حرصا منا في موقع الفكرعلى الا ستفادة والإفادة، وسعيا إلى نقل التجارب في كل ميدان، ووضعها بين أيدي المهتمين قصد الاستنارة بها، وترسم خطاها، لتجويد العمل وتحقيق الغرض، والتكامل بين السابق واللا حق، نستضيف لكم اليوم وجها إعلا ميا رائدا، وشخصية ثقافية وأدبية لها حضورها القوي في الساحة الوطنية، و مرجعية تربوية لها تجربة ثرية متعددة ومتنوعة،وقد تناول اللقاء واقع الاعلام وسبل إصلاحه وتطويره، وموضوع التعليم وكيف نعالج الخلل الحاصل في منظومتنا التعليمية، ونرفع من أداء مقرراتنا حتى تحقق النتيجة المرجوة، شملت المقابلة كذلك واقع المشهد السياسي الحالي وتقييمه لسنتين ونصف من حكم ولد الشيخ الغزواني، ورأيه في اللجنة البرلمانية التي تو لت التحقيق في ما بات يعرف بفساد العشرية، وفي المقابلة أشياء أخرى, نترك لكم متابعة كل ذلك مع ضيفنا الكبيرالأستاذ الحسن بن مولاي اعلي:ـ
موقع الفكر نود منكم أن تعرفوا المشاهد بشخصكم الكريم من حيث الدراسة والشهادات والوظائف التي تقلدتم؟
الأستاذ الحسن مولاي اعلي: بسم الله الرحمن الرحيم في البداية جزاكم الله خيرا، اسمي الحسن ولد ملاي اعل من مواليد قرية تكنت في أواخر الأربعينات، ولدت يتيما حكما؛ لأنني لم أشاهد أبي قط ولكن من الله علي بوالدة كانت تزن الكثيرمن الرجال، ولم تبخل علي هي وجدتي وخالي من غرس القيم التي تنفع في الدنيا والآخرة، حفظت القرآن الكريم مبكرا على جدتي الشريفة بنت علي ولد مولاي رحمة الله عليها، ثم تولت أمي رحمها الله إعدادي للمعارف الضرورية من مبادئ العلوم، خاصة اللغة العربية والأدب ومع تقدم السن انتقلت إلى جدي لأمي محمد المامي ولد إبراهيم فال ولد المصطف رحمه الله، وكان عالما مدرسا من أهل كتاب الله، ثم من بعده عدت إلى خالي محمد موسى ولد محمد المامي، هذه هي البيئة التي نشأت فيها وحصلت فيها معارفي الأولى ،ومن ثم انخرطت فيما ينخرط فيه أبناء بيئتي وجلدتي من أعمال مختلفة قادت في مرحلة من المراحل إلى الهجرة من البلاد إلى السينغال، وكنت شابا يافعا في العشرينات تقريبا، وفي بعض مدن السينغال "دكار" "واندر" كانت لي إقامات مع بعض من الأخوة والأصدقاء من بلدي، ولكني أنشأت علاقات وصداقات وطيدة ومهمة مع شباب سنغاليين، وفي العام 1969م. جئت إلى العاصمة نواكشوط وكانت يومها قرية صغيرة، أو يمكن القول إنها كانت قريتين صغيرتين، القرية الأولى "لكصر"، والقرية الثانية العاصمة التي كانت عبارة عن مباني رسمية ،بها مكاتب ومساكن للموظفين وسوق مركزية كانت عبارة عن خيمة أو مظلة كبرى، تحيط بها بعض المتاجر الصغيرة، وحولها بعض المساكن الشعبية البسيطة، جئت إلى نواكشوط بهدف الالتحاق بمدرسة الشيخ العلامة بداه ولد البوصيري رحمه الله، والتحقت به في لكصروقد جئت لغاية محددة ،وهي أن أدقق نص القرآن الكريم على الشيخ؛ لأنني درسته وحفظته على إحدى النساء ،ومن المعتاد أن يكون المقرأ والتجويد والرسم من اختصاص الرجال، لذلك جئت إلى خبير بكل ذلك رحمه الله ،واستقبلني وسلكت عليه القرآن ،ثم تلقيت عليه ما سمح به الوقت من علمي المقرأ والرسم، طبعا انواكشوط يومها كانت قرية صغيرة ،والمناشط ضعيفة عموما ،وكان أهم ما يجتمع عليه الناس ويهتمون بسماعه هوالإذاعة الوطنية ،التي كانت حينها هي الجهة الوحيدة التي تمدهم بالثقافة والأدب والعلم، وكانت هي المصدر الوحيد بمختلف ما تقدمه وأساسه- عدا عن نشرات الأخبار والبرامج السياسية- المدرسة الشعرية الشعبية التي كان يديرها المرحوم محمدن ولد سيدي ابراهيم رحمه الله، وكان يستجلب لها الأضياف من كل حدب وصوب، كان بالنسبة لي صديقا ودودا وكان لي معه بعض المراسلات التي منها شعرشعبي وغير ذلك، في سنة 1970م. تحديدا اتفقت مع أحد التجار الموريتانيين القادمين من السينغال على العمل معه في متجر له ،وقضيت معه عدة أشهر تعرفت خلالها على جانب آخرمن جوانب حياة المواطنين بالمدينة في ذلك العهد، تعرفت على بعض الأشخاص الذين باتوا بعد ذلك أصدقاء من مختلف مناطق البلد ثم التحقت بالإذاعة الوطنية سنة 1972م. ولهذا الالتحاق قصة وهي أن الحكومة أعلنت عن مسابقة لاكتتاب مجموعة من المحررين باللغتين العربية والفرنسية وشاركت فيها وحصلت على المرتبة الأولى في محرري اللغة العربية، وكانت المسابقة بإشراف ما يسمى يومئذ بالأمانة العامة للإعلام التي كان مقرها في رئاسة الجمهورية، واستقبلنا الأمين العام حينها يحي ولد عبدي رحمه الله وبشر بأن الدولة ستبتعثنا إلى جهة ما لتلقي بعض المعارف والتدريب والتكوين، ثم طال الأمد في ذلك والتقيت ذات مرة -عرضا- بالأستاذ محمد محمود ولد ودادي، وكان يومها مديرا جديدا للإذاعة وتناولنا بعض الحديث ،وشعرنا بأن لقاءنا ينبغي أن يستمرويتواصل ،ودعاني إلى الإذاعة فجئته واستلحقني بها موظفا بمكافئة شهرية غير رسمية ،ومن هناك بدأت قصتي مع الإذاعة، وخلال أشهر قليلة شاركت في بعثة من الاذاعة للتدريب في الجزائر،وضمت تلك البعثة الأستاذ الصحفي محمدن ولد أحمدو السالم رحمه الله وكان معنا أفراد آخرون من جهات إعلامية، ما زالت تعد نفسها يومئذ للوجود.
