رمضان شهر القرآن وهو مناسبة للعودة الى القرآن كلام الله وتلاوته ودراسته...فقد كان السلف الأول اذا دخل رمضان ترك كل العلوم واتجه الى القرآن الكريم...
لكن المتأمل في واقع حال اليوم يرى أننا ابتعدنا كثيرا عن القرآن الكريم وربما يصدق علينا قوله تعالى على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم (وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَٰذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورا (1)
اتّخذ كثير من المسلمين القرآن كتابًا للبركة في بيوتهم وعزاءاتهم ..،
وكثير منهم لا يتناولون القرآن إلا من رمضانَ إلى رمَضان...!!.والتبرك والحصول على مزيد من الحسنات لا كمعانٍ وفِكرٍ وكتاب للتدبّر قال تعالى: "أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا"،(2)
فالقرآن لم يُنزّل ليُقرأ فقط، بل ليُفهم، ويُتدبر، ويُطبّق. وقد كان الصحابة والتابعون يتعلمون عشر آيات، فلا يتجاوزونها حتى يفهموها ويعملوا بها، بينما اليوم نرى كثيرًا من المسلمين يقرؤونه ويحفظونه دون تدبر أو سعي لفهم مقاصده.!!
والقرآن الكريم منهج ودستور حياة يضبطُ اعوجاج الإنسان، ويرشده الى وظيفته في الحياة كخليفة في الارض وذلك بنظرتهِ الشموليَّة، التي تصلح لكلِّ زمانٍ ومكان. (أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ ٱللَّطِيفُ ٱلْخَبِيرُ)(3).
لذا يتوجب علينا ضرورة العودة إلى القرآن الكريم ليس فقط ككتاب للبركة والتلاوة، بل كمنهج فكري وحياتي شامل.
هذه دعوة لكل المسلمين وخاصة الباحثين والمفكرين وقد بدأت بنفسي حيث اتجهت الى محظرة" تندوجة" في ضواحي بوتلميت لأخذ القرآن من أصوله هذه المرة لا للحفظ أو القراءة فقط بل للتدبر...
فالعقلاء من العلماء، حين يتأملون في آيات الكون، يدركون عظمة الخالق في قوانينه المحكمة ونظامه البديع، حتى وإن لم يعرفوه باسمه! وكثير منهم، رغم انغماسهم في البحث والتجارب العلمية، يصلون إلى لحظة يقين تدفعهم إلى السجود – ولو بصورة غير واعية – أمام روعة هذا الوجود الذي لم يأتِ صدفةً ولا عبثًا.
إذا كان هذا الكون، بآياته المنظورة، يدعو العلماء إلى الإقرار بعظمة الخالق، فكيف بالكلام المنزل منه، وهو القرآن، الذي يحمل نور الهداية والتوجيه للإنسان وأودع فيه من الحقائق والعجائب ما يبهر العقول ويحيي القلوب في كل زمان ومكان؟!
الإنسان بطبيعته الانسانية مفطور على التساؤل والتدبر والبحث عن الحقيقة، وهي الفكرة الرئيسية في أعمالي: معرفة الله: دلائل الحقائق القرآنية والكونية" و "دين الفطرة: استنطاق الرياضيات والفيزياء بلغة إنسانية"، حاولت من خلالهما فهم القرآن ككتاب يخاطب العقل والفطرة، وهو ما يعكس دور القرآن في صياغة فكر الإنسان وتوجيهه لاكتشاف سنن الله في الكون. فهو خطاب إلهي موجّه للإنسان في كل زمان ومكان، ليهتدي به في مسيرته ويحقق خلافته في الأرض بمنهجية متكاملة تجمع بين العقيدة والعلم والعمل. وتجعل الطالب النظامي و المحظري وحتى القارئ العادي على حد سواء قادرين على استيعابه كدليل للحياة، دون أن يكون ذلك تفسيرًا تقليديًا، بل مقاربة تجمع بين العلم، والفكر، والفطرة الإنسانية.خاصة في عصر تكثر فيه الأسئلة حول الوجود!! والغاية من الحياة!!
