قال الدكتور محمدو الناجي ولد محمد أحمد إن حل مشكل التعليم يكمن في حل المشكل الثقافي ببعده اللغوي، وكذا مشكل التفاوت الاجتماعي ..
واعتبر الدكتور الناجي في مقابلة خاصة مع موقع الفكر أن من أسباب تعثر التعليم ضئالة مخصصاته التي هي في حدود ال 10 % من الميزانية العامة وهي نسبة محدودة.
وعن الحوار المرتقب بين النظام والمعارضة قال الدكتور الناجي إن هناك اتفاقا بين الأحزاب الممثلة في البرلمان على مبدأ الحوار وتم تعيين لجنة لدراسة هذا الحوار وأن هناك إرادة وموافقة من السلطة وبالتالي فالمسألة مسألة وقت على حد تعبيره .
وأعرب ولد الناجي عن تمسكه بنهج حزب اتحاد قوى التقدم والذي تنص وثائقه على أن مصدره الأول هو الإسلام، مضيفا أن هناك نواة أو خلية من شباب الحزب تعمل على أن يكون الحزب علمانيا بل وماركسيا مما أدى إلى الانشقاقات الأخيرة داخل الحزب.
وعن تقييمه لفترة حكم الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز قال الدكتور الناجي إنها كانت فترة ضائعة من تاريخ البلد، وما لا يمكن اغتفاره هو انقلابه على أول تجربة ديمقراطية بالبلاد.
وحول رؤيته لنظام ولد الغزواني قال إن مما يبعث الامل انفتاحه على المعارضة، وينتظر منه إخراج موريتانيا من المرحلة الحرجة الحالية على حد تعبيره، مضيفا أن المعارضة في شكلها الحالي وتعاطيها مع الشأن العام تختلف عن ما عهدناه من معارضة المظاهرات والأنشطة والبيانات واللقاءات ،ومع ذلك فهي لا تزال موجودة على كل حال.
وتطرق الدكتور الناجي إلى جوانب بارزة من حياته العلمية وعطائه السياسي والخدمي، وإلى موقفه من مجمل القضايا المطروحة.
فإلى نص المقابلة:
موقع الفكر: نود منكم أن تعرفوا القارئ والمشاهد بشخصكم الكريم من حيث الاسم وتاريخ ومحل الميلاد والدراسة وأهم الشهادات التي حصلتم عليها والمناصب التي تقلدتم؟
محمدو الناجي: أنا محمدو الناجي بن الشيخ محمد لخليفة بن محمد بن أحمد، بدأت دراستي في محاظر مختلفة من محاظر آفطوط أولها محظرة الوالد الشيخ محمد لخليفة ثم محظرة أهل الطالب إبراهيم ثم محظرة خالي اباه ولد محمد الأمين.
فقرأت القرآن الكريم وحفظته مبكرا يقولون إني حفظته وأنا ابن سبع سنين وإن كان في ذلك شيء من المبالغة لئلا أكون كجمال الدين السيوطي الذي حفظه وهو ابن ست سنين وقال:
بدأت بالوحي وسني أربع وبعد ست تم عندي أجمع
وفي هذه المحاظر حصلت بعض المعارف الشرعية ككتب المختصرات ثم رسالة ابن أبي زيد القيرواني والسفر من مختصر خليل ونوازل العالم سيدي عبد الله بن الحاج إبراهيم ثم مختصرات في النحو كنظم عبيد ربه وملحة الإعراب، ثم درست ألفية ابن مالك ولم أستسغ لامية الأفعال بعد أن بدأت دراستها.
التحقت بعد ذلك بمعهد أبي تلميت وتعرفت على كبار الأساتذة مثل الشيخ محمد عالي بن عبد الودود والمختار بن حامد ومحمد بن أبي مدين وغيرهم من الأساتذة الكبار، وزاد ذلك من معارفي في الفقه والنحو.
ومن معهد أبي تلميت بدأت أتطلع إلى الدراسات الحديثة والعمل، وقد بقيت في معهد أبي تلميت سنتين أو ثلاثا
وترشحت لامتحانات المعلمين فبدأت مساعدا ثم معلما مساعدا فمعلما تاما ثم أستاذا مساعدا ثم أستاذا.