مكثت في الجزائرستة أشهر، وكانت تلك المرحلة هي مدرستي الإعلامية الحقيقية التي خضعت لها ،وكانت تجربة رائدة ورائعة ،واكتسبت فيها الكثيرمن المعارف واقتنيت فيها - ولعل هذا هو المهم جدا- ما استطعت اقتناءه من الكتب والدراسات والأبحاث ،وكانت الجزائر يومها ثرية بذلك عكس موريتانيا في ذلك الوقت، ورجعت محملا بحمل ثقيل من الكتب النافعة.
بعد رجوعي من الجزائراحتفى بي المدير العام ولد ودادي حفظه الله ،وهو صديق ورجل فريد من أعيان ذلك التاريخ ،ولا يزال من أعيان البلد ولله الحمد، وبدأت بعد ذلك مباشرة العمل في الإذاعة من أجل إيجاد موطئ قدم للبرامج العربية التي كانت موسمية تقريبا ، وأنشأنا بأمر من المدير قسما للإنتاج العربي، واستطعنا بواسطته اقتناص مجموعة كبيرة من الكفاءات الشابة التي كنت أقتنصها من مختلف المجالس والمناسبات، وكنت أجد على ذلك دعما كثيرا من طرف الإدارة، وفي فترة قصيرة تجمعت معي نخبة الثقافة العربية في البلد، وكان كل اسم منها علامة مستقلة ومن هؤلاء على سبيل المثال لا الحصر " المرحوم الشاعر محمد كابر هاشم والدكتور الخليل النحوي والشاعر الكبير متنبي موريتانيا ناجي محمد الامام والشاعر الكبير إسماعيل ولد محمد يحظيه والكاتب والشاعر والأديب الكبير أحمد سالم ولد مولاي اعلي " وغيرهم.. فهي مجموعة كبيرة فيها الرجال والنساء، ثم بعد ذلك تحولت الإذاعة إلى مؤسسة، وتم تعييني فيها مديرا للبرامج وتم تأجيرمنزل مستقل عن مباني الاذاعة لأعمال الإنتاج البرامجي وتحولت إليه الإدارة وكان المصنع الذي أنتج كل تلك البرامج واستطعنا في تلك السنوات الثلاث أو الأربع أن ننتج وننجزالكثيرمن البرامج العربية، التي تتناول وتمس كل مجالات الحياة الوطنية، واستمرت فترتي في الإذاعة من سنة 1972م. حتى الانقلاب على ولد داداه 1978م. واستطعت من خلال تلك السنوات الست من موقعي مديرا للبرامج أن أجوب الكثير من الأقطار في العالم وشاركت في عدة مؤتمرات دولية للإذاعة والتلفزيون ،سواء في الدول الافريقية كساحل العاج والسنغال ومصر والجزائر وتونس، كما شاركت لمدة 40 يوما في دورة تدريبية للإذاعات الريفية بالولايات المتحدة سنة 1976م. مع مجموعة من مديري برامج الإذاعات الإفريقية ،وكانت تجربة مفيدة وفيها الكثير من المعارف والاتصالات، واستطعنا أن نعود منها بالكثير من الخبرات التي بادرنا بتنفيذها ضمن مسطرة برامجنا وكانت ذات جدوى كبيرة، كما شاركت في الكثير من اللقاءات العربية كاللجنة العربية للإعلام التابعة للجامعة العربية في القاهرة، ومنتدى إعلام دول عدم الانحياز الذي دعا له الرئيس التونسي الأسبق الحبيب بورقيبة سنة 1974م. ويمكن أن نقول إلى حد ما إن تلك المرحلة كان ختامها أن انتدبتني وزارة الإعلام رئيسا لوفد الإعلام المكلف بتغطية الحج سنة 1977م. وهي مهمة قررت أن أواجهها بقوة وكفاءة وأعتقد - كما يقول الناس وسجله بعضهم - أننا في تلك السنة استطعنا لأول مرة أن نجعل المتابع والمستمع للإذاعة يشارك الحجيج مشاعرهم في كل موقف من الحج، كانت تلك بالمختصر المفيد هي مسيرتي في الاذاعة وقد انتهت تلك المهمة بانقلاب وبسبب بسيط؛ لأن الجناح المدني للعسكريين الذين انقلبوا على السلطة كان فيه أشخاص لا أنسجم مع الكثيرمن مواقفهم؛ وبالتالي غيروا بعض الوظائف الرسمية في الإذاعة، كالمديرالعام ومساعده ومدير البرامج، ثم بعد ذلك قررت أن أضع حدا لوجودي كصحفي موريتاني تابع للإعلام الرسمي وهذا ما فعلته، وفي سنة 1979م. بدأ الإعداد للمعهد العالي للدراسات والبحوث الإسلامية وكنت ضمن الدفعة الأولى التي انتمت إليه عن طريق المسابقة، وتخرج نصف تلك الدفعة قضاة ونصفها الآخرأساتذة في التعليم الثانوي ،وكنت من النصف الأخير، وقمت بالتدريس في ثانوية الميناء سنة 1983-1984م. ويوجد أجاود المجموعة التي درستها ولله الحمد في مواقع بارزة اليوم على المستوى الدبلوماسي والاقتصادي، وانتقلت بعد ذلك عن التعليم الرسمي؛ لأن جهة موريتانية ذات صلة بالمساجد والمحاظر وهي "لجنة المساجد والمحاظر" – وهي هيئة شعبية خيرية- قد أنشأت معهدا للدراسات والبحوث الإسلامية وهو "معهد ابن عباس" وطلبت من الحكومة إعارة بعض الأساتذة وكنت من ضمنهم وتحولت إلى ذلك المعهد، وكنت أقوم بتدريس علوم الحديث والفقه المقارن وهناك أنهيت مسيرتي الوظيفية ،حتى حصلت على التقاعد سنة 2004، وفي سنة 2005 انتدبت في الإذاعة الوطنية لإعداد مسطرة لتدقيق برامج اللغة العربية؛ لأنها كانت تمر في تلك المرحلة بالكثير من التحولات وكان هناك الكثيرمن العناصرالتي لا تجيد ضبط اللغة العربية ،وقبلت العرض وأقمت مضبطة للغة العربية في الإذاعة، وواصلت معهم العمل حتى سنة 2011م. وتمت دعوتي حينها من جهة أخرى، وجدت ترخيص إذاعة حرة هي " إذاعة التنوير" وقبلت العرض أيضا، وانطلقنا تلك الانطلاقة التي كانت رائعة في السنوات الأولى، ثم مع مرور الوقت بدأنا نجد بعض العوائق، ولا زلنا نكبو ونحبو، ونواجه؛ لأن هناك الكثير من المصاعب والمشاكل، وهذا باختصار هو شريط مسيرتي.
