهم وتخريبهم.

2. الشعب يعاني ضائقة شديدة ومجاعة وفاقة لم يسبق لهما مثيل في تاريخنا الحديث. رغم قلة عدده وكثرة خيرات وطنه. وكان حريا بمن يريد علاج العين المريضة، أن يتخذ سياسات عاجلة وصارمة تفك خناق الشعب، وتوفر المواد الأساسية بأسعار ملائمة، حتى ولو أدى ذلك إلى دعم أسعار المواد الأساسية؛ إذ دعمها أولى من زيادة مخصصات الرؤساء السابقين والوزراء الأُوَل والنواب والصحافة، مثلا لا حصرا!

3. توجد أربعة مجالات أساسية أكثر أولوية وحيوية من غيرها، هي العدالة، والأمن، والصحة، والتعليم. وكان حريا بمن يريد علاج العين المريضة، أن يبدأ بها ويأتي فيها بجديد؛ فالعدالة غائبة والدستور منتهك والقانون مدوس. والأمن الداخلي والخارجي صفر؛ حيث يقتل ويختطف الموريتانيون في الداخل والخارج، وينتشر السطو والحرابة والمخدرات واختلاس المال العام والخاص و"الڭزرة" نهارا جهارا، وتغرق القرى والأحياء. والصحة صفر. والتعليم صفر، إلا من الاكتظاظ والبؤس وقمع المعلمين!

هذا وقد سبق أن قلنا مرارا، ونكررها اليوم من جديد، إن أية سلطة – مهما كان إخلاصها– لا تستطيع أن تنجز عملا جديا دون ثقة ومساندة ومشاركة شعبها. وهذا الشرط مفقود اليوم في موريتانيا! ذلك أن السلطة القائمة قد فقدت ثقة الشعب بها من يوم أن فتحت الملف الكيدي الباطل المؤسِّس للانقلاب على نهج الرئيس محمد ولد عبد العزيز ومبادئ حركتي 3 و8 أغسطس الوطنيتين، ولتمكين المفسدين! وما لم يطو ذلك الملف ويتم إقصاء ومحاسبة القائمين عليه، فلن تعود الثقة المفقودة، ولن ينجز شيء وطني معتبر. {إن الله لا يهدي القوم الظالمين}!