ذكر القرآن العظيم خلق الإنسان، وتسويته، ونفخ الروح فيه، وتحمله للأمانة، وتنوع الشعوب والثقافات كحتمية للنمو والتلاقح الحضاري، وهذا يعكس جانبًا جوهريًا من الخطاب القرآني حول الإنسان ودوره في هذا الوجود.
هذه الرؤية تعيد للقرآن دوره كدستور للحياة، وليس مجرد نص يُقرأ دون وعي بمقاصده. وهو ماحاولت ربطه "بسنن الدلائل وسنن الخلائق" في كتبي المتقدمة آنفا: معرفة الله، ثم استنطاقي للقوانين الرياضية والفيزيائية في دين الفطرة، اكتشفت من خلالهم أن القرآن مفتاحًا لفهم العالم وقوانينه، بالاضافة الى الوعظ والهداية.
الهدف من سلسلة "مع القرآن لفهم الحياة"، هو السعي إلى تقريب المفاهيم لكل الفئات، والرجوع الى القرآن كمصدرًا لفهم الإنسان والحياة والكون بشكل أوسع وأعمق.
الإنسان ككائن مسؤول، مخير في أفعاله، ومُكرم بالعقل، يجعله قادراً على التفاعل مع سنن الله في الخلق.
يتضمن القرآن تعاليم شاملة توجه الإنسان في جميع مجالات الحياة، سواء العقيدة، الأخلاق، التشريع، أو السنن الكونية، وهو المعجزة الكبرى التي تحدى الله بها الإنس والجن أن يأتوا بمثله!!
فماهو القرآن الكريم؟! وماهي الخصائص التي تبرهن على أنه من عند الله؟! وكيف رد على تساؤلات عجز العلم الحديث عن فهمها؟!
هذه الأسئلة ستكون محور الحلقات القادمة من السلسلة بحول الله، سعياً لفهمٍ أعمق لدور القرآن في حياة الإنسان.
ملخص الحلقة:
رمضان هو شهر القرآن، وهو فرصة للعودة إلى كلام الله تلاوةً وتدبراً. كان السلف الصالح يُوقفون كل العلوم الأخرى في رمضان للتفرغ للقرآن، لكن واقعنا اليوم يكشف عن تراجعٍ في علاقتنا به، حيث أصبح يُتلى غالبًا للتبرك دون تدبرٍ حقيقي لمعانيه ومقاصده، مما قد يجعلنا مشمولين في شكوى الرسول صلى الله عليه وسلم "إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَٰذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا".
القرآن ليس مجرد كتاب للتلاوة، بل منهج حياة شامل يرشد الإنسان في كل زمانٍ ومكان، قال تعالى: "أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا". كان الصحابة يتعلمون عشر آيات ولا يتجاوزونها حتى يفهموها ويطبقوها، بينما اليوم يُقرأ القرآن دون تدبرٍ حقيقي. وهو كتابٌ إلهي يُوجّه الإنسان ليحقق خلافته في الأرض وفق نظامٍ متكامل يجمع بين العقيدة والعلم والعمل.
الكون بآياته المنظورة يدعو العلماء إلى الإقرار بعظمة الخالق، فكيف بالكلام المنزل من عند الله القرآن العظيم؟!
الإنسان بطبيعته مفطورٌ على التساؤل والبحث عن الحقيقة، وهي الفكرة المحورية في كتابَيّ: "معرفة الله: دلائل الحقائق القرآنية والكونية" و "دين الفطرة: استنطاق الرياضيات والفيزياء بلغة إنسانية"، حيث سعيت فيهما لربط القرآن بالعلم والفطرة.
هدفي من هذه السلسلة هو إعادة القرآن إلى دوره كمصدر لفهم الإنسان والحياة والكون، وليس فقط كتابًا يُتلى دون وعي بمقاصده، بحيث يكون متاحًا للفقيه والباحث والعالم والقارئ العادي بأسلوبٍ يجمع بين العلم والفكر والفطرة.