موقع الفكر: ما هو تشخيصكم لواقع الإعلام في موريتانيا؟
الأستاذ الحسن ولد ملاي اعلي: الإعلام وقعت فيه طفرة سنة 2011م. ويبدو أن بعض المواقع فيها ،لم تستطع أن تضبط الأمر ضبطا قابلا للاستمرار؛ ولذلك يمكن القول إن العملية تعثرت وأسباب التعثر واضحة، دعني أقول إن الحكومة حين أنشأت القانون وأعدت دفاتر التزامات وطلبت من الراغبين في الاستثمار في مجال الإعلام التقدم لم تجد راغبين من رجال الأعمال يتقدمون، وهذا في حد ذاته كان مؤشرا وكان رسالة..
فوسائل الإعلام أصلا تعيش على الإعلان التجاري، والبلد الذي نحن فيه هو بلد لا يؤمن بالإعلان التجاري والمجتمع لا يلقي بالا لذلك، هناك قضية تاريخية معروفة ومشهودة وهي أنه ذات مرة في السبعينات جاءنا أحد التجار في الإذاعة يريد ترويج بضاعته وأعددنا له وصلة دعائية بالعربية والفرنسية واللغات الوطنية وشاء الله أن تلك البضاعة كسدت وانتهت صلاحيتها ولم تجد من يسأل عنها، يعني أنهم ابتعدوا عنها بقدر ما كنا نروجها؛ وبالتالي أصبح موضوعها نكتة يتبادلها الناس في مجالسهم، فعندما يريد أحدهم أن يبخس شيئا يقول "ذاك الأ باتر دكلانش" فأصبحت هناك ظاهرة لدى الناس وهي أنهم يصدون عن كل بضاعة مروجة، والتاجر الموريتاني كتوم بطبيعته ولا يريد أن يعلن عما لديه ولا ما يأتي به، فهو يذهب خلسة إلى سوق يشتري منها بضاعته الغالية أو الرخيصة، ثم يرجع ويضعها في المخازن وبعد ذلك يقرر الطريقة التي يصرفها بها، والغالب أن يتم ذلك سرا دون علم أحد؛ ولهذا قلت لكم إن التجار لم يتقدموا للاستثمار في مجال الإعلام؛ لأنهم يعرفون أن المؤسسات لن تدر من الإشهارات ما يغطي تكاليفها ويخافون أيضا من التقلبات السياسية؛ لأن دولة مثل دولتنا التي عاشت تدافعا عسكريا من الصعب الاطمئنان فيها إلى إنشاء مؤسسة بعشرات الملايين، ثم تجد نفسك غدا وأنت محاصر ولذلك أحجموا عن تلك المسألة، ولذلك طلب النظام رسميا من بعض الشخصيات ذات الصلة ببعض المسؤولين أن يساعدوا الدولة في الاستثمارفي المشروع الإعلامي حتى يتقدم، طبعا لا أدعي أنني أعرف أنهم وعدوا بمقابل ذلك من الصفقات وغير ذلك ولكنني أعرف أنهم تلقوا الكثير من الصفقات بعد ذلك مقابل استثمارهم في هذا المجال ،ومن ذلك الإذاعة التي أنا مسؤول عنها، وكذلك شقيقتها قناة الوطنية لأنهم من جهة واحدة، لذلك عندما تقدم الوقت قليلا وتغيرت الأوضاع اجتمع بنا ملاك المؤسستين وقالوا لنا بالحرف الواحد إنهم لم يعد لديهم استعداد لدعم تلك المشاريع، هذا مع العلم أن موريتانيا تطورت كثيرا في السنوات الأخيرة واحتلت مراتب متقدمة في مجال حرية الإعلام لكن بقدر الصعود يكون الهبوط للأسف، إذا، مشكلة الإعلام الحقيقية أن الطفرة التواصلية جعلت من كل شخص لديه هاتف وسيلة إعلامية مستقلة، وبالتالي أصبح هناك مستنقع من المقالات والمؤلفات والتدوينات والتغريدات والبرامج الصوتية.. الخ. ولم يعد بالإمكان أن تميز خيره من شره ولا صالحه من طالحه، الحكومة هنا يفترض أن يكون لها دور في ذلك ولكن الدور الأكبر والأخطر يقع على الإعلاميين؛ لأنهم سايروا هذا الموضوع ولم يكن أماهم غير ذلك، وبدأ الخلل يتضح مع مرور الزمن ويظهر أن لا فائدة ترجى من هذا الوضع فكانت المؤسسات الرسمية تعود القهقرى من حيث وصلت من البداية لأنها كانت مهيأة لأن تصبح مؤسسات خدمة عمومية تخدم المجتمع وتوقع عقدا مع السلطة بحيث إنها تكون خادمة لها ولكنها ليست بوقا لها ،وهو الأمرالذي لم يحدث للأسف حيث أصبحت تلك المؤسسات مجرد بوق للسلطة ،وعلى حذر من التيارات والأحزاب الأخرى، ومن كل ما ليس تعبيرا عن السلطة وتوجهاتها ومرادها، واليوم منذ أن وصل الرئيس ولد الغزواني للسلطة بدأت الناس تستبشر بأن سيكون هناك إصلاح ما، وأذكر أننا في السنة