نسائم الإشراق الحلقة رقم (1664) 05 أغسطس 2021م،25 ذو الحجة 1442هـ، مذكرات الشيخ د.يوسف القرضاوي الحلقة رقم (695)

تأسيس المؤتمر القومي الإسلامي:

مواجهة دعاة التطبيع:

في سنة 1994م تنادى الإسلاميون والقوميون «العروبيون» إلى ضرورة التلاقي بينهما، لتأسيس كيان مشترك يجمع الفريقين في جبهة واحدة، لمواجهة دعاة «التطبيع» مع العدوّ الصهيوني، وتذويب الحواجز - ولا سيما الحواجز النفسية والثقافية - بينه وبين أمة العرب والإسلام.

وكان دعاة التطبيع، والاستسلام، كما يريده الصهاينة والأمريكان من ورائهم، قد علت أمواجهم، وارتفعت أصواتهم، وتبجَّحوا بدعاواهم في الوطن العربي كله، وفتحت لهم أجهزة الإعلام الرسمية الأبواب، وأتاحت لهم الفرص ليشوِّهوا ويشوِّشوا ويُضللوا في المجال الفكري والسياسي، ما شاءت لهم أهواؤهم، وما شاء لهم سادتهم، وقد وحَّدوا صفوفهم، وصوَّبوا سهامهم، وكأنما حسبوا أن الجو قد خلا لهم. كما قال الشاعر قديمًا:

خلا لك الجو فبيضي واصفري     ونقِّري ما شئت أن تنقِّري

ضرورة التلاقي بين الإسلاميين والقوميين:

وكانت القوى الوطنية والقومية والإسلامية مبعثرة موزَّعة الجهود، مختلفة المواقف والمناهج، ومتصارعة القيادات، وإن كان هدف الجميع واحدًا، بالنسبة لقضية الأمة الجوهرية، وهي قضية فلسطين، التي لا يختلف اثنان منهم في وجوب تحرير أرضها، وجوبًا دينيًّا، ووجوبًا قوميًّا، ووجوبًا إنسانيًّا.

لقد انقضى ذلك العهد الذي ظل فيه الفريقان يهاجم كلاهما الآخر، وبخاصة الغلاة من الطرفين.

فالإسلاميون يتَّهمون القوميين - وخصوصًا غلاتهم - بأنهم لا يؤمنون بالدين عامة، ولا بالإسلام خاصة، ويعتبرون القومية العربية كأنما هي نبوة جديدة، بديلة عن نبوة محمد، وأنهم يسوون بين أبي جهل وعمر بن الخطاب، وبين حمَّالة الحطب وفاطمة بنت محمد، وبعضهم سمى ابنه: «لهبًا» لينادى: يا أبا لهب! إلخ ما قيل.

حتى قال أحد شعرائهم:

بلادك قدمها على كل ملة    ومن أجلها أفطر، ومن أجلها صم

هبوني دينًا يمنح العرب وحدة    وسيروا بجثماني على دين برهم

سلام على كفر يوحِّد بيننا     وأهلًا وسهلًا بعده بجهنم

نشأة القومية العربية:

ومن المعروف أن القومية وعاء يمكن أن يملأ بأي أيديولوجية، يمينية أو يسارية، أو إسلامية، ولكن القومية العربية نشأت نشأة عِلمانية مفرغة من الالتزام بالدين، أي دين. هكذا دعا إليها «أبو القومية» ساطع الحصري في كتبه ورسائله المختلفة، وهكذا دعا إليها حزب البعث منذ ميلاده في سوريا على يد ميشيل عفلق ورفاقه وأساتذته، وانتقل إلى العراق، متضمِّنًا هذا الموقف المعادي من الدين، مع أن منظِّري القومية أقاموها على اللغة والتاريخ، لا على العرق ولا على الأرض. وهذان العنصران - بالنسبة للقومية العربية - يربطانها ربطًا متينًا بالإسلام، إذ لا معنى للغة العربية بغير القرآن الذي حفظها وخلدها ووحدها، ولا معنى لتاريخ العرب بغير الإسلام، فهو صانع مجد العرب، وهو الذي جعل لهم رسالة في العالمين.