ثم بدأت دراستي العليا في تونس "دبلوم دراسات عليا عن ديوان "أبي بكر الفاضلي" الملقب "بكن" ثم سجلت في الدراسات العليا المرحلة الثالثة و كانت في "معارضات ياليل الصب.. السمات المشتركة والخصائص المميزة"، ثم سجلت بعد ذلك في الدكتوراه وما زالت مقدمة للنقاش ببحث تحت عنوان "الحداثة في شعر محمود درويش"، فأنا أستاذ أدب، ثم إذا كنتم تريدون معرفة الشهادات التقليدية فرتبة معلم مساعد شهادة ورتبة معلم هي الأخرى شهادة وأستاذ مساعد شهادة وأستاذ شهادة كذلك.
من الناحية المهنية أصبحت مدرسا في الثانوية ثم مدير دروس في ثانوية أبي تلميت ثم مدير دروس في بعض ثانويات نواكشوط ثم مديرا للتعليم العالي وكالة، ثم عينت مديرا مساعدا لمدير مشروع جامعة نواكشوط الأستاذ هيبتن ولد سيدي هيبة، ثم شاركت في مسابقة أعلنتها جامعة الدول العربية فنجحت في تلك المسابقة وأصبحت إطارا فيها ومكثت فيها مدة طويلة نسبيا ووصلت فيها إلى أعلى رتبة وهي وزير مفوض وتقاعدت من وظيفتي بجامعة الدول العربية سنة 2006. وعدت بعد ذلك إلى نواكشوط فمارست السياسة حيث استأنفت مساري في حزب اتحاد قوى التقدم.
وأنا من الذين أسسوا الحركة الوطنية الديمقراطية وأسسوا كذلك نقابة المعلمين العرب، التي كان لها شأن في ترسيم اللغة العربية وكان لها دور بارز في دمج نقابتي المعلمين العربية والفرنسية، مما أسس لتوحيد السلكين الفرنسي والعربي.
موقع الفكر: ما تقويمكم لتجربة معهد أبي تلميت؟
محمد الناجي بن محمد أحمد: معهد أبي تلميت يمكن القول إنه كان محظرة أصلية وأنه كان مرحلة انتقالية ما بين التعليم التقليدي والتعليم الحديث وذلك لأنه بدأ التدريس فيه تدريسا تقليديا بحتا، ثم بدأ إدخال الدراسات العصرية شيئا فشيئا فاستجلب أساتذة من جمهورية تونس وجمهورية مصر العربية، وبدأت الدراسات العربية الحديثة، وكانت تجربة جيدة.
ويقولون إنه أنشأ بأمر من المرحوم عبد الله بن الشيخ سيديا وأعطاه الفرنسيون هذه الميزة، كان يضم أبناء إفريقيا الغربية. وكان له دور كبير في نشر اللغة العربية ليس في موريتانيا فحسب بل في أنحاء إفريقيا الغربية، وقد درس معنا طلاب غانيون و غينيون و سنغاليون وكانت تجربة جيدة سواء من حيث كونه معبرا بين الدراسة التقليدية والدراسة الحديثة أو من حيث الجمع بين مختلف أبناء إفريقيا الغربية وكان تجربة ممتازة رغم ما اعتراها من الصعوبات.
واستقطب أساتذة ممتازين منهم الشيخ محمد عالي بن عبد الودود والشيخ المختار بن حامدٌ والشيخ محمد بن أبي مدين، وغيرهم من الأساتذة المتميزين وكانت فرصة لينهل بعض الشباب الموريتاني من معين العلوم كالنحو والفقه والتاريخ والجغرافيا وأخيرا الرياضيات والعلوم الحديثة، وهو في الحقيقة لم يغلق وإنما تحول إلى إعدادية أبي تلميت ثم إلى ثانوية وما زالت مستمرة إلى الآن.
موقع الفكر: متى أغلق معهد أبي تلميت؟
محمد الناجي محمد أحمد: لا أتذكر تاريخ الإغلاق وقد غادرت المعهد سنة 1959م بسب اضرات عمت المعهد، وكانت مطالبنا إتباع هذا المعهد للدولة الموريتانية وأن يصبح هيئة رسمية بدلا من أن يظل تابعا للحكومة الفرنسية، وكان من مطالبنا كذلك إدخال العلوم الحديثة ضمن البرنامج الدراسي. كما كانت هناك المطالبة بتحسين الظروف المعيشية والسكنية للطلبة. ولعلمكم انتقل الطلاب جملة واحدة- وكانوا حوالي ثلاث مائة طالب- من أبي تلميت إلى روصو ومن روصو إلى نواكشوط وفي نواكشوط نزلوا ضيوفا على رئيس البرلمان الموريتاني المرحوم سيد المختار ولد يحيى انجاي الذي استأجر لهم أحد المطاعم ليقيموا فيه حتى تحل مشكلتهم.