الماضية ونحن مجموعة كبيرة وواسعة من مختلف المشارب الإعلامية شكلنا إطارا سميناه "تمهين الصحافة" وقمنا بتعيين منسق له مع مجموعة من المحررين، وقدمنا صياغة خطة لإصلاح الإعلام، مباشرة بعد ذلك دعا الرئيس الإعلاميين من مختلف الأجيال إلى حفلة عشاء في الرئاسة، وتم الحديث في ذلك اللقاء عن أمراض الساحة الإعلامية وضرورة تلافيها ،وأنه من الضروري وضع حل لذلك ،وكانت النتيجة في النهاية أن شكلت لجنة للأمر،وقامت الرئاسة بتعيين الأستاذ محمد محمود على رأسها ،وقامت تلك اللجنة باستدعاء جميع المسؤولين ،في مختلف أطراف الساحة الإعلامية، وقدم لها كل طرف رؤيته للإصلاح ،والمشاكل التي يعاني منها المجال الإعلامي، وما يرى أنه السبيل الأقوم للتكوين الصحفي؛ فنحن لدينا مشكلة كبيرة وهي أنه ليست لدينا كلية للصحافة، وأرى أن التقريرالذي قدمت تلك اللجنة للرئاسة لابد أن تكون فيه اقتراحات إيجابية ،وأنه من الضروري أن تكون هناك إرادة لدى السلطة العليا لإصلاح حقيقي في هذا المجال، وهذا ما ننتظره ونأمل فيه ونعلم أن دونه الكثيرمن العوائق.
موقع الفكر: أزمة الإعلام في موريتانيا تخص القطاع الخاص؟ أم القطاع العام؟ أم تشملهما؟
الأستاذ الحسن ولد مولاي اعلي: القطاع العام - المتمثل في الإذاعة والتلفزة - ينص القانون على أنها مؤسسات عمومية، لكنها خرجت عن موقعها الأصلي الذي ينص عليه القانون وأصبحت مجرد أبواق للسلطة، ولا تعنيها مشاكل المجتمع ،ولا الأحزاب السياسية والتيارات الأخرى غير التابعة للسلطة وهذا خطأ كبير.
و في العشرية الماضية ظهرالإعلام الحر،ورخصت فيها القنوات التلفزيونية والإذاعات، لكن كانت هناك سياسة أن كل حزب إطار سياسي أو جمعوي نموذجي ،ويعج السلطة يتم خلق مئة إطار فاسد منافس له حتى يختلط الحابل بالنابل ،ولا يعرف الفاسد من الصالح ،وهذا لا يمكن تصحيحه إلا من خلال تطبيق القانون، أما القطاع الخاص فيواجه مشكلتين:
أولا: أن مؤسساته لابد لها من صيغة تجد بها تمويلا ويكون كل منتج في الإعلام يعمل طبقا لدفترالتزامات، يتم توقيعه وحين يختل فيه شيء يتم إغلاقه، اليوم لا توجد مؤسسة لها دفترالتزام ومنضبطة معه؛ لأنها لا تستطيع ذلك نتيجة انعدام الوسائل، لكن حين توجد صيغة للتمويل ويحصل ينبغي أن يتم ضبط القانون مع ذلك، وينبغي كذلك مراجعة القانون بعد 10سنوات وينظر في ثغراته ونقاط الضعف فيه؛ لأنه ليس سنة إلهية فهو ينشأ لمواجهة واقع معين والواقع يتغير من حين لآخر، فنحن الآن بحاجة إلى قانون تعكف عليه الجهات المعنية بالمجال ويقترح صيغة صالحة، وغيرمجحفة لتمويل هذه المؤسسات العمومية، ويفرض الالتزام بدفاتر الالتزامات، ويعمم دفاترالالتزامات على كل عمل إعلامي، بحيث لا يمكن لأي شخص أن يفتح موقعا إعلاميا دون التوقيع على دفتر التزام
موقع الفكر: ما هو دور الهابا؟
الأستاذ الحسن ولد ملاي اعلي: الهابا هيئة كان يعلق عليها الكثيرمن الآمال كغيرها من المؤسسات، وفي البداية فرحنا بها كثيرا ،وقد قامت في السنة الأولى والثانية بعملها ،لكن في السنة الثالثة بدأت تضعف ،لدرجة أنها أوقفت متابعتها لدفاترالالتزامات؛ لأن الالتزام بتلك الدفاترأمرمستحيل ،وفيه الكثيرمن الإجحاف، فالمفترض أن تكون لكل مؤسسة إعلامية القدرة على دفع الضرائب ،وإن لم تفعل ذلك يتم إغلاقها، وأن تكون الهابا حاضرة بقوة لمراقبة جميع الأطراف، فنحن الآن منذ خمس سنوات نبث دون تجديد رخصة ،فليس لدينا ما ندفع به الضرائب ،ومع ذلك لم يتم إغلاقنا بشكل رسمي ،لأن الهابا ليس لديها قانون يضبطها ،ولذلك عندما جاء الزميل الدكتور الحسين ولد مدو بدأ العمل دون تقصير في إطار الهوامش المتاحة له ،لكنه لايمكن أن يقوم بشيء، والرجل الذي كان قبله هو رجل محترم لكنه لم يغير شيئا هو الآخر.
