الدكتور الطيب محمد محمود في لقاء شامل مع موقع الفكر: يجب أن نتحلى ولو بالقليل من الوطنية ليتطور وطننا

في إطار مواكبة موقع الفكر لمجريات الساحة الوطنية، وسعيا منا إلى إطلاع متابعينا الكرام على تفاصيل الأحداث، بتحليل متوازن، ونقاش متبصر، نلتقي اليوم مع أحد الأكاديميين الموريتانيين ممن عايشوا واقع التعليم وخاصة العالي منه بموريتانيا، حيث عمل مدرسا بالتعليم العالي لأزيد من عقدين من الزمن، مما أتاح له مواكبة معظم المشاريع الأكاديمية والعلمية بالبلد، إضافة إلى عمله في بعض الشركات الوطنية، فقد عمل مدير بالشركة الوطنية لصيانة الطرق "ENER" هذا مع اهتمامه بمجال التعدين حيث واكب بعض عمليات التنقيب عن الذهب وفحص التربة لمعرفة ما إذا كانت تحوي معدن الذهب وذلك بالتعاون مع شركة "تازيازت".

 وضيفنا إضافة إلى كل ما ذكرنا أحد المهتمين والعارفين بالشأن التنموي والاقتصادي بحكم تجربته الإدارية والسياسية الطويلة...

نحاوره ونستجلي من خلاله ما وراء الخبر، في لقاء شامل، يتناول واقع التعليم بموريتانيا، وخاصة التعليم العالي منه،; كما يتناول اللقاء   بعض ملفات وصفقات الفساد التي كانت تجري في الشركة الوطنية لصيانة الطرق "ENER"، إضافة إلى بعض القضايا الوطنية الهامة التي تطرق لها هذا اللقاء مع ضيفنا الكبير..

فأهلا وسهلا بضيفنا الدكتور الطيب محمد محمود.

موقع الفكر: نود منكم تعريف المشاهد بشخصكم الكريم من حيث الدراسة والشهادات والمناصب التي تقلدتم؟

- الدكتور الطيب محمد محمود: بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على نبيه الكريم ، انا الطيب ولد محمد محمود من مواليد لعصابة وتحديدا مدينة كيفة ، ولدت في سنة 1960 درست الابتدائية والاعدادية في كيفة ثم انتقلت إلى العاصمة ودرست في الثانوية الفنية قبل حصولي على الباكلوريا سنة 1983 وحصلت على منحة إلى فرنسا ومكثت فيها 12 سنة، قضيت 10 منها في الدراسة وحصلت على الدكتوراه وقمت بالتدريس لمدة سنتين هناك ثم رجعت إلى موريتانيا 1995م. وعملت في شركة صيانة الطرق لمدة 14 سنة، وتقلدت الكثير من المناصب فيها، ثم انتقلت للعمل في شركة تازيازت لمدة سنتين ثم ذهبت بعد ذلك في منحة لأكمل التأهيل في فرنسا لمدة ثلاث سنوات ثم رجعت إلى العاصمة بعد ذلك.

وأنا الآن أدرس في الجامعة أستاذا للفيزياء بكلية العلوم والتقنيات أدرس فيها منذ سنة 2000.

 

-موقع الفكر: ما هو تقويمكم لواقع التعليم في موريتانيا؟

-الدكتور الطيب محمد محمود: التعليم في الحقيقة يعيش تدهورا ومستوى ضعيفا للأسف، نتيجة كثرة المراجعات والكثير من الأساتذة قد تركوه نتيجة ضعف الظروف المادية والمعنوية التي يعيشونها.

 

- ما هي أبرز مظاهر الخلل في المنظومة التربوية ؟

-الدكتور الطيب محمد

محمود: ربما من أبرز تلك المظاهر أن الدولة لا تضعه ضمن أولوياتها، فأنت ترى الميزانية المحددة للتعليم بمراحله كلها(ابتدائي- إعدادي- ثانوي- جامعي) لا تزيدنسبة 10% فقط من ميزانية الدولة بينما تجد في بعض القطاعات الاخرى من تمثل ميزانيتها نسبة 30% من ميزانية الدولة وهذه من أسباب المأساة التي يعيشها التعليم ، هذا بالإضافة إلى محدودية رواتب الأساتذة والمعلمين وكذلك ضعف تكوينهم.