وبقينا في مدينة نواكشوط حتى التقينا بالرئيس المرحوم المختار بن داداه وانتهت حركتنا هناك لأن بعضا من مطالبنا تحقق أو وعدنا بتحقيقها وفي واقع الأمر تعبنا من النضال وانخرط بعضنا في العمل مثل محمد محمود بن ودادي الذي أصبح مذيعا في الإذاعة الموريتانية.
وللتذكير فعندما دخلت سلك التعليم كان راتبي ألفي فرنك غرب إفريقي وكان راتبا لا بأس به في ذلك الوقت، ثم زيد الراتب بالضعف فكانت الوضعية ممتازة ومع ذلك كان راتب معلم اللغة الفرنسية أكبر من راتب معلم اللغة العربية.
وخاضت نقابة المعلمين العرب نضالا شاقا ضد ثقافة سائدة في نواكشوط وهي أن العربية لا تقدم ولا تؤخر، ويجب أن تبقى بعيدة في المحاظر، ويكفي أن تصدر قضاة لبعض الجهات ولا يمكن أن تكون لغة تدريس للعلوم وغيرها، وترسيمها ضرب من المحال وكان معلمو العربية موضع سخرية "يضعون على رؤوسهم منشفة و"طاجينهم" يتكون من الزبدة والخبز" ولم يثن ذلك النقابة عن النضال حتى تم ترسيم اللغة العربية في مؤتمر لعيون.
وكان على رأس هذه النقابة المرحوم عبدو ولد أحمد ثم محمد المأمون بن الشيخ سعد بوه وكان أحد رؤساء النقابة ثم محمد ولد دداه ثم المرحلة الرابعة كان الرئيس محمد المصطفى بن بدر الدين رحمة الله عليه، وكنت مساعدا له وأمينا دائما في نفس النقابة ومدير جريدة الواقع التي كانت ثاني جريدة للمعلمين العرب.
موقع الفكر: ما سبب أحداث العام 1966؟
محمد الناجي بن محمد أحمد: أحداث العام 1966 ربما يكون الآخرون أدرى بها مني لأني في ذلك الوقت كنت في القاهرة ضمن مجموعة مبتعثة للتدريب، كنت في مرحلة التدريب على طرق التدريس والبعض الآخر منا كان مبتعثا للدراسة وأذكر من بين هؤلاء المبتعثين محمد المصطفى بن بدر الدين والشيخ الشيباني بن محمد أحمد وباباه بن متالي وموسى بن أبي المعالي رحمة الله عليهم جميعا والدكتور محمد سالم بن زين و لكبيد بن حمديت.
وسبب هذه الأحداث هو ثقافي بحت، وما زال حتى الآن إشكالا مطروحا يهدد الوحدة الوطنية والمشكلة الرئيسية "ثقافية" وإذا كانت هذه الإشكالية سببا في الأحداث الماضية فمن الوارد- لا قدر الله- أن تكون سببا في أحداث قادمة.
موقع الفكر : ماذا تبقى من حركة الكادحين بعد خمسة عقود من التأسيس؟
محمدو الناجي بن محمد أحمد: في سنة 1974 بعد ما حقق الرئيس المختار بعض مطالب حركة الكادحين من تأميم ميفرما ومراجعة الاتفاقيات مع فرنسا وإنشاء عملة وطنية إلى آخره انقسمت الحركة انقساما شديدا فبعضها اعتبر أنه ينبغي الاندماج في حزب الشعب الذي حقق تلك المطالب والبعض الآخر اعتبر أن تحقيق بعض المطالب أمر جيد ولكن يجب أن نبقى كيانا متميزا للحفاظ على هذه الإنجازات وللحصول على إنجازات أخرى، والأغلبية من الحركة اندمجت في الحزب وبقيت أقلية قررت إعادة تأسيس الحركة من جديد لتستمر حتى 1989م حيث قررت أن تحل نفسها وأن تؤسس حزب اتحاد قوى التقدم وما زال عدد كبيرمنهم على قيد الحياة، إذا، هي لم تمت وإنما حلت نفسها بنفسها وجعلت مكانها حزب اتحاد قوى التقدم.