موقع الفكر: لماذا تعيين لجنة لإصلاح الصحافة مع وجود الهابا ؟
الاستاذ الحسن ولد مولاي اعلي: يقول أهل الإعلام إن السبب في ذلك أن الهابا جزء من المشكلة وليست وسيلة للحل، وإنها ينبغي أن تراجع هي الأخرى حتى نعرف الدور المنوط بها بالضبط وما ذا حققت مما هو مطلوب منها. ........
موقع الفكر: هل حضرتم لقاء الرئيس مع الإعلاميين؟ وما تقويمكم لتفاعله مع المشاكل المطروحة على الإعلام؟
الأستاذ الحسن ولد مولاي اعل: كان لقاء يطبعه مستوى من الصراحة واستمع فيه الرئيس لكلام بعض الإعلاميين، جدير بالذكر أن كلامهم لم يكن فيه خطة واضحة أو مقترح عملي حول الأمر، وقد شدد الرئيس في كلمته على ضرورة إيجاد حل، وعلى ذلك الأساس تم تشكيل اللجنة التي لم تعلن عن شيء بعد، هناك قضية أخرى تتعلق بالإعلام عموما وهي قضية البطاقة الصحفية التي تعتبر بطاقة تعريف الصحفي ويمنحها القانون طبقا لشروط معينة لكن فيها فوضوية كبيرة للأسف وأصبح الجميع يملكها، ينبغي أن تكون لديها لجنة خاصة ولا تعطى إلا لمن هو إعلامي حقا ولديه مؤهلات ومؤشرات تؤكد ذلك ويباشر عملا يوميا يتعلق بالإعلام؛ وبالتالي تدفع له بطاقة صحفية، وقد وقع خلاف حول هذا الموضوع عند الطفرة التي شهدتها الساحة الإعلامية لكن اليوم لم يعد هناك من يتحدث عنه للأسف وبالتالي لم نعد نميز بين الصحفي وغيره، وهذا يفرض علينا تنفيذ القانون ولابد أن ندرك أيضا أن القانون عند وضعه لابد أن ينظر إلى مجموعة من الاعتبارات التي ستجعل تنفيذه ليس على حساب جهة أو أخرى ويكون فيه توازن بين الإيجابيات والسلبيات
موقع الفكر: ما ردكم على من يتهم الجهات الأمنية باختراق الصحافة؟
الأستاذ الحسن ولد ملاي اعلي: أنا شخصيا لا أعرف الأمن ولله الحمد وما يقوله البعض لا أعتمده وليس لدي خبر يوثق به، أعرف مسألتين، الأولى: أننا نحن الصحفيين ورجال الإعلام في المجال الرسمي وغيره الكثير منا ذوي أغراض وأمور خاصة وبالتالي ليس من الصعب عليهم أن يبيعوا أقلامهم، أما المسألة الثانية فأعرف أن السلطة في أي بلد لا بد أن تكون لها أعين في كل ساحة من الساحات لكن ليس من دوري تحديدهم.
موقع الفكر: متى التحقتم بالحركة الإسلامية؟
الأستاذ الحسن ولد مولاي اعلي: أنا وزملائي لا أعتبر أننا التحقنا بالحركة الإسلامية وإنما أنشأناها، ففي سنة 1977م. التي كنت فيها مشرفا على فريق وفد الإعلام المكلف بتغطية الحج حين عدت من تلك الرحلة أخذت عطلة وبعد عودتي جاءني الكثير من الأصدقاء والمعارف لتهنئتي ومن بينهم أشخاص من أهل الإعلام وآخرون من أهل التعليم، وطرح علي بعضهم الكثير من الأسئلة وتواردت خواطرنا حول أن البلد تتوزعه وتتقاسمه مجموعة من التيارات التي لا تستمد رؤيتها من الشرع، وكان الصوت العالي في تلك الفترة هو صوت الحكومة، والحكومة تخوض حرب الصحراء حينها، وكانت هناك أصوات سبقت حرب الصحراء والصوت العالي فيها للتيار اليساري وأقصد بها اليسار الأصلي ذوي الميول للمعسكر الشيوعي، وكان هناك أيضا تيار عروبي يتبع لأحدى التيارات العروبية التي ظهرت في المشرق، وكان الطرح الإسلامي يغيب في جميع تلك التيارات وكان هناك الإمام بداه رحمه الله الذي يعتبر أول داعية حقيقي مسموع الصوت في هذا البلد وله طلاب منهم نجباء يمارسون الكثير من التعليم والدعوة لكن كل ذلك كان يقع بشكل فردي ودون تأسيس على فكر محدد، وقد اجتمعنا عدة مرات في مجالس عفوية نتبادل الآراء والأفكار ونمايز بينها ونقرأ مجموعات من الكتب، ومن ذلك المنطق قررنا أن نتصل بالمثقفين الملتزمين دينيا وأخلاقيا، ونتدارس معهم سبل وطرق التعاون على البر والتقوى في مواجهة الدعوات الأخرى والأخطار المحتملة على البلد إذا ما لم يوجد من يقف بالمرصاد لتلك الانحرافات، التي كانت موجودة على مستويات عدة مسموعة ومكتوبة ومشاهدة، بشكل غير مسبوق، يمكنني أن أقول لك إن العاصمة عام 1971م. شهدت انتشارا واسعا للملحدين، وكان معظم الشباب حينها ينخرط في حركة الكادحين التي كانت تعتبر - ولا تنكر ذلك - هي أكبر حاضنة لمن يتبنى الطرح الشيوعي والإلحادي وكانت تسعى للخروج عن كل دائرة تخالف المنهج الذي استقته من كبار الملاحدة المعروفين، وعلى رأسهم ماركس،
