*ملاحظات هامة ومختصرة على بعض مجريات الأحداث في سوريا الحبيبة، أحببت أن أسلط الضوء عليها، لكثرة ما رأيت من الغبش أثناء تناولها*:
الملاحظة الأولى :
اعتاد الناس في تحليلهم إلى إرجاع كل أمر جديد لم يكن في الحسبان إلى نظرية المؤامرة، وخاصة إذا كان المحلل قد تشبع من قانون المادة وتضخمت في مخيلته قدرات وإمكانيات قوى الاستكبار الدولية، بحيث يعتقد أنه لا يمكن أن يطير طير في الهواء ولا أن تدبّ نملة في الأرض إلا بعلمه وتحت ناظره وبتخطيط وإذن مسبق منه؛ بينما العاقل المستبصر بنور الله، يدرك أن قدرة الله حاكمة على كل شيء، وأن الله قد يعمي القويّ الصحيح ويقعده عن ردّ فعل الضعيف الذي لا حيلة له إلا قوة الإيمان بالله مع قليل من التّدبير والإعداد، وما أحداث يوم الطوفان عنكم ببعيد، فاربأوا على أنفسكم، فالذي حصل رغم تضافر بعض الأسباب المؤدية له والمعينة عليه، كان في الأول والأخير بتدبير الله وتوفيقه ومكره وتسديده، بما في ذلك انشغال القوى الكبرى عن إعاقة تقدم الم جاهدين، وتخاذل المحور الصفوي عن دعم حليفه، فالأحداث كانت أسرع ممّا تخيل الصديق والعدوّ معا.
الملاحظة الثانية :
لا توجد ثورة مسلحة عبر التاريخ استطاع القائمون عليها ضبط الأمور من الوهلة الأولى، وإنّما كل الثورات بلا استثناء، وخصوصا المسلحة منها تحتاج إلى وقت كثير، وجهد مضاعف، وتنسيق محكم لضبط الأمور، وإرساء قواعد الحكم، وقد يأخذ ذلك بعض الوقت؛ وكل ذلك بسبب الظلم والطغيان وطول فترة الاستبداد.
فقد علّمتنا التّجارب أنّه كلّما طالت فترة الاستبداد في بلد معيّن، احتاج النّاس إلى جهد أكبر ودفعوا ضريبة أفظع للتّخلص منه؛ لكنّ عاقبة التّخلص من الطغيان وحكم الإستبداد -مهما كانت الضريبة- هي بالتّأكيد خير وأفضل لمستقبل البلاد والعباد.
واقرأوا إن شئتم تاريخ الثروات في الشرق والغرب.
الملاحظة الثالثة:
يا أيها المتباكي على نظام السفاح، المتظاهر بالوجل على مستقبل البلاد وأمن المقاومة في فلسطين، عليك أن تدرك أنّه بعد سقوط نظام الأسد، على يد الثوار الأحرار، لم يعد هناك من خيار آمن لمستقبل الكيان في المنطقة، فطب نفسا إن كان هم المقاومة هو ما يقلقك بالفعل، فهما خياران لا ثالث لهما:
- إمّا أن تقوم دولة سنّية قوية على حدود الكيان، فتكون ملتقى للأحرار ومنطلقا للإعداد والتنسيق بين المقا ومة وأنصار الم قاومة، وهو أمر إن حصل سيكون له الأثر الإيجابي البالغ على الشام والشرق الأوسط والشعوب السّنية بصفة عامة.
- وإمّا ألا تكون هناك دولة، فتعم الفوضى وتفتح الأبواب -كلّ الأبواب- فيسهل تهريب السلاح، وإدخال المؤمن، وتكثر المناوشات، فتتشتت جهود الصهاينة (يتفرگ اعليهم ادگيگ) وهذا أفضل بكثير ممّا كان عليه الوضع زمن (الكلب الحارس) حيث الهدوء والسكينة في الجولان المحتل، والنار والدمار في باقي المدن السورية.
وخاصة إذا أخذنا في الحسبان أنّ الكلمة العليا في قادم الأيام ستكون بلا شك لفصائل الج هاد في سوريا شاء ذلك من شاء وأبى من أبى.
الملاحظة الرابعة:
كثر الحديث عن أحمد الشرع (أبو محمد الج و لاني) والتخوش من تاريخه، وعلاقته بالقاعدة وداعش.. فأحببت أن أوضح الأمور التالية حتى تتضح الصورة:
1- : الجولاني كان ولا زال ينتمي للتيار الجها دي الذي يؤمن بضرورة مقارعة الطغاة والغزاة بالسلاح، وإن كان من أكثرهم اعتدالا ووسطية -تصريحاته ومقابلاته الأخيرة خير دليل على ذلك- لكنه لم يتنكر يوما لهذا الانتماء ولم يدّع غيره.
2- : الرجل بايع القاعدة في فترة معينة بالفعل وعمل مع الزر قاوي صحيح، لكنه لم ينتم لداعش يوما، بل قاتلها، ولم يتفق يوما مع أبو بكر البغدادي (مؤسس دا عش) بل كان هو وجبهته من أشد الناس محاربة له ولداعش وتبيينا لخطرهم وكشفا لغلوهم وتسليطا للضوء على مكامن اختراقهم من قبل المخابرات الدولية.
ثمّ إنّ الرجل وجماعته، بعد تجربة الثورة الأولى، فكوا الإرتباط بالقاعدة، وأعلنوا ذلك، ودخلوا في تحالفات جديدة، وقد كان للتجربة ونضج الفكرة دور كبير في ذلك.
3- : صحيح أنّ الرجل يتزعم التحالف المشكل لغرفة عمليات الفتح المبين (ردع العدوان) ويقود فصيلا من أقوى فصائله، لكنه ليس هو صاحب الأمر والنهي الوحيد في هذا التّحالف، بل معه مجلس قيادي يتكون أفراده من فصائل شتّى، وتنتمي لمدارس إسلامية مختلفة؛ لكنهم جميعا آمنوا بضرورة التخلص من نظام السفاح واتفقوا على الآلية، ووضعوا تصورا مبدئيا لما بعد سقوطه، وقد اكتسبوا الخبرة وأخذوا العبرة مما فات، فينبغي أن نحسن بهم الظن في ما هو آت، إلى أن يتبيّن العكس؛ فهم في النهاية إما أن يحسنوا، وهذا ما نأمله ونتوقّعه، أو أنّهم في النّهاية لن يكونوا أبدا أسوأ من الأسد ونظامه الدّمويّ والطائفيّ.