نسائم الإشراق الحلقة رقم (1667) 07 أغسطس 2021م،28 ذو الحجة 1442هـ، مذكرات الشيخ د.يوسف القرضاوي الحلقة رقم (698)

دعوات مكثفة إلى مؤتمرات ومحاضرات في أنحاء العالم

كثرة الدعوات من الجامعات والمؤسسات العلمية:

كان عقدا الثمانينات والتسعينات من أخصب العقود في نشاطي العلمي والدعوي؛ فقد انهالت عليَّ الدعوات من الشرق والغرب، والشمال والجنوب، لإلقاء محاضرات، أو المشاركة في مؤتمرات أو ندوات، عربية وإسلامية وعالمية.

كانت الدعوات تأتي من الجامعات والمراكز الثقافية، والمعاهد العلمية والفكرية، والمؤسسات العلمية والتربوية والأكاديمية، شعبية ورسمية. وكنت أعتذر عن كثير منها، وأستجيب لبعضها حسب أهميتها من ناحية، وحسب ظروفي الخاصّة من ناحية أخرى.

وأحيانًا يكون في الموعد الواحد أكثر من ندوة أو مؤتمر! فلا بد للمرء من أن يرجِّح أحدهما على الآخر، وَفْق معايير عنده، وكثيرًا ما يعتب الإخوة الداعون، ويلومونني، وأنا والله لا حيلة لي، فوقتي وجهدي وقدرتي لا تتسع للجميع... وقديمًا قالوا: رضا الناس غاية لا تُدرك. وقال الشاعر:

ومن في الناس يرضي كلّ نفس    وبين هوى النفوس مدى بعيد؟!

وقد رأيت كل جماعة تطالبني بزيارة بلدها أو مركزها أو مؤسستها: ترى نفسها أولى الناس بي، وأن حقّهم مقدَّم على حقِّ غيرهم، بل ينظرون، وكأنه لا يوجد أحد غيرهم، وما الذي يمنعني من الاستجابة لطلبهم؟

كثرة الواجبات وازدياد المطالب:

ولقد كنا في مطلع شبابنا نحفظ الوصايا العشر للإمام حسن البنا عليه رحمة الله، وهي وصايا تربوية عملية، ومنها وصية تقول: الواجبات أكثر من الأوقات، فعاون غيرك على الانتفاع بوقته، وإذا كانت لك حاجة، فأوجز في قضائها.

«الواجبات أكثر من الأوقات» كنا نحفظها قولًا، فأصبحنا نعيشها فعلًا؛ فالأوقات محدودة جدًّا، والواجبات المطلوبات من أمثالنا واسعة جدًّا، وكثيرة جدًّا، وهي دائمًا في ازدياد. والعجيب أني كلما تقدَّمت في العمر اتَّسعت هذه الواجبات، وازدادت المطالب، بقدر ثقة الناس وحبهم ورجائهم في استجابتي لهم. فالقوة تضعف، والأعباء تتضاعف، بصورة عكسية.

فماذا يصنع العالِم الداعية أمام هذه المطلوبات منه، إلا أن يأخذ بقول أحد الحكماء: لا تسأل الله أن يخفّف حملك، ولكن سله أن يقوِّي ظهرك! يبدو أنه يرى أن تخفيف الحمل غير وارد، فلم يبق إلا تقوية الظهر، وهو ما يرجوه من الله.