وكان أول قرار اتخذناه أننا سنبدأ بدروس فكرية وإسلامية وعقدية خاصة بنا، نقيمها فيما بيننا، مع القيام ببعض الدروس في المساجد وهذا ما فعلناه وأذكر من أوائل من كانوا معنا "الدكتور بو ميه ولد ابياه" والشيخ محمد الأمين ولد عبدالرحمن الشيخ" و"الشيخ محمد الأمين ولد مزيد" والإمام عبدالعزيز سي رحمه الله و"محمد عبدالله ولد حمدي" و"محمد الحبيب ولد أحمد" هذا عن البداية، وقد بدأ التوسع ولله الحمد بعد ذلك ونظمنا أول مؤتمر عام 1978م. في مقاطعة لكصر وحضره 21 شخصا وأنشأنا حركة تسمى "الجماعة الإسلامية" ووضعنا خطة عمل للانتشار وكان أول أمير لنا محمد الأمين ولد عبدالرحمن الشيخ وحين سافر خارج الوطن كنت أنا خلفا له، وقررنا منذ البداية أن ننظم مؤتمرا سنويا تتغير فيه القيادة وبعد فترتي في الإمارة جاءت فترة الأمير حمدي ولد خيري، كنا نعمل عملا منضبطا وهادئا حتى ظهرت الجمعية الثقافية الإسلامية، وقد جاءت فكرة تلك الجمعية بعد استدعاء الأستاذين كاكيه ومحمد يحيى ولد فتى من طرف اتحاد الجمعيات الثقافية الإسلامية للمشاركة في مؤتمر منظم بالسينغال وحين رجعا طلبا لقاءا مع الرئيس ولد هيدالة وحين التقوا به قالا له "نحن في دولة مسلمة ونحن قادمون من السينغال فيه اتحاد كبير يسمى اتحاد الجمعيات الثقافية الإسلامية يقوم بدور كبير ونريد ترخيص جمعية على هذا النحو، فوافق لهم على ذلك وتواصلوا معي ومع عبدالله ولد الركاد، ونظمنا اجتماعا لذلك الغرض، وقررنا فيه أننا سننشئ دستورا ونظاما داخليا للجمعية، فتوليت أنا تلك المهمة والتحق بنا الدكتور الخليل النحوي حينها عن طريق خاله ولد فتى، ورجع الإخوة ( كاكيه وولد فتى ) للرئيس بنظام الجمعية، وتم ترخيصها رسميا بأمر من الرئيس وبدأ الإعلان عنها ووجدت زخما كبيرا، كما وجدت ظروفا تساعدها على النمو كموجة تطبيق الشريعة، ورحب بها المجتمع وأعطاها الرئيس تصاريح دبلوماسية يمكن أن تسافر عن طريقها واستفادت الجمعية من تلك التصاريح فيما يتعلق بالدعم، ويمكن القول إن الجمعية الثقافية الإسلامية كانت - وهذا مشهود - هي العربة الحقيقية التي حملت الحركة الإسلامية إلى الأمام وأوصلتها إلى ما وصلت إليه، وفي تلك الظروف وإبان ذلك التدافع الحركي.
لم تأت سنة 1990م. إلا وقد أصبحت الحركة الاسلامية موازية للحركات الموجودة في الساحة قبلها بعشرات السنوات والحقيقة أن الجمعية عملت في العشرية التي قبل ذلك الكثير من الأعمال، التي تذكر وكانت فترة ألق بالنسبة لها، وانتشرت الحركة الإسلامية حينها انتشارا واسعا وفي سنة 1983م. تم تغيير عنوان التنظيم من "الجماعة الإسلامية" إلى "الإسلاميون" وأصبح أميرها الشيخ محمد فاضل محمد الأمين.
موقع الفكر: في فترة "الجماعة الإسلامية" كيف كانت علاقتكم بالرئيس هيدالة؟
الأستاذ الحسن ولد مولاي اعلي: لم تكن لدينا علاقة به وإنما كانت علاقته بالجمعية فقط ولم تكن لدينا رغبة في لقائه وموقفنا من السلطة حينها أنه لا علاقة لنا بها ولم نقم بمظاهرات ضدها، وإنما كان هدفنا الأساسي العمل في المجتمع وتوعيته بأمور دينه ودنياه، لكن بعيدا عن التصادم مع السلطة أو التحالف معها، أما ما يقوله البعض من أن الرئيس استدعانا راغبا في تعييننا لكنه كان من مآخذه علينا تحالفنا مع البعثيين فهو أمر لا علم لي به، اما الحديث عن تحالف النقابات فما أعلمه أن ما قامت به نقابة الطلاب التي كانت في المعهد العالي ليس تحالفا وإنما مجرد تقاسم للمزايا بين نقابتنا نحن والناصريين والزنوج
موقع الفكر: متى قررتم الانفتاح على السياسة؟
الأستاذ الحسن ولد مولاي اعلي: قررنا ذلك من خلال المؤتمر السنوي العادي عام 1993 الذي تم تنظيمه في مقر الجمعية الثقافية الإسلامية، وكانت نتيجته أن خرجنا بمجموعة من الأمور منها الانفتاح على القيادات السياسية الوسيطة التي توجد في الساحة منذ سنوات مثل جيل الرئيس محمد جميل منصور وقمنا بتغيير اسم الحركة وأصبحت تسمى "حاسم" وكان أميرها الشيخ محمد الأمين ولد مزيد ونائبه أبوبكر ولد أحمد، وبدأت الحركة الإسلامية تتوحد، ومن ثم لم أعد أتذكر الكثير من التفاصيل بحكم أن نشاطي أصبح محدودا حين انخرطت الحركة الإسلامية في السياسة.
