
إنّ حال الأمة الاسلامية في عصرنا الحديث لا يخفى على ذو بصيرة ،و من أمعن النظر في دول العالم الاسلامي أدرك ما نحن فيه من ذل و هوان و هزيمة و انشقاق ، الجزائر و المغرب في عداوة أبدية ، ليبيا تعاني ، فلسطين تطلق أنفاسها الأخيرة و تعاني الأمرين جراء احتلال دام سبعين عاما ، اليمن بعد أن كان سعيدا أمسى اليوم يعيش حربا مستمرة تستنزف كلّ موارده و طاقاته ،مصر أم الدنيا ومنارة العلم و الفكر، تحت وطأة العسكر و العملاء ينهبون فيها كما يشائون ، فأي هزيمة هذه ؟ وأيّ ذلّ بعد المجد ؟روي عن رسول الله صلى الله عليه و سلّم أنه قال: (يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها، فقال قائلٌ: ومن قلة نحن يومئذ؟ قال: بل أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاءٌ كغثاء السيل، ولينزعنَّ الله من صدور عدوِّكم المهابةَ منكم، وليقذفنَّ الله في قلوبكم الوهنَ، فقال قائل: يا رسول الله، وما الوهنُ؟ قال: حبُّ الدنيا وكراهية الموت) وهذا و الله ما حدث .
-أصبح الدين اليوم على يد من يتحدّث باسمه مرادفا و مقابلا لجمود الفكر، و الانعزال عن حركة الحياة ،و انتكاسا شاملا في كلّ الاصعدة فكريا و ماديا ،فهل نلوم العقلاء إذ نبذوه أو بحثو له عن بدائل ؟ طبعا لا،فما يهاجمونه لم يعد دينا من عند الله ، بل هو أقرب لميدان تسوده ثلة قاصرة العقل و الفهم بعيدة كل البعد عن دين الله و دنياه ،فكيف حصل كلّ هذا الذلّ و كيف سقط مجد محمد صلى الله عليه وسلم،؟ و هل كان ذلك محض الصدفة أم تدبيرا و تآمر ؟ في هذا المقال سنحاول السفر عبر تاريخ هذه الأمة علّنا نجد جوابا للأسئلة أعلاه .
-بدأ تاريخ هذه الأمّة بخروج رسول الأمة داعيا إلى الله و دينه مبشرا بملك الدنيا و الآخرة ،منذر بعقاب الله و ضنك المعيشة ، فاتّبع الضعفاء دعوته و دخلوا في دينه ،ثمّ أنكر زعماء قريش ما جاء به و حاربوه و هجّروه فكان حينئذ نصر الله ، ثورة تهزم المشركين في عقر دورهم و تهدم أصناما بالجهل عبدت، فقام الإسلام منذ ذلك الحين سبيلا للحياة و سياسة تسوس الناس ، و نهجا يساوي الحبشي بسيده في الجاهلية ، نهجا حرّر النساء و جعل منهم عالمات و مرشدات و قادة للجيوش ، فقام العدل بين الجميع باسم هذا الدين ، قُبض رسول الله صلى الله عليه و سلم فأمّر الناس أبا بكر الصديق فأكمل المسار إذ سار على النهج و أكمل الطريق فكانت دولة إسلامية بالمدينة المنورة تلتها الدولة الأموية التي امتدّت من حدود الصين حتى شمال الاندلس ، مرورا بدولة العبّاسيين و انتهاءا بسلطة الدولة العثمانية و التي تعدّ آخر دولة تجمع الإسلام و المسلمين .
-بين دولة الإسلام في المدينة و سقوط دولة الاسلام العثمانية 1340 عاما ، كانت أمة الكفر حاضرة طوال هذه المدّة "بدئا بالسبئية و انتهاءا بأمة الغرب"تشعل الفتن ،و تحرّض الشعوب حتى هدمت آخر حاضنة للإسلام ، لم تنتهي هذه الحرب بل أشعلت من جديد بقوة و شراسة ،حرب وقودها العقل لا السلاح ، تقاتل الفكر لا الأجسام فانتشرت العلمانية بمختلف حركاتها السياسية و استبدلت هوية الاسلام بالوطن ، فانتقل هذا الدين من دين جماعي يؤسس و يسوس بالعلم و الفكر ، إلى مجرد روحانيات فردانية تشل حركة العالم الإسلامي و تساهم في إشعال فتنه فأين الحل ؟ و كيف يعاد المجد ؟
-إنّ هذا المجد المفقود بدأ من ثورة أحيت قيم الدين ، و هُدم بثورة أماتت قيمه و أفقدته ماهيته ، فهل تراه اليوم يعود صدفة ؟ كلاّ بل هي ثورة أخرى تقوم على الفكر و العقل ،فتعيد لهذا الدين ما سُلب من أمجاده و تحرّر ما أخذ غصبا من دياره و لعلّ الفيلسوف الشيوعي كارل ماركس ، كان حكيما حين خاطب عمّال العالم أن اتحدوا، فنشر بذلك فكرا تحرريا ،و لعلّي إذ أتقمّص قوله أنظر للقوى العلمانية الإمبريالية نظرته للإمبريالية الرأسمالية ،فلا أجد إلا أن أقول في كلّ مرة " يا مسلمي العالم اتّحدوا" .
-اتّحدوا سنّة وشيعة ، سلفا و أشاعرة فبتوحيد الجهود و العقول يهزم الغرب و يولّون الدّبر ، ثوروا لمجد هذا الدين فالذّل لا يليق بحجم عظمته ،ثوروا بأفكاركم و أقيموا مجتمعاتكم و دافعوا عن هذه الأمة جمعا و فرادى واعلموا أنكم أمة عزّت يوما بالإسلام فلا سبيل لها إلى العزة إلا به .
و الله على ما نقول و نفعل وكيل وشهيد