 

- موقع الفكر: ما هي العوامل التي أدت إلى تدهور التعليم بهذا المستوى ؟

- الدكتور الطيب محمد محمود: من العوامل الأساسية كثرة المراجعات في المناهج التربوية فقد تسبب ذلك في ضعف مستويات الطلاب لدرجة أنك أصبحت تجد من يحمل شهادة "ليسانس" وهو لا يستطيع كتابة اسمه.

 

-موقع الفكر: ما تقويمكم للإصلاحات التربوية التي تم القيام؟

- الدكتور الطيب محمد محمود: تلك الاصلاحات ليس عبارة عن شيء فكل وزير يأتي ويغير ما قام به من سبقه وتبقى النتيجة واحدة للأسف، والواقع أن مسألة التعليم ليست أولوية بالنسبة للدولة الموريتانية، وربما السبب في ذلك أن أبناء المسؤولين في الغالب لا يدرسون في المدراس العمومية ولا يكملون دراستهم إلا في الخارج ويبقى أبناء الفقراء هم الضحية، وهناك مسألة أخرى تعيق المنظومة التعليمية وهي عدم وجود طاقة استيعابية في بعض المؤسسات وخصوصا المركب الجامعي فأحيانا تجد مدرجا واحدا يدرس به 2000 طالبا وجميع أوراقهم في الامتحان سيصححها أستاذ واحد،  إضافة إلى أن برنامج "LMD"  لم نواكبه بما ينبغي للتعامل معه،  فالسنة الدراسية عندنا لا تتجاوز ستة أو سبعة أشهر عندنا في حين أن العالم الآخر تبدأ السنة الدراسية عنده في سبتمبر وتنتهي في الشهر السادس.

 

-موقع الفكر: هل الفترة المحددة للبرنامج السنوي الجامعي كافية لتدريسه ؟

-الدكتور الطيب محمد محمود: يفترض أن تكون كافية ولكننا في الغالب لا نكمل المقرر لأن الكثير من وقت السنة يضيع علينا في الترتيبات والاجراءات الادارية وحين أتت الجائحة أصبح الوضع أكثر تعقيدا فنظام LMD يفترض أن يتم فيه تدريس 12 اسبوع في كل سداسي والواقع أننا لا ندرس إلا 7 أسابيع أو 8 .

 

- موقع الفكر: هل المشكل اللغوي مشكل تربوي أم مشكل سياسي وما هي المقاربة الأمثل لهذا المشكل في نظركم؟

- الدكتور الطيب محمد محمود: مشكل اللغة قد يكون مشكل سياسي بالنسبة لمن يطالبون بتعريب المناهج أما بالنسبة لنا نحن أصحاب التخصصات العملية فمشكلة اللغة ليست عائقا أمامنا إذ يمكننا أن ندرس  بجميع اللغات، فهذا المشكل قد يواجه أهل الآداب والقانون وغيرهم أما أصحاب التخصصات العلمية فليس مطروحا بالنسبة لهم، أرى أن المشكل قد يكون لديه بعد وسياسي ومن أسبابه كذلك عدم الاهتمام بالتعليم فالمنهج الذي يتم اختياره لا يتلاءم مع واقع الطلاب لذلك تتخرج الأجيال وهي ليست مؤهلة.

 

- موقع الفكر: هل يمكن النهوض بالتعليم بموظفين يعيشون واقعا ماديا مزريا؟

 

-الدكتور الطيب محمد محمود: لن ينهض التعليم ما لم تكن هناك ظروف مادية ومعنوية معتبرة بالنسبة للموظفين فالأستاذ والمعلم في موريتانيا لا يمكن أن يعيش دون ممارسة وظيفة أخرى نتيجة لتدني الرواتب فالمدرس راتبه لا يتجاوز 100000 أوقية، وهذا مما يؤثر على المنظومة التربوية، وراتب الأستاذ الجامعي لا يتجاوز 300 ألف أوقية وهذا قليل بالنسبة لأستاذ قضى عمرا يدرس بالخارج، وأنت لديك بعض الجنرالات والوزراء يتقاضون الملايين. 

