أخيرا وجدت الحكومة حلا لأزمة السكن الاجتماعي، وأصبحت "داري" دارا للمدرسين بعد أن تعذر توزيعها على الفئات الهشة التي وعدت بها، في برنامج رئيس الجمهورية عند ترشحه للرئاسة سنة 2019، وعند كل واحدة من خرجاته السياسية والإعلامية.
بدأت القصة سنة 2019 عندما أعلن رئيس الجمهورية مشروع "داري" وتولى تنسيق هذا المشروع عدة مسؤولين كبار، كما كان فرصة غير مسبوقة لمنح عدد كبير من الصفقات بعشرات المليارات لبناء هذه المساكن المتعددة.
وفي نفس هذه الأيام من العام المنصرم كانت تآزر قد أكملت فعليا بناء 1932 منزلا، من السكن الاجتماعي، وسط حالة من التذمر من طول الانتظار، وعدم ملاءمة كثير منها لتسكين عدد كبير من الأسر المتعففة.
أزمة التسويق
مع نهاية العام المنصرم كانت كل التقييمات تؤكد أن السكن المذكور غير صالح لإيواء الأسر الكبيرة، والفقراء الذين يستهدفهم المشروع الذي روجت له الحكومة ووسائل إعلامها بأكثر من طريقة وأسلوب.
ورغم التكاليف الكبيرة لهذا المشروع والتي ناهزت عند انطلاقتها 1.6 مليار أوقية جديدة، ويستهدف بشكل خاص ولايات الحوضين و لعصابه و كوركول و لبراكنه و اترارزه و آدرار و تكانت و كيديماغا و إينشيري..
و تتكون الوحدة السكنية من صالون و غرفة و مطبخ و مرافق و فِناء خارجي مشيدة من الاسمنت المسلح و الخرسانة..
بعد سنوات من تأخر إنجاز المشروع الذي انطلق من النعمة سنة 2022، جاءات المخرجات بعيدة من المطلوب والمتوقع، حيث كانت المنازل المذكورة المقامة في أطراف المدينة مجرد أقفاص صغيرة ، ووفقا لبعض المصادر يصل أكبرها مساحة 64 م مربع، فيما تنحط بعد ذلك إلى 46 م مربع، وهو سكن صغير لا يمكن أن يحقق المتوخى منه من تخفيف أزمة السكن على الفقراء.
فالبناء محدود الغرف محدود السعة، ومع ذلك يجب أن نتذكر أن أغلب هذه الأسر تسكن في عريش واحد لايتوفر على دورات مياه ولا يتوفر كذلك على مطبخ، وفوق ذلك توجد الأعرشة المذكورة على قارعة الطريق، وفي بعض الأحيان في تكدسات سكنية غير آمنة.
سكن غير مجاني
بعد فترة قررت السلطات الموريتانية عدم منح هذا السكن للفئات الهشة، بعد أن أعدت لوائح متعددة بالأسماء المرشحة للفوز بهذه المساكن، بعد أن تم إبلاغهم بذلك، ليتم الانتقال إلى المرحلة اللاحقة، وهي إسناد هذه المنشآت إلى شركة إسكان، الذراع التجارية، لبيع هذه المنشآت للراغبين في الشراء، وبعد كثير من التفاوض، قررت الحكومة بيع تلك المنشآت بمبلغ 7 ملايين أوقية قديمة، وهو ما رأى فيه خبراء وموظفو من شركة إسكان قرارا غير منطقي، داعين إلى بيع هذه المساكن بسعرها المقبول في السوق إذا وجدت مشتريا، ليخفق أيضا من جديد مشروع التسويق.
المدرسون الفئة الأكثر هشاشة
يأتي القرار الجديد ليحقق هدفين على الأقل، عندما يظهر الحكومة بمظهر المتعاطف مع الفئة الأكثر ضجيجا نقابيا، إضافة إلى التخلص من عبء كلف الدولة الموريتانية مبالغ خيالية، وأظهر بجلاء كيف يمكن أن تتحول المشاريع ذات الأهمية الكبرى من حل اجتماعي إلى معضلة.
في مقابل من يصنف القرار في خانة المرونة والاستفادة القصوى من المشاريع، فما المانع من التنازل بصيغة ما عن هذه المنازل لموظفي قطاع التعليم في داخل البلاد إكراما لهم وتبجيلا، يقول أحد النقابيين، وموقفنا من هذه المكرمة يتحدد مع نشر تفاصيل وشروط المنح، خاصة أن رئيس الجمهورية ذكر أن توزيع المساكن سيتم بحضور ومشاركة من ممثلي المدرسين..
مشكلة سكن داري لاتمثل نشازا بقدرما توضح بجلاء الرؤية المحدود للفريق المحيط برئيس الجمهورية والمشاريع التي شيدت في هذه الفترة، وما يمكن أن يقال عنها من حيث المعيارية والفائدة، وما اتسمت به من التأخر والتعثر، وهو ما اعترفت به الحكومة في إحدى جلساتها الأخيرة.
ولأن الحكومة لم تستطع رفع رواتب المدرسين فإكرامهم بهذه المساكن التي لم تسكن من قبلهم هو خيار لن يقابل بغير الترحيب على اعتبار أنه المتاح:
ألا إلا تكن إبل فمعزى كَأَنَّ قُرونَ جَلَّتها عَصِيُ.