نسائم الإشراق الحلقة رقم (1665) 06 أغسطس 2021م،26 ذو الحجة 1442هـ، مذكرات الشيخ د.يوسف القرضاوي الحلقة رقم (696)

وقد كان ميشيل عفلق يشيد بمحمد بن عبد الله باعتباره عبقرية عربية، لا باعتباره صاحب رسالة ربانية لهداية العالم وإخراجه من الظلمات إلى النور.

والقوميون يتهمون الإسلاميين: بأنهم لا يجعلون للعروبة مزية في فكرهم، ولا للعرب مكانة في برنامجهم، مع أن النبيَّ محمدًا منهم، والقرآن نزل بلغتهم، والكعبة البيت الحرام في أرضهم، وكذلك المسجد النبوي والمسجد الأقصى ... وكذلك حَمَلة رسالة الإسلام الأولون الذين نشروا الإسلام في العالم منهم.

وقد ظل هذا التباين بل التصارع نحو أربعة عقود، منذ الخمسينات حتى أوائل التعسينات... وبعد تبني عبد الناصر للقومية العربية، ودخوله مع الإسلاميين في صراع سقط في شهداء: ازدادت الفجوة بين التيارين.

تداول الأيام:

ولكن «تداول الأيام» سُنَّة من سنن الله، التي قرَّرها القرآن، كما قال تعالى: {وَتِلۡكَ ٱلۡأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيۡنَ ٱلنَّاسِ} [آل عمران: 140]. والدنيا تتغير، والأحوال تتغير، والنفوس تتغير، والسياسات تتغير، ولا ينبغي للناس أن يجمدوا على حالة واحدة، وإن تغير العالم من حولهم. ولا غرو أن وقف ممثلو التيار الإسلامي وممثلو التيار القومي وقفة تتسم بالحكمة والعقلانية، وتبعد عن الانفعالية والعاطفة، وعن إفرازات المواقف التاريخية، وما تركته من مرارات في أنفس الجميع، ولا سيما التيار الإسلامي الذي يشعر بأنه كان هو المظلوم والمكلوم ومقدم الضحايا. ورأى الجميع أن الموقف اليوم يستوجب من كل عقلاء الأمة أن يتراصوا في جبهة واحدة، ليواجهوا بحقهم باطل الدعاة إلى الاستسلام والتطبيع أو التطويع أو التركيع لمخطط العدو الصهيوني.

التركيز على القواسم المشتركة:

وبعد لقاءات ومشاورات من حكماء القيادتين: رئي أن تتكون من كل فريق لجنة تقدِّم ورقة تتضمَّن رؤيته في معالجة الموقف، متضمنة ضرورة التلاحم بين القيادتين، مركزة على القواسم المشتركة بينهما، مجتهدة في تعميقها، مجتثة مواضع الخلاف، ومثيرات النزاع، فعند الشدائد تذهب الأحقاد، والمصائبُ يجمعن المصابين، والمحن الكبار تجمع ولا تفرِّق، وأي محنة أكثر من محاولة الصهيونية أن تبتلع فلسطيننا، وأن تتحدّى أمتنا، وأن تنتصر على ثلاثمائة مليون من العرب، وراءهم ألف مليون من المسلمين أو تزيد؟!

وتكوّنت اللجنة الإسلامية من نخبة من مفكريهم المرموقين: المستشار طارق البشري، ود. محمد عمارة، ود. محمد سليم العوا، وأ. فهمي هويدي، والفقير إليه تعالى، وانضمّ إليهم د. أحمد صدقي الدجاني، الذي شارك أيضًا مع التيار القومي، فكان هو همزة الوصل بين الفريقين. كما تكوَّنت لجنة مماثلة من النخبة المعتدلة من مفكري القوميين المرموقين. وأعدوا ورقتهم، كما أعد الإسلاميون ورقتهم.

واتفق الفريقان على أن يلتقيا في صورة مؤتمر عام، يقدم فيه كل منهما ورقته، لتناقش بحرية وصراحة ... وبعد ما يقرر المؤتمر من الحذف أو التعديل أو التحسين، أو الإضافة، ينبثق من هذا اللقاء كيان عام يضم القوميين والإسلاميين معًا في هذه المرحلة العصيبة التي تمر بها أمتنا.

ولم توجد - للأسف - دولة عربية ترحِّب بالفريقين غير واحة العرب: لبنان، الذي وسعت أرضه، ووسع صدره هذا المؤتمر التاريخي. وفي المؤتمر قدَّم الدكتور محمد سليم العوا ورقة الإسلاميين، وقدَّم الدكتور أحمد صدقي الدجاني ورقة القوميين.