 

- موقع الفكر: نلاحظ من وقت لآخر مراجعة البرامج المدرسية فهل تلك المراجعات استجابة لحاجات وطنية أم تناغما مع توجهات دولية أم لمجرد استدرار التمويلات ؟

-الدكتور الطيب محمد محمود: لا أعتقد أن هناك تأثيرات خارجية حول الأمر، وإذا كانت فهي قليلة، فالتيارات السياسية عندنا تنتهز الفرصة في التأثير على المناهج حال ما تولي وزير منها، فتختط خطة تناسب أيدلوجياتها.

 

- موقع الفكر: ما هو رأيك في المدارس الفرنسية التي تدرس بعض الأمور المخالفة لعقيدتنا

- الدكتور الطيب محمد محمود: لا أطمئن إليها فهي مجرد تمهيد لاستقطاب أبناء هذا الوطن وإعطائهم الجنسية الفرنسية، أعتقد أن المستعمر ما زال هو نفس المستعمر واستثماراته تتواصل في  الضفة من أجل كسب ود سكان المنطقة، فكل ما تعطيه فرنسا أو الاتحاد الأربي تستأثر به مدن الضفة في حين أن سائر البلد مهمل في مشاريعها، فهم لا يستثمرون فيه، ولا أدرى ما هي مشكلتهم معها.

 

- موقع الفكر: ما هو سبب التدني الشديد على مستوى جامعتنا حين تحتل ذيل الترتيب العالمي ؟

- الدكتور الطيب محمد محمود: السبب الأساسي في ذلك هو سوء الإدارة والتخطيط والارتجال في ذلك ومن الأسباب كذلك تعيين البعض في مناصب لا يستحقونها، وتلك سياسية وزير التعليم العالي الدكتور سيد ولد سالم، لأن المعايير التي يعتمد للتعيين غير شفافة فمثلا كان يتم انتخاب العمداء ورؤساء الأقسام أما الآن فيتم تعيينهم من طرف الوزير مباشرة وحسب مزاجه، ومع ذلك لا أنكر أن الوزير مطلع على حيثيات الوزارة وما يتعلق بها لكنه يتعمد تصفية الحسابات مع بعض الأفراد وتلك سياسة مذمومة،  وهناك سبب آخر يعرقل المنظومة التعليمية وهو أن هناك توغل سياسي داخل التعليم فالمنظومة التربوية ينبغي أن تكون بعيدة كل البعد عن التجاذبات السياسية وغيرها.

 

- موقع الفكر: تطالعنا من حين لآخر بعض الحركات الطلابية التي تحمل عرائض مطلبية تريد تحقيقها فهل تلك المطالب عادلة في نظركم؟

- الدكتور الطيب محمد محمود: من حق الطلاب أن يتظاهروا للمطالبة بحقوقهم نتيجة الإقصاء الذي يتعرضون له في شتى المجالات، فقد كانت المنحة تشمل جميع الطلاب أما الآن فتم وضع معايير إقصائية للكثير منهم كعامل السن وغير ذلك، هذا بالإضافة إلى أن أصحاب شعبة الرياضيات لم تعد الدولة تبتعثهم للدراسة في الخارج، وهذا ما تسبب في تحول الكثير عن تلك الشعبة لأن صاحبها لا يجد فرصة لإكمال دراسته في الخارج وإكمال الدراسة بالخارج في حد ذاته ليس هدفا لكنه أحسن من إكمالها هنا دون شك، لأن صاحبه قد يجد فرصة للدراسة في جامعة مرموقة.

فالمنح لم تعد موجودة نتيجة لأن الشروط التي تعطى بها أقرب إلى الشروط التعجيزية.

 

- موقع الفكر: هل المنح كانت تعطى حسب تخطيط ودراسة أم لا ؟

- الدكتور الطيب محمد محمود: هناك نوعان من المنح، النوع الأول أن بعض الدول كانت تعطي مقاعد دراسية لطلابنا ويتم منحهم إليها أما النوع الثاني فهي منح تعطيها الدولة لبعض الطلاب المتميزين ويدرسون على حساب الدولة.

لكن كل هذا لم يعد موجودا.