موقع الفكر: أين كان المرحوم سيدي المختار بن يحي انجاي بعد خروجه من المشهد السياسي؟
محمدو الناجي بن محمد أحمد: هذا رجل فاضل عرفناه حينما كنا طلابا ولكن خلافا حصل بينه وبين الرئيس المختار بن داداه، ولم يستطع أن يستسيغ وجود حزب واحد يحكم الدولة بعد حل جميع الأحزاب الأخرى كحزب النهضة وحزب الاشتراكيين وغيرهم من الأحزاب بعد دعوة الرئيس المختار ولد داداه لاندماج الجميع، ولكنه اختفى من الحياة السياسية بعد اختلافه مع الرئيس المختار ونذكره بخير وقد كرم مرة أو مرتين لكن تكريمه كان بدافع من أسرته ولم يكن تكريما رسميا بل كان مبادرة شخصية كما حصل للمختار بن داداه الذي لم يكرم هو الآخر بشكل يليق به رغم مآخذنا على حكمه، إلا أن له إيجابيات كبيرة، ومع أنه زج بنا في السجون عدة مرات يبقى أفضل الرؤساء الذين حكموا موريتانيا من وجهة نظري، وكنت أقرأ قصة وقعت مع رئيس زائير آنذاك موبوتو سيسى سكو، الذي لاحظ أن الرئيس المختار يلبس بذلة واحدة لمدة ثلاثة أيام فأعطاه هدية مبلغها 5 مليون دولار لتحسين الهندام، لكن المختار أخذ تلك الهدية وبنى بها المعهد العالي التقني وعندما جاء مبوتو وجد أنه مرحب به على أساس الهدية ولم يلاحظ تغييرا في ثياب المختار فلما سأل عن الهدية أخبره المختار أن الهدية هي مباني المعهد، وهذا يدل على نزاهته وبعده عن أكل المال العام.
موقع الفكر: ظاهرة الاسترقاق، البعض يرى أنها ما زالت موجودة والبعض الآخر يرى أنها لم تعد موجودة وإنما الموجود مخلفاتها كالأمية والفقر، ما رأيكم؟
محمدو الناجي بن محمد أحمد: أنا، رأيي بين هذا وذاك فالغالب الآن أن العبودية لم تعد موجودة بالمفهوم التقليدي إلا في جيوب صغيرة لا تحسب في المجمل العام، وأما القول إن آثارها أشد فهو قول غير صحيح لأنه في الماضي كان "العبيد" لهم زيهم الخاص ولم يعد هذا الأمر قائما.
موقع الفكر: ما رأيكم فيما يسمى الإرث الإنساني؟
محمدو الناجي بن محمد أحمد: الإرث الإنساني من أهم القضايا المطروحة ويحتاج إلى تسوية فالذي حصل في العام 1989م. هو أن أناسا تم إعدامهم بطريقة غير شرعية وغير مفهومة وما حصل في إينال وازويرات يعتبر جريمة، ولذويهم كامل الحق في معرفة مكان دفنهم وتقديم التعويضات والعزاء لهم، وللبقية الحق في أن يعرفوا أماكن دفن ذويهم وإن كان الضباط الذين أعدموا في 1989م. لديهم مخطط يقضي بإعدام كل البيض وتنفيذ جريمة بحقهم، فإن ذلك لا يبيح إعدامهم دون محاكمة.
صحيح الرئيس عزيز قدم بعض التعويضات والرئيس سيد ولد الشيخ عبد الله حاول وضع تصور لحل هذا المشكل لكنه لم يتمكن من ذلك، وقد سألني موقع صحراء ميديا عن صلاة الغائب التي قام بها الرئيس عزيز على أرواح الضحايا في كيهيدي فقلت إنها "تعاد أبدا."
موقع الفكر: القوى السياسية الموريتانية تغاضت عما حصل في العام 1989 ضد مجموعة من سكان البلاد (المسفرين) تزيد على 10% من قتل وتشريد، ما رأيكم؟
محمدو الناجي بن محمد أحمد: ما حصل للموريتانيين في السنغال شيء وما حصل للموريتانيين في موريتانيا شيء آخر.
فما قام به السنغاليون ضد الموريتانيين من جرائم في الأنفس والأموال والأعراض أمر يرقى إلى جرائم الحرب، وما قام به الموريتانيون ضد الموريتانيين جرائم كبرى لأنه كان ضد مواطنين وما قام به السنغاليون كان ضد أجانب.
إذا، في هذا القول مبالغة، طالبنا الحكومة الموريتانية بأن تداع عن حقوق الموريتانيين المنتهكة في الخارج وأما حقوقهم المنتهكة في الداخل فهو أمر يعني الموريتانيين.
