"أوبن إيه آي" تهدّد عرش جوجل

بعد عدّة أشهر من التكهّنات حول محرّك البحث المزعوم من "أوبن إيه آي"، وهي الشركة المطوّرة لأداة الذكاء الاصطناعيّ ChatGPT، يبدو أنّ الوقت قد حان، إذ طوّرت الشركة بالفعل محرّك البحث " سيرش جي بي تي" Search GPT الخاصّ بها، لتبدأ معركة قد تكون طويلة مع أكبر محرّكات البحث عالميًّا، وعلى رأسها جوجل.

أطلقت شركة "أوبن إيه آي" مؤخّرًا خدمة ChatGPT Search، وهي عبارة عن محرّك بحث سيوفّر إجابات سريعة وذات صلة مع روابط للمصادر، حسب تصريح للشركة. وهو الأمر الّذي كان يتطلّب في السابق زيارة محرّكات بحث مثل جوجل أو بينغ، وسيتاح الوصول إلى الخدمة الجديدة لجميع مستخدمي التعرفة المجّانيّة خلال بضعة أشهر.

في البداية، سوف يسمح لمجموعة صغيرة من المستخدمين تجربة الأداة المسمّاة Search GPT، والّتي صمّمت لتقديم إجابات محدّدة ومتماسكة للأسئلة بدلًا من الروابط. وعند أولى المحاولات للبحث كان السؤال عن المهرجانات الموسيقيّة في آب/أغسطس في بلدة بون الصغيرة في ولاية كارولينا الشماليّة في الولايات المتّحدة، وبالفعل، استجاب Search GPT بقائمة من الأحداث بما في ذلك وصف قصير وروابط إلى مصادر المعلومات.

ولكنّ تلك المحاولات الأولى للبحث باستخدام المحرّك الجديد جاءت محرجة للشركة، إذ أجاب محرّك البحث عن السؤال المتعلق بالمهرجانات الموسيقيّة بمواعيد خاطئة، ووفر معلومات مغلوطة. على الجانب الآخر، لم يسلم دمج الذكاء الاصطناعيّ مع جوجل من الأخطاء أيضًا، إذ تشير التقارير إلى أنّ جوجل أحيانًا لا يستطيع التمييز بين النكات والمعلومات الجادّة. ونتيجة لذلك، أوصت نصائح الذكاء الاصطناعيّ لنتائج البحث الّتي تقدّمها جوجل في بعض الأحيان بتناول "حجر صغير" يوميًّا ولصق الجبن بالبيتزا باستخدام غراء غير سامّ. وبعد أن تسبّبت الإجابات السخيفة في قدر كبير من التسلية عبر الإنترنت، عدّلت جوجل خوارزميّة البرنامج.

ويصف الخبراء تلك الأخطاء بالـ"هلوسات". ويشير الخبراء إلى أنّ تلك الهلوسات تتعلّق بطريقة عمل روبوتات الدردشة، إذ يستخدم البرنامج كمّيّات هائلة من البيانات الّتي دُرِّب عليها لتقدير كيفيّة صياغة الجملة كلمة بكلمة. وفي بعض الحالات يمكن أن تكون النتيجة غير صحيحة، حتّى لو أُدْخِلَت المعلومات الصحيحة في البرنامج. وتعمل صناعة الذكاء الاصطناعيّ على منع مثل هذه الأخطاء من خلال عمليّات فحص إضافيّة.

ويعتمد نموذج البحث على GPT-4o "المنقّح" الذي تزوّده البيانات الاصطناعيّة، ويستخدم البحث بيانات من محرّك بحث "بينغ" Bing، بالإضافة إلى محتوى مباشر من الشركاء. وسيكتشف "تشات جي بي تي" بشكل تلقائيّ متى يحتاج المستخدم إلى البحث على الإنترنت حسب نوع الأسئلة أو بناء على طلبه، ويمكن أيضًا اختيار تلك الأداة بشكل يدويّ عن طريق النقر على أيقونة البحث على الويب.