 

- موقع الفكر: هل بناء المركب الجامعي تم حسب معايير علمية أم لا ؟

- الدكتور الطيب محمد محمود: أعتقد أن موقعها لم يكن استراتيجيا فوضعها شمال العاصمة فيه الكثير من الارتجالية وعدم مراعاة ظروف الطلاب لأن أغلبهم من أبناء الفقراء وحين يريد أحدهم الذهاب إلى الجامعة يقضي ساعتين وهو في الطريق إليها والسكن الجامعي غير متوفر للجميع ومعاييره إقصائية والمطعم خدماته غير جيدة ولا شك أن وضعها خارج العاصمة قد تسبب في تعطيل دراسة الكثير خصوصا الطالبات فأعرف بعضهن حصل على الباكلوريا ولم يستطع مواصلة الدراسة نتيجة للظروف غير الملائمة للجامعة.

 

- موقع الفكر: إلى ما ترجعون الأزمة المستفحلة في القدرة الاستيعابية لمؤسسات التعليم العالي ؟

- الدكتور الطيب محمد محمود: أرى أن السبب يكمن أساسا في ضعف الميزانية المخصصة للتعليم فجميع القطاعات قد تطورت باستثناء التعليم؛ نتيجة لضعف الميزانية الممنوحة له، وقد تم إبعاد الجامعة فالأستاذ يقطع يوميا 15 كلم. ذهابا وإيابا دون أن يمنح له تعويض، وكذلك التقدمات متوقفة فقد كانت تتم بصفة تلقائية وهي الآن متوقفة، فأنا الآن في التعليم العالي منذ عشرين سنة لم أحصل على أي تقدم.

 

-موقع الفكر: ما هو انطباعكم عن المؤسسة الوطنية لصيانة الطرق ؟

- الدكتور الطيب محمد محمود: هذه المؤسسة بدأت أصلا برؤية واضحة وقد توليت فيها الكثير من المناصب كما تعلم قبل مغادرتي لها عام 2008 نتيجة أن الدولة بدأت تعين فيها أشخاصا بمعايير غير شفافة، فالمدرين الذين يتم تعيينهم عليها لا يهمهم شأن العمل بقدر ما تهم السياسة.

 

- موقع الفكر: ما هو أهم شيء أنجزته في هذا القطاع وما هي المشاكل التي واجهتكم فيها ؟

- الدكتور الطيب محمد محمود: كل قطاع أتيته أحاول أن أنظمه وأن يخضع تسييره للشفافية، ومن أبرز المشاكل التي واجهتها في فترة تولي الصفقات أن بعض المديرين كانوا يقومون بإجراء صفقات كبرى مشبوهة ومخالفة للقانون دون الرجوع إلي، وبالنسبة للصفقات الصغرى فقد أصبحت تتم بطريقة انتقائية، فلا يسمح لمن يتقدم إلهيا بإيداع ملفه إلا إذا كان صاحب توصية قد حصل عليها من قبل المدير، وهناك صفقات التراضي التي كانت في الأصل تمنح في حال الاستعجال، إذا كانت هناك مسألة مستعجلة لا يمكن الانتظار بها يتم القيام بها عبر صفقات التراضي دون المرور بمرحلة المناقصة، فأصبحت 90% من صفقاتها تتم عبر التراضي، ذلك أن المديرين استمرؤوا هذه الطريقة التي يتمكنون من خلالها من الشراء من عند أنفسهم أو ذويهما بأسعر يختارونها لأنفسهم، بعد ذلك عين عليها بعض السياسيين، فقد قام وزير التجهيز بتغيير مديرها وجاءها بمدير ينفذ أوامره، إضافة إلى أنها أصبحت تتدخل في أشايء ليست من اختصصها فأصبحت تقوم بإنشاء الطرق بعد أن كانت تختص في صيانتها.

هذا بالإضافة للمشكلة المتعلقة بكثرة الموظفين غير الفاعلين في المؤسسة فقد كان عدد موظفيها 300 شخص قبل أن يقوم وزير التجهيز و النقل بزيادتهم حتى بلغوا 1500 شخص وأصبح الكثير من عمالها غير رسميين، يمكن القول باختصار إنها شهدت فسادا ماليا حقيقيا وتعاقب عليها بعض لوبيات الفساد مما تسبب في إفلاسها.

وقد كسب منها كثيرون أرباحا طائلة بسبب صفقات الفساد، وقد عينوا عليها مديرا يدعا "ون" كي يورطوه ويلبسوه جريمة إفساد الشركة، فقاموا باعتقاله وإن كان من أفسده المدير الذي كان قبله.

