قال لي بعضهم: وزّع الحمل على الأيام، ما لا تفعله اليوم، افعله غدًا، أو بعد غد!
قلت له ما قاله عمر بن عبد العزيز، وقد ناء ظهره بالعمل الدائب في أحد الأيام فقيل له: أخره إلى الغد. فقال: لقد أعجزني عمل يوم واحد، فكيف إذا اجتمع عليَّ عمل يومين معًا؟!
أجل، إن كل يوم تشرق شمسه، يأتي بواجبات جديدة، تشغل كل دقيقة فيه، فكيف ننفقها في غيره؟ وما أبلغ ما قاله ابن عطاء الله في حكمه: حقوق في الأوقات يمكن قضاؤها، وحقوق الأوقات لا يمكن قضاؤها، إذ ما من وقت يرد، إلا ولله عليك فيه حقّ جديد، وأمر أكيد، فكيف تقضي فيه حق غيره، وأنت لم تقض حق الله فيه؟!
الشيخ الطائر:
كنت في تلك السنين أقدم من سفر، لأستعد لسفر آخر، فلا أكاد يستقبلني أهلي حتى يودعوني. وكان بعض الإخوة يقولون عني: الشيخ الطائر. وقد ذكرت من قبل ما قاله لي مرارًا شيخنا وأخونا الكبير الشيخ عبد المعز عبد الستار في قطر، وكان يشفق عليَّ من كثرة الترحال ومتابعته، ويقول: ارفق بنفسك، وخذ من شبابك لهرمك، ومن صحتك لسقمك. ويحكي لي ما قاله بعض شيوخه له يومًا من حكمة بالغة: من جار على شبابه جارت عليه شيخوخته.
ونصحني بعضهم بما نصح به رسول الله صلى الله عليه وسلم، عبد الله بن عمرو بن العاص، حين بالغ في العبادة، فقال له: «إنَّ لبدنك عليك حقًّا، وإن لأهلك عليك حقًّا، وإن لزوْرك عليك حقًّا...»(1) الحديث.
ولكن هذه النصائح على رغم صحتها وحسن نية قائليها، لم تجد لها - من الناحية العملية - مكانًا، فإن حاجة الناس، وحاجة الدعوة، والقضايا الساخنة في الأمة، ومعركة الإسلام وأمته مع أعدائهما، وما يتطلبه ذلك من جهود لا تملك الأمة عشر معشارها: أوجب علينا أن نبذل ما نستطيع لتلبية بعض الحاجات.
الإشارة بإجمال إلى أهم الزيارات التي قمت بها:
لا أستطيع أن أحصر - ولو بالتقريب - الجامعات والمراكز والمؤسسات والهيئات التي دعتني في تلك الفترة، والتي لبيت دعوتها بالفعل، ولكني أستطيع أن أشير إلى رؤوس أقلام أو عناوين لأهمها على الأقل.
لقد شاركت في ملتقيات الفكر الإسلامي في الجزائر كلها من سنة (1982م) إلى (1990م)، إلا ملتقيين تخلّفت عنهما لأعذار ذكرتها في حينها.