محرّك البحث التابع لشركة "أوبن إيه آي" متوفّر على الموقع الرسميّ للشركة، ويعمل ضمن برنامج الدردشة الآلي المعروف على الموقع، بالإضافة إلى تطبيقات سطح المكتب والهواتف المحمولة الخاصّة. وستشكّل سهولة الوصول إلى محرّك البحث طريقاً سهلاً للمستخدمين للحصول على المعلومات على نحو مباشر في أثناء الحوار مع الذكاء الاصطناعيّ دون مغادرة المنصّة. وبالرغم من توفّر الميزة حاليًّا لمستخدمي اشتراكات ChatGPT Plus وTeam المدفوعة وأولئك الموجودين على قائمة انتظار SearchGPT إلّا أنّه وعلى مدار الأسابيع القليلة القادمة، ستكون الخدمة متاحة لمستخدمي Enterprise وEducation، وعلى مدار الأشهر القليلة القادمة لجميع المستخدمين المجّانيّين.

يشار إلى أنّ لدى "أوبن إيه أي" شراكة طويلة الأمد مع "مايكروسوفت"، الّتي تمتلك محرّك بحث "بينغ". لسنوات عديدة، كانت الشركة تتطلّع إلى احتلال دور أهمّ، وربّما القيادة في صناعة البحث عبر الإنترنت. في عام 2023، أفادت وسائل الإعلام أنّ "معركة" محرّك البحث القائم على الذكاء الاصطناعيّ بين العملاقين "جوجل" و"مايكروسوفت" قد بدأت بالفعل. كتب موقع The Verge في ذلك الوقت: "بعد ستّ سنوات من الهدوء، عادت شركتا التكنولوجيا العملاقتان إلى المسار الطبيعيّ للقتال من أجل مستقبل الذكاء الاصطناعيّ. "مايكروسوفت" على وشك مواجهة "جوجل" في معركة من أجل مستقبل البحث".

إذا الأمر ليس جديدًا، إذ أعلنت شركة "مايكروسوفت" العام الماضي أنّها تستعدّ للدخول في معركة مباشرة مع "جوجل" حول مستقبل البحث. وبالفعل، أعلنت "مايكروسوفت" في مؤتمر صحفيّ عن خططها لإدخال روبوت الدردشة ChatGPT التابع لشركة OpenAI إلى محرّك البحث "بينغ" الخاصّ بها. وقد حاولت شركة جوجل بالفعل استباق الأخبار، حيث أعلنت قبل مؤتمر مايكروسوفت الصحفيّ بقليل عن تقديم "بارد"، منافسها لـ"تشات جي بي تي"، ووعدت بمزيد من التفاصيل حول مستقبل الذكاء الاصطناعيّ في مؤتمر صحفيّ يوم الأربعاء.

وتشمل شركات الإعلام المتعاونة مع "أوبن إيه آي" مجموعة "إكسل سبرنغر" الإعلاميّة الألمانيّة وإمبراطوريّة روبرت مردوخ الصحفيّة "نيوز كورب" وصحيفة "فاينانشيال تايمز" وصحيفة "لوموند" الفرنسيّة. ولم يكن من الواضح في البداية ما إذا كان جميع الشركاء الإعلاميّين الّذين تمّ الإعلان عنهم حتّى الآن سيشاركون أيضًا في Search GPT.

وأكّد رئيس "نيوز كورب"، روبرت تومسون، في بيان صحفيّ أنّ "أوبن إيه آي" تدرك أنّ عمليّات البحث بالذكاء الاصطناعيّ يجب أن تستند إلى معلومات موثوقة من مصادر موثوقة.

لويس دريفوس، الرئيس التنفيذيّ لصحيفة لوموند علّق على محرّك البحث الجديد "نحن مقتنعون بأنّ البحث باستخدام الذكاء الاصطناعيّ سيكون في المستقبل القريب وللأجيال القادمة وسيلة أساسيّة للوصول إلى المعلومات، والشراكة مع "أوبن إيه آي" تضع صحيفة "لو موند" في طليعة هذا التحوّل. فهي تسمح لنا باختبار الابتكارات في مرحلة مبكّرة مع الحفاظ على القيم الأساسيّة للصحافة ونزاهتها".