 

- موقع الفكر: ما هي أهم الطرق التي أنجزتها الشركة ؟

- الدكتور الطيب محمد محمود: أنجزت بعض الطرق في الداخل فكل عاصمة ولاية تم فيها إنشاء 10كلم. من الطرق.

 

موقع الفكر:- ننتقل إلى مرحلة "تازيازت"، ماذا كنتم تعملون هناك ؟

-الدكتور الطيب محمد محمود: تلك فترة من العمل مع أحد الأصدقاء فقد كانت لدينا شركة خاصة للتنقيب عن المعادن.

فنقوم بأخذ عينات من الذهب ويتم فحصها حتى نعلم هل يوجد ذهب بتلك المنطقة.

 

- موقع الفكر: وما هي ملاحظاتكم على تلك الشركة ؟

- الدكتور الطيب محمد محمود: ملاحظتي أنها فيها الكثير من الفساد وتعاني من سوء الرقابة وقليل فيها من يعمل للدولة وإنما الكثير يعمل لنفسه ومصلحته وهذه هي مشكلة موريتانيا.

 

- موقع الفكر: ما هي أهم مشاريع التي يتم القيام بها في الضفة ؟

- الدكتور الطيب محمد محمود: هناك بعض المشاريع الزراعية المهمة، حيث يحاولون القيام بالاكتفاء الذاتي في ذلك الميدان.

 

- موقع الفكر: يتحدث البعض عن وجود عبودية واسترقاق عندنا فهل العبودية ما زالت موجودة أم مخلفات الرق في موريتانيا ؟

- الدكتور الطيب محمد محمود: على كل حال الرق موجود ولكن ليس بدرجة أن تعطى له أهمية، فالعبودية غير موجودة، فبعض من تمارس عليهم تلك القضية قد تعودوا عليها وتأقلموا معها مع أن هناك قوانين صريحة تحرم ذلك لكن المشكلة في تطبيق القانون.

والمشكلة تكمن في مخلفاتها، إضافة إلى أن من سبق أن مورست عليهم العبودية ما زالوا يعانون من آثارها وهم بحاجة لدعم مادي وعلمي.

- موقع الفكر: ما هو رأيكم في الدور الذي تقوم به تآزر ؟

- الدكتور الطيب محمد محمود: أرى أن ما تقوم به دون المستوى فالمثل الصيني يقول "لا تعطني سمكة بل علمني كيف أصطادها" والمبالغ التي توزعها تلك المؤسسة لا أرى أنها تسد حاجة الفقراء لذلك ينبغي أن توضع في مشاريع تكون لها مردودية أكثر على المواطن البسيط وأبناء الفقراء الذين يكدحون في جميع مجالات الحياة بحثا عن لقمة العيش، فمن أخذ هؤلاء ودرسهم ووفر لهم الإمكانيات لإقامة مشاريع استثمارية لكان ذلك أفضل، فنحن لدينا أرض "شمامه" صالحة للاستثمار وهي أرض خصبة ومثل تلك المشاريع لا يمكن أن يقوم بها سوى الدولة.

-موقع الفكر: كنت رفقة بعض زملائك تقومون بزيارات للداخل فما الهدف منها ؟

- الدكتور الطيب محمد محمود: كانت لدينا محاظر خيرية نشرف على دعمها لتدريس أبناء الفقراء، ووجدنا أن أغلبهم للأسف يعاني من سوء التغذية ولاحظنا أنهم كلما بلغ أحدهم مرحلة من العمر يستطيع العمل فيها يترك الدراسة ويذهب للبحث عن لقمة العيش ومع ذلك ما زالت فكرة تلك المحاظر متواصلة ولله الحمد ونقوم سنويا بزيارتهم وجمع التبرعات لهم.

 

- موقع الفكر: ما هو الحل المناسب لمشكلة هؤلاء في نظركم ؟.

- الدكتور الطيب محمد محمود: الحل المناسب أن الدولة يجب أن تستثمر في هؤلاء وتضعهم ضمن أولوياتها، وأعلم أن الأجيال التي كبرت في السن لم يعد بالإمكان تداركها لكن ينبغي أن يتم التركيز على الأجيال الناشئة ففيها الكثير من الأذكياء الذين يصلحون للدراسة لكن ظروفهم المادية تحول دون مواصلتهم لذلك فما لم يجدوا عناية من الدولة سيضيع مستقبل الكثير منهم، فتقيم لهم مدارس توفر سكنا داخليا حت تتوفر لهم ظروف يستطيعون معها القيام بالدراسة.