موقع الفكر: ما أهم إنجازاتكم في قطاع التعليم العالي؟
محمدو الناجي بن محمد أحمد: للتذكير فأنا كنت مديرا بالوكالة للتعليم العالي مكلفا بمنح الطلاب، وكانت فترة قصيرة لا تتجاوز تسعة أشهر، ومع ذلك وزعت الكثير من المنح في اتجاهات مختلفة.
موقع الفكر: ابتعاث الطلاب إلى الخارج هل يتم بناء على خطة مدروسة منطلقة من احتياجات البلاد، أم أنه متروك للصدف والفرص؟
محمدو الناجي بن محمد أحمد: كانت الاحتياجات عندنا تتمثل في العلوم والرياضيات والآداب وكنا نلجأ إلى الدول المانحة: المغرب والسنغال وروسيا وليبيا وفرنسا ومصر.
وكانت هنالك دائما معارك من أجل الحصول على تخصصات علمية ممتازة لأن الدول عادة ما تستأثربها لأبنائها وما نحصل عليه عادة نوزعه على المعنيين ولن يرضى الجميع لأن الطلب أكبر من العرض.
موقع الفكر: حدثنا عن تجربة مشروع جامعة نواكشوط؟
محمدو الناجي بن محمد أحمد: أعطيت لنا مكاتب فيما كان يسمى بالوزارة الأولى وأهم ما قمنا هو أننا بدأنا نبحث عن ما معنى أن نكون جامعة ثم نبحث عن المساعدات ثم ما هو المكان الذي يمكن أن يستضيف الجامعة مؤقتا، قمنا بزيارات للكويت ومصر من أجل الحصول على مساعدات ثم الحصول على أساتذة مستقبلا ثم انطلقنا سنة 1985 بما هو موجود من أساتذة معارين وأساتذة موريتانيين.
وتبين لنا أن الجامعة يمكن أن يستضيفها المعهد العالي للدراسات والبحوث الإسلامية والمدرسة العليا للمعلمين.
كانت بداية الجامعة بداية بسيطة ولم أتابع ذلك المساربسبب أني غادرت إلى جامعة الدولة العربية.
موقع الفكر: ما تقويمكم لواقع التعليم في موريتانيا؟
محمدو الناجي بن محمد أحمد: أنت تطرح علي سؤالا صعبا، وستكون بالطبع إجابتي ناقصة وأعتبر أن التعليم الآن في موريتانيا فيه نوع من تضييع المال والجهد وليس معنى هذا التوقف بل ينبغي أن يستمر لكنه يتعرض لبعض القضايا الصعبة التي يجب أن تحل وهما قضيتا مشكل اللغة والمشكل الثقافي.
عندما كانت هناك إصلاحات كانت تترنح أمام مشكل الثقافة والشيء الثاني هو التفاوت في الإمكانات المادية خاصة عندما أنشأت المدارس الخصوصية.
قبل وجود هذه المدارس كان أصحاب الإمكانات المادية يستطيعون أن ينفقوا على أبنائهم في الدروس الخصوصية وبالتالي ترتفع بينهم نسبة النجاح ولم يكن ذاك باستطاعة ذوي الدخل المحدود، فظل نجاح أبنائهم قليلا ثم جاءت المدارس الخصوصية وأصبح لدينا مدارس تمتلئ بأبناء الفقراء وأخرى بها أبناء الطبقات الميسورة.
وكما قلت سابقا مشكل التعليم حله يمكن في حل إشكالين قبله هما المشكل الثقافي ومشكل التفاوت الاجتماعي، ولن يحل المشكل الثقافي في القريب العاجل.
التعليم ليس صفرا وما زال ينتج لكنه ينتج بطريقة معوجة، فأنتم ترسلون أبناءكم إلى الخارج للدراسة وينجحون ولكن هذا العدد قليل.
ليست لدينا غير جامعة واحدة وهذه النسبة قليلة جدا بالنسبة لعدد الطلاب الناجحين.
السبب يعود إلى ميزانية التعليم في حدود ال 10 % من الميزانية العامة، وهي نسبة محدودة، وحتى لو أراد أحد أن يبني مدارس فليست لديه ميزانية يستطيع من خلالها تمويل هذا المشروع.
يجب أن تعطى للتعليم ميزانية كافية من أجل بناء المدارس اللازمة. إذا، فالقضية قضية ميزانية وقضية إرادة فيجب رفع الميزانية كما هو الحاصل في السنغال، أما أن تبقى على حالها فهذا أمر لا يسمح للسلطات بتوسيع أو بناء مدارس أو جامعات، وغيرها من الاحتياجات الضرورية، ولكم أن تتصوروا أن دولة مالي بها تسع جامعات والسنغال بها عشرون جامعة.