وبالرغم من التكهّنات الكبيرة لتأثير "تشات جي بي تي" على هيمنة "جوجل"، يرى الخبراء أن ليس لدى "جوجل" ما يخيفها في ذلك السياق، فلم تترك المحاولات الناشئة لـ"أوبن إيه آي" حتّى الآن أيّ أثر في أعمال "جوجل". ويشار إلى أنّ محرّك البحث المعتمد على الذكاء الاصطناعيّ "نيفا" استسلم في العام الماضي، وتمّ توثيق حالات قام فيها منافس جوجل Perplexity وهو يعرض محتوى من مواقع إلكترونية حتّى ضدّ رغبات المستخدمين الصريحة.

والآن يبدو وبشكل رسميّ أنّ ChatGPT Search سيزيد من المنافسة، لكن يبقى السؤال إذا كان ذلك سيؤثّر على احتكار جوجل للبحث عبر الإنترنت؟ إذ يرى الكثير من الّذين عبّروا عن رأيهم عبر وسائل التواصل الاجتماعيّ أنّ محرّك البحث الجديد قد يقتل جوجل بالفعل!

بدوره، أكّد الرئيس التنفيذيّ لشركة "أوبن إيه آي"، سام ألتمان، خلال الإعلان عن محرّك البحث الجديد أنّ الشركة واثقة بأنّ عمليّات البحث يمكن أن تكون أفضل بكثير ممّا هي عليه اليوم. وتسعى الشركة للتعلّم من النموذج الأوّليّ ثمّ دمج التكنولوجيا في "تشات جي بي تي". وأشار ألتمان إلى أنه تفاجأ بشكل شخصيّ بمدى تفضيله لـ Search GPT على "البحث التقليديّ".

ويأتي محرّك البحث الجديد والمتطوّر في وقت تقدّم فيه "جوجل" جميع خدمات الإنترنت الرئيسيّة تقريبًا التي يستخدمها الملايين من الناس، مثل البحث والبريد الإلكترونيّ والخرائط والتحليلات والتخزين السحابيّ والمستندات عبر الإنترنت وخدمة مكالمات الفيديو ونظام تشغيل الهواتف الذكيّة الشهير "أندرويد".

في الوقت نفسه، تطال "جوجل" الكثير من الانتقادات بسبب انتهاكات قانونيّة مزعومة. إذ يتحدّث البعض عن إساءة استخدام نتائج البحث والتلاعب بها واحتكار السوق وانتهاك القوانين في بلدان مختلفة، بالإضافة إلى التهرّب الضريبيّ واستخدام الملكيّة الفكريّة للآخرين وانتهاك براءات الاختراع وجمع بيانات المستخدمين بشكل قد ينتهك خصوصيّتهم والتعاون مع الجيش الأميركيّ بشكل خاصّ، وخاصّة عن طريق جوجل إيرث" Google Earth للتجسّس على المستخدمين والرقابة على نتائج البحث، حتّى أنّ ويكيبيديا لديها قسم كامل عن الانتقادات الموجّهة ضدّ "جوجل".

في آب/ أغسطس 2024، دانت محكمة أميركيّة جوجل بتهم انتهاك قوانين مكافحة الاحتكار في أعمال البحث الخاصّة بها، وهي أقدم وأهمّ أعمال الشركة. ويرى الخبراء أنّ هذا القرار ربّما هو القضيّة الأكثر أهمّيّة في قطاع التكنولوجيا في السنوات العشرين الماضية. وبحسب ما ذكرته وكالة بلومبرج للأنباء، فإنّ وزارة العدل الأميركيّة تدرس "حل" شركة جوجل بعد أن قضت المحكمة بأنّ الشركة تحتكر البحث والإعلان عبر الإنترنت.