متى تستفيد موريتانيا من ركيزة التدريب المهني في التنمية المحلية- ترجمة موقع الفكر

أجدني مضطراً أن أرفع صوتي للتنبيه إلى أن موريتانيا ما تزال بعيدة جداً عن الاستفادة من أهم ركائز مقاربات التنمية، ألا وهي التدريب المهني بشكل عام والتدريب المتخصص بشكل خاص.

يعد التكوين المهني بشكل عام قطبا مستقلا للتنمية، بل يشكل في الواقع التيار الرئيسي للتنمية. وباختصار، فهو يهيئ الإمكانات البشرية ويزودها بالوسائل اللازمة لنجاحها. ومع ذلك، فإن الروح الحقيقية للتدريب المهني لا تكمن فقط في تأسيس المؤسسات، بل في الرؤية التنظيمية وروح الإدارة التي يجب أن تركز على مسارات متعددة، أبرزها حجم الفئات المؤهلة للتدريب؛ الفرص والمجالات التي يمكن تنفيذها، بالإضافة إلى استشراف وتخطيط التنمية الاقتصادية.

ضعف القدرات المالية

أستطيع القول إن تجارب التكوين المهني العديدة في موريتانيا كانت دون المتوقع ودون تلبية الاحتياجات، وأيضا بطبيعة الحال كانت دون ما يمكن توقعه من نتائج، مع الأخذ في الاعتبار القدرات المالية المخصصة لهذا القطاع.

إن الارتجال واللامبالاة وضعف الراقتبة دائما ما تكون عاملا أساسيا في إضعاف المقاربات النوعية التي تعلنها الدولة وتنفذها، رغم أن لديها أموالاً عمومية قادرة على تحقيق أضعاف ما أنجزته دول الجوار والبيئة الإقليمية.

إننا نواجه اليوم متغيرين مهمين للغاية يجب علينا إعادة تقييمهما لتوجيه سياسة التدريب المهني. بادئ ذي بدء،و يتعلق الأمر بحالة الهجرة المؤلمة للشباب الموريتاني، الذين تتقاذفهم بحار وغابات الولايات المتحدة أو غابات المكسيك، هاربين بحثًا عن فرصة عمل، من بلد يتمتع رغم ذلك بالكثير من الثروات والفرص ومقاربات قادرة على تحويله إلى قطب تنموي في القارة.

أما الثاني فيتعلق بالفرص والآفاق الاقتصادية الكبرى التي سيفتحها لنا استغلال الغاز.

وإذا كانت المرحلة الأولى هي مرحلة التصدير، فلا يمكننا أن نبقى مكتوفي الأيدي في انتظار المرحلة الثانية التي ستكون مرحلة استثمار ضخم على الأرض: فهي تتطلب أولاً إجراءات وتدريبًا مستقبليًا.

في ضوء هذه المقاربات فإن المسار الإداري الحالي في قطاع التكوين المهني ليس واعدا- ويؤسفني أن أقول ذلك بكل صدق- لأنه يتميز بالبيروقراطية القاتلة، والبدائية في التنفيذ، والعمى التام عن الاحتياجات التي تطرحها المستجدات. لاسيما في القطاع الصناعي.

تداعيات ضخمة

قبل بضعة أسابيع، خلال مؤتمر نظمه المجلس الوطني للشباب، تحدثت عن المجالات التي أرى من الضروري التركيز عليها في التدريب المهني. حيث يمتيز الشباب بسهولة تدريبهم وفوائدهم الاقتصادية الهائلة وفرصهم الكبيرة، وهذا من شأنه أن يرفع مستوى المهارات ويبني قوة عاملة محلية مؤهلة تتناسب مع المحتوى الذي نحتاج الاستعداد له.

يجب تفضيل ثلاث منافذ التجميع الصناعي أولاً: حيث يمثل اللحام الصناعي حجر الأساس لجميع الأعمال الميكانيكية، فهو لا يتطلب سوى أربعة عشر شهرًا من التدريب وستة أشهر من الممارسة كحد أقصى حتى يحمل المستفيد شهادة معترف بها (معتمدة) عالميًا ويمكنه في هذه الحالة  الاستفادة من موارد مالية كبيرة. ومن المؤسف أن الموريتانيين لا يمثلون حاليا سوى 20% من القوى العاملة في موريتانيا في مجال اللحام الصناعي. في هذا المجال، يتم أيضًا البحث عن متخصصين آخرين: صانع غلايات، عامل تركيب أنابيب، عامل تركيب، عازل، إلخ.

المجال الثاني، تحويل الطاقة: هذا مجال مهم جداً لإنتاج الطاقة، متعدد التخصصات ويتطلب عمالة محلية متخصصة.

أما الثالث فهو المناولة ينشأ من الأولين إذ كلاهما يستخدمه في جميع أنشطته. هؤلاء هم المشغلون القادرون على إدارة جميع مراحل العملية، وفقًا لمعايير السلامة الدولية.

ولا يزال التواجد الموريتاني في هذا المجال معدوما وتسيطر على هذا الطاع في بلادنا العمالة الآسيويية ومواطني جنوب أفريقيا، فهم يحملون شهادات معترف بها دوليا.

رواتب مجزية

يمكن لموريتانيا الاستفادة من مكاتب التدريب الدولية المتخصصة لتأهيل وتدريب الشباب لمدة تصل إلى سنة، قبل الحصول على شهادة في التخصص. وهو مطلوب بشدة في سوق الطاقة. وهذا يولد رواتب كبيرة وموارد مالية كبيرة.

لقد قمت بالفعل بالاتصال بعدة مكاتب دولية حول هذا الموضوع وأبدت جميعها رغبتها في فتح فروع لها في موريتانيا. لكن الملف يتطلب إرادة حقيقية من الدولة الموريتانية والتعاون مع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة العاملة في موريتانيا. ولسوء الحظ، فإن هذه المجالات غائبة عموما عن سياسات وزارة التكوين المهني واستراتيجيات أصحاب العمل لدينا الذين ينصب تفكيرهم على الاستيراد والتصدير في نسقه التقليدي.

و رغم هذه الثروة الهائلة و الآفاق الكبيرة، فإن العقليات السائدة لا تستطيع بناء استراتيجية موازية تهدف إلى إعادة بناء استراتيجية وطنية للتكوين المهني، وإعادة هيكلة المجال من خلال إيلاء اهتمام أكبر لقطاع الطاقة، دون أن ننسى تنظيم منتدى وطني لمناقشة آفاق التدريب المهني الذي سيشارك فيه جميع أصحاب المصلحة المحتملين، وخاصة الشركات الصغيرة والمتوسطة.

- أحمد ولد الخراشي(*)

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* رجل أعمال موريتاني

- عضو في CEM (نادي رجال الأعمال الموريتانيين)