موقع الفكر: ما رأيكم فيمن يقول إن مشروع جامعة نواكشوط ولد مختلا؟
محمدوالناجي بن محمد أحمد: في الواقع كان لا بد من ولادة مشروع الجامعة وإلا بقي حملة البكلوريا في الشارع فما كنا نُحصل من المنح الخارجية لا يساوي شيئا بالنسبة لاحتياجاتنا آنذاك، ولا أدافع عنها من منطلق أنني ممن أسسها،
لم تؤد دورها كما ينبغي لكنها أدت دورا معينا، وهذا خير من ألا تكون موجودة، لذلك لا أعتبرها فاشلة كلية وكان لا بد من إنشاء هذا المشروع.
موقع الفكر: ما آخر الأخبار المتعلقة بالحوار السياسي بين السلطة وأطياف من المعارضة؟
محمدو الناجي بن محمد أحمد: لم تنقطع الاتصالات بين السلطة والمعارضة، واحدث تلك الأمور هو اللقاء الذي جمع بين الرئيس محمد بن مولود ورئيس الجمهورية، قبل فترة وجيزة، حيث اتفقوا على أنه لااختلاف في المصطلحات وإنما الأساس هو الجوهر، وقد وعد رئيس الجمهورية بأن ينطلق الحوار قريبا. و لعلكم على علم باجتماع حدث قبل فترة في فندق "موريسانتر" بين أحزاب الموالاة والمعارضة لطرح هذا الحوار، فالرئيس غزواني أعطى موافقته على مواضيع الحوار عندما طرحها عليه الرئيس محمد ولد مولود وقال إنه لامانع لديه من التشاور، وإنما ينبغي أن يدرس بطريقة جيدة كي لا يكون فاشلا كالحوارات السابقة، وهي المعلومة الأولوية التي يجب إعطاؤها، وثانيا أن الأحزاب الموجودة في البرلمان اتفقت على مبدأ الحوار وتم تعيين لجنة لدراسة هذا الحوار وفيه إرادة نحو هذا ومواقفة من السلطة وأعتقد أن المسألة مسألة وقت.
موقع الفكر: وهل للحوار سقف محدد؟
محمدو الناجي بن محمد أحمد: هو حوار اجتماعي سياسي فلو كان حوارا اجتماعيا لما دعيت إليه الأحزاب السياسية، ولكن عندما تدعى الأحزاب السياسية فهي تتناول القضايا السياسية والاجتماعية وهو حوار أو تشاور جامع فهناك خلاف هل نسميه حوارا أم تشاورا؟ ونحن أصحاب الطلب الأصلي فحتى الآن نسميه تشاورا وأحيانا نخطئ ونسميه حوارا.
نحن في اتحاد قوى التقدم لا حد عندنا لما يمكن أن يصل إليه التوافق، ما دمنا نحصل على الجزء الأكبر من الذي نريده من برامجنا، ونحن جبهويون نرى أنه في العالم الثالث ليست هناك جيهة واحدة يمكن أن تعمل وحدها بل ينبغي أن تعمل مع مختلف الجيهات.
ونحن مقتنعون أنه إذا اشترك الجميع فستكون النتيجة إيجابية أما إذا انفرد كل بالعمل وحده فستكون النتيجة خداجا.
وعلى هذا الأساس نحن جادون وكنا أول الداعين في البرلمان إلى الحوار كما كنا أول الداعين إلى لجنة التحقيق البرلمانية، سنعطي كل ما نملك لإنجاح هذا الحوار، لاقتناعنا أنه هو الوسيلة الوحيدة التي يمكن أن تجعل موريتانيا تخطو خطوة إلى الأمام.
موقع الفكر: ما تقويمكم لأداء الجبهة الوطنية للدفاع عن الديمقراطية وكذا المنتدى؟
محمدو الناجي بن محمد أحمد: الجبهة والمنتدى لهما نفس الهدف وإن كان المنتدى ضم جهات وشخصيات أكثر من الجبهة في ذلك الوقت، والجبهة كانت لمواجهة الانقلاب الذي قاده الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز ضد الرئيس المنتخب سيدي بن الشيخ عبد الله رحمه الله.