موقع الفكر: في تصريحات عام 1994م. كنتم عضوا في التنظيم وتم اعتقالك لكن أين تم وكيف كانت ظروف الاعتقال؟
الأستاذ الحسن ولد ملاي اعلي: اعتقلت في تلك الفترة من منزلي، ويمكنني أن أقول لكم إن تلك الاعترافات فيها ثلاث مسائل، أولا أن الرئيس ولد الطائع وزبانيته حين جمعوا جميع المعتقلين -الذين أغلبهم جواسيسهم- كان هناك ثلاث مسارات، المسار الأول مجموعة كان ولد الطايع ومجموعة معه يودون الانتقام منها، وفي نفس الوقت كان لها سند من بداه ولد البصيري، وهناك مجموعة أخرى -وهي الغالبية كما قلت لكم- هم جواسيس النظام وأنا كنت أعرفهم واحدا واحدا، وهناك مجموعة أخرى كان يستهدفها النظام استهدافا مباشرا وهدفه الأساسي إظهارهم للرأي العام على أنهم مجرمون باعترافهم ومنهم أنا والرئيس جميل منصور، أما المجموعة الأخرى فلا علاقة لها بالحركة أصلا وإنما هم مجرد مجموعة من الدعاة مثل النووي وزملاؤه فهؤلاء أخذوهم إلى أماكن التعذيب وتم تلقينهم تصريحات تحت الضغط وفعلوا ذلك، وبالنسبة لي أنا شخصيا يمكنني أن أقول لك إن تصريحاتي تم التلاعب بها من طرف المخابرات ووضعت كل كلمة منها في المكان المناسب للسلطة قبل بثها، وكانت تصريحاتي نزولا عند رغبة الشيخ بداه، كما يمكنني أن أقول لك إنني في تلك المرحلة لم أكن في قيادة الحركة، ولا في مجلسها الوطني مع أنهم قدموا لي ورقة تتضمن أسماء الأشخاص الذين شاركوا في اجتماع للمجلس الوطني قبل ذلك بفترة وجيزة، ووجدت اسمي ضمن تلك الورقة مع أنني لم أحضر ذلك الاجتماع، في تلك المرحلة ومنذ أن بدأت السياسة وقع الكثير من اختلاف وجهات النظر داخل التيار الإسلامي، والتحقت أنا وأشخاص آخرون معي بالرئيس أحمد ولد داداه وأنشأ الشيخ محمد ولد سيدي يحيى - الذي كان عضوا في المكتب التنفيذي لجماعة الإسلاميون - حزب الأمة، وإبان تلك الأحداث انخفض منسوب اهتمامي الشخصي بالمجال التنظيمي وتغيرت كثيرا.
موقع الفكر: ما تقويمكم لواقع الديمقراطية في موريتانيا؟
الأستاذ الحسن ولد مولاي اعلي: الديمقراطية كفكرة أرى أنها من أفضل الوسائل التي استطاعت البشرية الراشدة أن تتوصل إليها، باعتبارها وسيلة تجعل التناوب على السلطة أمرا ممكنا، دون وقوع حرب أو سفك دماء، فالديمقراطية منظومة فلسفية واجتماعية وأخلاقية مستوردة من الخارج لكن المشكلة أنها ليست هي وحدها المستوردة مما هو موجود عندنا فكل ما عندنا مستورد مثل الأكل والشرب واللبس، إذن يمكن القول إن الديمقراطية -كسلعة غربية- تلتقي في بعض مزاياها مع مرجعيتنا العليا التي هي القرآن الذي جعل الشورى سمة من سمات المجتمع المسلم، لكن يمكن القول إنه على مستوى العالم الإسلامي لا توجد الديمقراطية وإنما توجد صورتها واسمها فقط، ويقع تحت ظل الديمقراطية أفظع الأعمال الجبرية والاستبدادية وهذا مظهر من مظاهر كذبها وتناقضها،
أرى أن موريتانيا وصلت مرحلة بعيدة من التداول الغبي على السلطة طيلة 40 سنة من حكم العسكر، أنا شخصيا أظن أن ما يقع بين الرئيس الحالي وسلفه –طبعا له أسبابه المباشرة- ربما يكون قطيعة مقصودة مع ذلك النهج وأعلم أنه ليس مجرد تحليل وإنما هو نوع من الأماني وبالتالي أرجوا وأتمنى أن نقلع في ظل هذا النظام نحو التداول السلمي ونبتعد عن حكم العساكر الانقلابيين.
موقع الفكر: ما تقويمكم لأداء المعارضة في بلادنا؟
الأستاذ الحسن ولد ملاي اعلي: أظن أن الوضع الحالي لم يتضح فيه شيء؛ لأن المعارضة والموالاة يندمج بعضهم مع بعض؛ ولذلك ليس هناك صدام؛ لأن التجربة منذ التسعينات حتى اليوم تقول إن المعارضة هم أناس ينتقدون السلطة ويضايقون وتغلق الأبواب أمامهم، ويتم تزوير انتخاباتهم، والأغلبية هم أناس يلعبون على وتر المصلحة والتزلف، وهذه الصورة قد بدأ منسوبها الآن ينخفض، وأصبحت الأمور هادئة، وهناك حديث عن الحوار ومحاولة الاتفاق على كبريات الأمور، مع أنه لم يقع شيء من ذلك إلا أننا نرجو أن يقع، وهناك أمل بأن يقع، وفي حال وقع ووجد رعاة أمناء وأوصلوه إلى المرحلة المطلوبة، فهذا هو أعلى ما نتمناه وكان بعيدا بالنسبة لنا.
موقع الفكر: ما رأيكم في تقرير اللجنة البرلمانية؟
الأستاذ الحسن ولد مولاي اعلي: تقرير اللجنة البرلمانية هو مسألة بديعة في حد ذاتها؛ لأنه لم يسبق أن وقع شيء مثله ونحن المتابعون للساحة ونعلم ما يقع من فساد مهم بالنسبة لنا، ومهم عندنا أن السلطة التشريعية هي من أخذت زمام المبادرة وأنشأت لجنة تحقيق وحققت في بعض الملفات وتعاملت مع بعض المؤسسات ومكاتب الدراسات الدولية حتى قامت بجرد الكثير من جرائم الفساد وقدمتها للجهة المعنية في الجهاز التنفيذي،
أرى أن تلك الخطوة خطوة مفرحة وبادرة طيبة ومهمة جدا إذا استمرت رغم الضغوط التي تواجهها ونخشى أن يتم التلاعب بها قبل وصول الملفات إلى القضاء.
