يأخذ الحرج السياسي مساره من جديد، وهاهو الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني بعد أيام قليلة من استقباله للرئيس الجزائري عبد المحيد تبون، يجد الرئيس الغزواني نفسه مضطرا لزيارة المغرب في عيادة لزوجته السيدة مريم بنت الداه التي تعرضت لظرف صحي دقيق – وفق المكتب الإعلامي لرئاسة موريتانيا.
وبزيارة الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني إلى المغرب يكون أول رئيس لبلاده يزور الرباط منذ قرابة عشرين سنة، بعد آخر زيارة نظمها الرئيس معاوية ولد سيدي أحمد ولد الطايع ولاقت يومها احتفاء غير مسبوق من العرش المغربي
ولد الغزواني.. عراب تحسين العلاقات الموريتانية المغربية
قبل وصوله إلى السلطة كان العنصر الأكثر قدرة على إحداث توازن في علاقة موريتانيا بالمملكة المغربية، خصوصا بعد أن توترت العلاقة بقوة بين نواكشوط والرباط، التي كانت أهم داعم للانقلاب العسكري الذي أطاح بالرئيس الأسبق سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله، كما كان قادة أمنها الخارجي أول زائر لموريتانيا بعد الانقلاب المذكور، كما ظل الإعلام المغربي لفترة طويلة يتحدث عن الأصول المغربية للرئيس محمد ولد عبد العزيز، فيما كان أيضا الإسناد المغربي لموريتانيا دبلوماسيا قويا جدا، من أجل تجاوز الأزمة السياسية التي أعقبت الانقلاب،
وخلال السنة الأولى من حكم ولد عبد العزيز، تحسنت العلاقات بين موريتانيا والمغرب بشكل كبير، كما ساءت مع الجزائر بشكل كبير، حيث سحب نظام الجزائر كثيرا من استثماراته في موريتانيا، كما كانت الدبلوماسية الجزائرية رأس حربة ضد الاعتراف بالسلطات الانقلابية الجديدة في موريتانيا
هل أسهمت متغيرات أزواد في انقلاب موريتانيا نحو الجزائر؟
لا يمكن تفسير التحول الكبير الذي حصل في موقف موريتانيا تجاه العلاقات مع الجزائر دون المرور بمتغيرات أمنية وسياسية وقعت في شمال مالي منذ العام 2010 ووصلت إلى عمق أزمتها في العام 2012، حيث بدأت موريتانيا تحولا تدريجيا نحو الجزائر، كاد أن ينتهي بقطيعة شديدة بين موريتانيا والمغرب، ورغم تعدد الأسباب، فإن خصوم الرئيس السابق تحدثوا عن دور أسطوري لعرافته التي زعمت أنه سيفقد حكمه بمجرد مصافحة عاهل المغرب.
إلا أن الحقيقة الأكثر وضوحا هي تعدد أسباب التأزم بين البلدين، خصوصا أن النظام السابق لموريتانيا قد استهدف أيضا بشكل كبير عددا من الأذرع المالية والمجتمعية للمغرب في موريتانيا، كما أن المغرب حصرت تحسن علاقاتها بشكل كبير.
وخلال هذه السنوات تحدثت مصادر متعددة عن تجنيس موريتانيا لعدد كبير من الصحراويين، وعن دعمها لمقاربات متعددة، استفادت منها البوليساريو.
كما أن موريتانيا أيضا وبشكل واضح رفضت بقوة فتح قنصلية لها في مدينة لعيون المغربية – الموريتانية سابقا- وهو الخيار الذي تعتبره المغرب تأكيدا تاما لاعتراف أي بلد بمغربية الصحراء، وهو ما يتناقض بشكل كبير مع موقف موريتانيا من الحياد الإيجابي.
ومع أزمة الكركارات وتصاعد التوتر بين البلدين، فعلت نواكشوط خيار إحياء وتأهيل منطقة لكويرة، في رد على أي تصرف ممكن تسعى به الرباط إلى فرض سيطرتها على المنطقة المتنازع عليها سابقا بين البلدين.
ووصلت الأزمة بين نواكشوط والرباط قمتها مع تصريحات رئيس حزب الاستقلال المغربي فؤاد شباط الذي اعتبر أن موريتانيا هي جزء تاريخي من المملكة المغربية، حيث أثار هذا الموقف غضب نواكشوط بشكل كبير، كما رفض الرئيس السابق ولد عبد العزيز، استقبال مكالمة من العاهل المغربي، قبل أن يتدخل قائد الجيوش يومها محمد ولد الشيخ الغزواني ليسهل الاتصال الهاتفي بين العاهل والرئيس المغربي، وليمكن أيضا من احتواء الأزمة التي كادت أن تعصف بقوة بعلاقات البلدين.
الغزواني بين خيارات جارين متناقضين..
مع وصول الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني إلى السلطة، كان الرهان المغربي أكثر وضوحا واستبشارا بالضابط الهادئ ذي العلاقات الواسعة مع دوائر النفوذ الدولية، والذي طالما قضى كثيرا من عطله في المملكة المغربية، وطالما كان محورا لكثير من العلاقات الثنائية أو الإقليمية التي تجمع موريتانيا سياسيا وأمنيا مع المغرب.
وتفاءل المغاربة بوصول الرجل للحكم من أجل إعادة الروح للعلاقات التي عاشت موتا سريريا خلال المأمورية الأخيرة للرئيس ولد عبد العزيز، إلا أن ولد الشيخ الغزواني اختار بسرعة توجيه رسائله إلى دول الجوار، وخصوصا المغرب، حيث أكد اعتراف موريتانيا بالجمهورية الصحراوية، واستمرارها في خيار الحياد الإيجابي، وهو الموقف الذي لم يرق للمغرب، ليعيد إعلامها من جديد الهجوم المستمر والقاسي والموجه إلى موريتانيا وشخص رئيسها محمد ولد الشيخ الغزواني.
زيارة شخصية أم سياسية؟
اهتم الإعلام المغربي بزيارة الرئيس الغزواني إلى المملكة المغربية– عيادة لزوجته التي احتضنها المستشفيات المغربية- وخصه الملك بلقاء خاص لم يحظ به رؤساء دول كبيرة زاروا المغرب خلال الفترة الأخيرة.
ووفق إيجازات رسمية مغربية فإن الزيارة تناولت أبعادا سياسية واستيراتيجية، ولا يمكن حصرها في الجانب الشخصي، أما الجانب الموريتاني فلم يتجاوز بها "المعنى الأخوي والإنساني"، خصوصا أنها تأتي بعد توسع كبير في العلاقات بين موريتانيا والجزائر، وفي ظل تأزم اقتصادي صامت بين موريتانيا والمغرب.
ومهما يكن فإن العلاقة بين البلدين أكبر من القطيعة، وأعمق من التأزم، غير أنها بحكم التشعب وتناقض الخيارات الاستيراتيجية للبلدين من قضية الصحراء، تظل عرضة لهزات كثيرة ومستمرة، خصوصا أن للمغرب أكثر من ورقة استيراتيجية في موريتانيا، ولموريتانيا أكثر من وسيلة ضغط صامت على المغرب، وأن البلدين يمكن أن يصلا إلى خيارات نوعية من التقارب، إذا خففت الرباط قليلا من مركزية "القضية الصحراء" في علاقاتها مع العالم، واستطاعت موريتانيا إقامة توازن منطقي في العلاقة بين جارين يغيظ كل منهما ما يرضي الآخر.
.