وهنا أريد أن أقول إن الجبهة الوطنية للدفاع عن الديمقراطية المشكلة ضد الانقلاب على الرئيس المرحوم سيد محمد ولد الشيخ عبد الله حصلت على نتائج لا نظير لها في التاريخ حيث إن الرئيس الذي تم الانقلاب عليه يعود ليلقي خطابا بصفته رئيسا ويعين حكومة، هذا لم يحدث في التاريخ ، والفرق بينها وبين المنتدى هو أن المنتدى يضم طيفا كبيرا من الشخصيات بينما كانت الجبهة الوطنية للدفاع عن الديمقراطية تضم أحزابا مستعدة للمواجهة مع السلطة وهو ما أدى إلى النتيجة التي ذكرت لكم سابقا.
موقع الفكر: ما علاقتكم بالطيف المعارض، وما العلاقة التي تربطكم شخصيا بالتيار والإسلامي؟
محمدو الناجي بن محمد أحمد : علاقتي بالتيار الإسلامي هي نفس علاقة حزب اتحاد قوى التقدم به وهناك مستوى من التلاقي في وجهات النظر العملية رغم التباين في الرؤى الفكرية، ويمنعهما من التعاون ما يشيعه كلاهما عن الآخر من اشاعات منفرة، وهذا يمنع تعاونهما الكامل، وحسب تجربتي فإن تعاونهما الميداني مثمر، وقد أخبرني بعض الأطر الإسلاميين من حزب تواصل أنهم عندما يرسلون جماعة معينة لاجتماع يوصونهم باتخاذ الموقف الذي يتخذه اتحاد قوى التقدم لأن تجربته أطول، وبالتالي هناك ثقة ميدانية وتباين في الرؤى والطرح.
ونظرا لتكويني الثقافي المحظري لدي دائما قرب من التيار الإسلامي، ونظرا لتمسكي بالثوابت الإسلامية لدي علاقة خاصة بالرئيس الحالي لحزب تواصل الدكتور محمد محمود بن سيدي وبعض الأطرالأخرى.
وحصل في الانتخابات الأخيرة تنافر نتيجة لترشيح تواصل مرشحا من خارج المنتدى وترشيح المنتدى للدكتور محمد ولد مولود وبالتالي ازداد التنافر، وفي الفترة الأخيرة بدأت الأوضاع تتجه نحو التطبيع والتوافق الميداني مع اختلاف الرؤى.
موقع الفكر: ما تعليقكم على تصريح الرئيس محمد بن مولود حول رفض العلمانية في موريتانيا؟
محمدو الناجي بن محمد أحمد: في اتحاد قوى التقدم هناك نواة أو خلية من الشباب تعمل على توجيه اتحاد قوى التقدم لأن يكون حزبا علمانيا وتسعى إلى حشد أكبر عدد من الناس لإقناعهم بأن اتحاد قوى التقدم يجب أن يكون علمانيا أو إن شئت فقل ماركسيا، واتحاد قوى التقدم ليس كذلك بل يسطر في وثائقه أن منبعه أو مصدره هو الإسلام، والإسلام هو مصدر القانون في اتحاد قوى التقدم، وهذا مسطر في النظام الأساسي وسطر أيضا فيما يسمى بالبيان السياسي لمؤتمر الحزب، والدكتور محمد بن مولود عبر عن الاتجاه العام للحزب، وهو رفضنا للعلمانية، مما أدى في النهاية إلى انشقاق في الحزب لتكون تلك المجموعة تيارا علمانيا.
موقع الفكر: ما علاقتكم بالشيخ بداه بن البصيري رحمه الله ؟
محمدو الناجي بن محمد أحمد: هو ابن عمي ونظرا لأني من أقرب جماعة الكادحين إلى العلوم الإسلامية، كلما حصلت إشاعة مغرضة موجهة ضد الكادحين كانوا ينتدبونني لأذهب إليه وأحيانا يقتنع وأحيانا لا يقتنع، وأذكر أنني جئت إليه مرة فوجدته خارج العمران يدرس بعض طلابه فقال لي: أصحيح يا ابن عمي أنك كادح، فداعبته قائلا "يا أيها الإنسان إنك كادح" وبدأت أشرح له معنى كلمة "كادح" وهو أن يسعى الإنسان ويجتهد كي ينال قوته، وأننا سمينا بالكادحين لعطفنا على هذه المجموعة واهتمامنا بها، فقال لي إن كان هكذا فلا بأس.
وكنت أهدئه في كل مرة تشاع فيها إشاعات غريبة عن الحركة الوطنية الديمقراطية، ومن أغرب تلك الإشاعات الكاذبة أن هنالك سيدة بالت على المصحف على مرأى ومسمع من جماعة.