موقع الفكر: هل لديكم ثقة في القضاء وهل بإمكانه أن ينجز شيئا في هذا الملف؟
الأستاذ الحسن ولد مولاي اعلي: نحن نواجه مشكلة أساسية في دول العالم الثالث، وهي أنه ليس هناك فصل بين السلطات، فهرم السلطة عندنا يتحكم في كل شيء بدءا بالبرلمان مرورا بالقضاء، ولذلك ليست لدي ثقة في القضاء لكني أظن أن هناك إشارات مبشرة وهي أن النظام القائم -وحين أقول النظام أقصد الرئيس الذي هو أعلى هرم فيه- يمكنه أن يقود إلى بوابة الخروج من هذه الأزمة وأزمة التداول العسكري على السلطة، وعلى كل الحال الفساد استشرى في العشرية الماضية بشكل غير مسبوق، وما خلفت تلك العشرية من الفساد ما زالت تأثيراته تتواصل حتى الآن للأسف.
موقع الفكر: ما تقويمكم لواقع التعليم؟
الأستاذ الحسن ولد مولاي اعلي: يمكنني القول إن التعليم أفسده العسكر فقد كان قبلهم على درجة من التميز، ما جعلني أقول لك إن العسكر هم من أفسده؛ لأنهم أفسدوا الدولة كلها وأهم ما فيها التعليم لأنه هو ماكينة بناء الإنسان والمجتمع، وواقع التعليم يعيش عشوائية ويكثر اكتتاب المعلمين والأساتذة لكن ذلك ليس هو الحل لأن مشكلة التعليم مشكلة ضوابط قانونية وخيارات ثقافية ومساواة بين الطلاب، هل سبق وأن رأيت دولة قامت بفكرة مماثلة لفكرة مدارس الامتياز، التي قامت بعزل خيرة الطلاب وخيرة الأساتذة وتترك الباقي دون عناية؟ أرى أن التعليم يحتاج تنظيم مؤتمر وطني خاص به يناقش بالتفصيل القضايا المتعلقة به وألا يكون ذلك المؤتمر مثل منتديات التعليم التي نظمها الرئيس السابق ولد عبد العزيز ولم تجسد مخرجاتها على أرض الواقع، ومن يظن أن أزمة التعليم مجرد ترسيم اللغة الأم أو نزع السنة الرابعة من الإعدادية فهو لا يفهم الأزمة على حقيقتها، أزمة التعليم تحتاج أولا لمن يبدأ من الصفر ويضع منهجا جديدا للتعليم ويتم فرض قانون لاكتتاب المعلمين والأساتذة وقانون لتكوينهم، ويتم فرض مدرسة في كل تجمع به 10 أشخاص، وتبدأ خطة تعليمية مدروسة من حيث لغاتها وثقافتها وشكلها ومضمونها، كذلك هناك مشكلة أخرى وهي أن بعض الطواقم التربوية تحتاج تكوينا وتعليما وأغلب ما تشاهده من الأساتذة والمعلمين يتم توظيفهم لاعتبارات غير شفافة مثل المحسوبية وغير ذلك، فمشكلة التعليم ذات جذور سياسية واجتماعية حقيقية، فنحن في مجتمع لا يؤمن بالدولة ولا بالقانون وإصلاح التعليم لابد له من إرادة حقيقية مع وجود القدرة والمؤهلات على ذلك.
موقع الفكر: التدني شديد في تصنيف جامعتنا هل له علاقة بفشل التعليم الابتدائي والثانوي أم أنه أزمة في التخطيط والتمويل؟
الأستاذ الحسن ولد مولاي اعلي: أرى أن أزمتها تشمل جميع تلك المجالات، فالتعليم العالي أفسده العسكر حين أخذوا طواقمه المتميزة وجعلوها في المدراس العسكرية الخاصة وأصبح الطلاب المتميزون يتم توجيههم للمؤسسات العسكرية، وأخذوا بعض الوزراء وجعلوهم على للتعليم العالي وأفسدوه عن بكرة أبيه، فقبل تولي بعضهم للوزارة، كان الوصول لرئاسة الجامعة يتم عن طريق الانتخاب وكذلك حال عمداء الكليات ونقباء الأساتذة والطلاب وتم إلغاء كل ذلك اليوم، وانتشرت المحسوبية داخل الوزارة وقام ذلك بتوظيف بعض أقاربه الذين ليست لهم أي مؤهلات تسمح لهم بتقلد تلك الوظائف، ففي الجامعة الآن يوجد رجال ونساء لا يكتبون أسماءهم نتيجة هذا الفساد والمحسوبية التي تنخر جسم مؤسسة التعليم العالي.
موقع الفكر: ما رأيكم في وجود المركب الجامعي خارج العاصمة؟
الأستاذ الحسن ولد مولاي اعلي: تلك الخطوة ليست أكثر من تخبط وغباء الرئيس السابق، والغرض منه أساسا هو الاستثمار في تلك المنطقة، العساكر حين يأخذون السلطة لا يؤمنون بالتخطيط ويضربون عرض الحائط بالمصلحة العامة ويظنون أن الدولة مجرد كعكة بينهم والرئيس هو المتحكم في كل شيء وهذه هي العقلية السائدة عندهم للأسف، ولذلك لا يوجد إلا الفشل، أنظر إلى الجزائر الدولة العريقة التي تعتبر من أغنى الدول وأكثرها عراقة في التاريخ والثورة والجهاد 130 سنة من الجهاد ومليون ونصف شهيد منذ أن تولى بومدين قيادتها وهي في فشل، لقد رأيت الجزائريين بالمصحات التونسية يتلقون العلاج، وسألتهم عن السبب؟ قالوا إن منظومتهم الصحية لا تسعهم، وهذا هو مشكل تحكم العسكريين بالسلطة.