موقع الفكر: ما تقويمكم لفترة حكم محمد بن عبد العزيز وهل هو مؤهل للحكم؟
محمدو الناجي بن محمد أحمد: أعتقد أنها فترة ضائعة من تاريخ البلد، والتفصيل في هذا يطول والمهم أنه كان يحكم بصورة انفرادية، وأنه كان أول من انقلب على أول تجربة ديمقراطية في موريتانيا وهذه لا يمكن غفرانها.
الرئيس سيدي محمد بن الشيخ عبد الله لم يكن مثالا خارقا للعادة وكان رجلا طيبا، وكنا نأمل أن يكون بدايتنا نحو الديمقراطية الحقيقية ، ومحمد بن عبد العزيز قطع رأس هذه التجربة. والشيء الثاني أنه كان يأنف من دراسات المشاريع ومختلف القضايا، ويرى أن الدراسات مضيعة للوقت، وأدى هذا إلى ضياع الكثير من المشاريع التي حاول إقامتها.
حبه للمال وأنه كان جماعا للمال ونحن نرى أنه يجمع المال بطريقة غير شرعية.
عد إلى تسجيلات أكرا لعلك سمعتها، عد إلى بيع المدارس، عد إلى بيع الملعب، عد إلى بيع مدرسة الشرطة.
كان هناك اتجاه لملمة موريتانيا في جيب شخص واحد وبالنسبة لنا فترته في الحكم فترة سيئة، وحاول أن يعود إلى الحكم من جديد كي يزداد ثراء ومالا.
موقع الفكر: ما تقويمكم لتقرير اللجنة البرلمانية وتعاطي السلطة معه؟
محمدو الناجي بن محمد أحمد : أعود إلى فكرة تكوين لجنة برلمانية لمحاربة الفساد في البلاد وهو شيء يحصل لأول مرة في التاريخ الموريتاني وقد اطلعت على بعض الفقرات الجيدة ونريد أن يكون هذا التقرير بداية معاقبة المفسدين في موريتانيا.
موقع الفكر: ما تقويمكم لسنتين من حكم الرئيس محمد الشيخ الغزواني؟
محمدو الناجي بن محمد أحمد: نحن ننتظر، والذي حصل حتى الآن لا يرضينا وإن كان هناك تقارب وانفتاح على المعارضة وكذلك لجنة التحقيق فهذا شيء إيجابي ولدينا أمل في انفتاح على المعارضة أكثر، وننتظر منه إخراج موريتانيا من المرحلة الحرجة حاليا.
موقع الفكر: هل صحيح أن المعارضة تخلت عن دورها؟
محمدو الناجي بن محمد أحمد: أقول إن المعارضة في الفترة الماضية ليست المعارضة التي نعرف من حيث المظاهرات والنشاطات واللقاءات، لكنها موجودة على كل حال وتصدر بيانات وتجري لقاءات وإن كانت تختلف عما عهد من مظاهرات ومهرجانات، وهي الآن تتجه إلى أن تصل إلى هذا الحوار الذي تعتقد أنه قد يؤدي إلى بعض النتائج المؤملة.
موقع الفكر: ما تقويمكم لأداء مندوبية تآزر ؟
محمدو الناجي بن محمد أحمد: قيل إنهم وزعوا مبالغ كبيرة، من النقود نحن لم نرها على الساحة ولا في الميدان، فأين ذهبت هذه المساعدات، الله أعلم؟ "طارت أم ذهبت مع الريح" وإما أنها لم توزع أو وزعت بطريقة غيرشفافة.
موقع الفكر: هل من كلمة أخيرة؟
محمدو الناجي بن محمد أحمد: أشكركم على الاستضافة كما أشكركم أن دفعتموني إلى أن أحيي بعض المعلومات التي كانت نائمة، وأعتقد أن استماع الشباب إلى حياة بعض الأفراد الذين قدموا بعض التضحيات في سبيل الوطن ربما تكون ذات قيمة بالنسبة للشباب الذي يأتي فيما بعد، ومن خلالكم أدعو الشباب إلى أن يقوموا بدورهم فقد أدينا دورنا في النضال كما نعتقد، سواء كنا ديمقراطيين، بعثيين، قوميين، حركة إسلامية، وأدعو الشباب إلى الاستمرار لعل موريتانيا تخرج من عنق الزجاجة فهي بلد غني بموارده فقير في الواقع وعلى الشباب أن ينهض بموريتانيا ليكون لها مستقبل أفضل.