 

- موقع الفكر: ألا تعتبر أن التقري العشوائي كان سببا أساسيا في هذا الأمر؟.

- الدكتور الطيب محمد محمود: التقري العشوائي ليس هو المشكل الأساسي فالدولة أقامت مدارس بين تلك القرى لكن ربما الحل الأمثل هو إيجاد معاهد للتدريس والتكوين وفيها سكن للطلاب مع الظروف الملائمة لمواصلة الدراسة، كما تلزم متابعتهم حتى يواصلوا الدراسة.

 

- موقع الفكر: لكن هذا يطرح إشكالا آخر وهو أن تدريس هؤلاء في مكان خاص بهم ينتج عنه جيل عنصري منغلق على بيئته

- الدكتور الطيب محمد محمود: ما ذكرته صحيح وربما من حسنات الزمن الماضي أن أجيالنا نحن درست في مكان واحد يجمع مختلف الشرائح الوطنية ولم تكن بيننا أي عنصرية ولا حقد، أما الآن - ومنذ أن بدأ التعليم الحر - بدأت الطبقية في المجتمع تنتشر لدرجة أنك أصحبت تجد مدارس خاصة بشريحة البيظان وأخرى خاصة بلحراطين ولكور كذلك  وتلك إشكالية حقيقية يواجهها هذا المجتمع.

 في الماضي، كنا ندرس جنبا إلى جنب مع الزنوج والبيض لم تكن هناك أي حواجز أو عنصرية بيننا وبين زملائنا اللذين درسوا معنا، أما اليوم ومع انتشار المدارس الحرة فقد تمايزت الناس فأصبحت هناك مدارس خاصة للزنوج وأخرى للبيض وهكذا، وهي إشكالية عميقة تأثر سلبا على وحدتنا الوطنية ورغم أن البرنامج الدراسي موحد إلا أن المدارس الحرة لا تبالي بشيء ولا رقيب عليها.

موقع الفكر: ما السبب في فشل المشاريع التنموية بالبلاد؟

الطيب محمد محمود: أتمنى أن يتغير واقع وطننا نحو الأفضل وأن تجد موريتانيا رجالا صادقين خاصة السياسيين الذين يستطيعون وضع خطط لرقي بالتعليم وصيانة الوحدة الوطنية، فالشعب يحتاج من يحفظ مقدراته ومشاريعه، فنحن نجد مثلا مشروعا ممولا من البنك الدولي أو البنك العربي أو غيرهم لكن ما يصل من ذلك إلى مستحقيه لا يتجاوز 10 إلى 15% والباقي يختفي في جيوب المسؤولين والمحليين منهم بالخصوص، وحتى المسؤولين الخارجيين كالخبراء الذين يتم ابتعاثهم للإشراف على المشاريع فنجد أن جزء كبيرا من التمويل يذهب في ضيافتهم وتنقلهم وهم في الأغلب لا تهمهم مصلحة البلد، ومن الأمثلة المشاهدة في هذا السياق مشروع القرض الزراعي الذي كان يمول المزارعين قبل أن يعلن إفلاسه بسبب فساد المؤولين، وقد مُوٍل مرات عديدة.

وأذكر أيضا كمثال على فساد المشاريع أن الشركة الوطنية للاستصلاح الزراعي اقتُنيت لها اللوازم والمعدات الضرورية لعملها إبان حكم الرئيس الراحل سيدي بن الشيخ عبد الله، وكانت تملك استقلالية مالية واستفاد منها المزارعون آنذاك، وبعد ذلك بحقبة طلبت نقابة المزارعين من الرئيس أن يمنحهم المعدات مباشرة وأنهم لا حاجة لهم بالشركة فلبى لهم رغبتهم، فهذا ارتجال وإفساد للمشاريع العامة فجميع تلك المعدات آلت إلى شخص أو اثنين دون أي تعويض للشركة حتى الآن، لتصبح شركة عاجزة. وقد قامت بتغير مجالها مؤخرا لتباشر تعبيد الطرق حيث كانت تشرف على طريق روصو- كرمسين وكانت النتيجة سيئة للغاية.

 

موقع الفكر: إلى م تردون رداءة الطرق؟

الطيب محمد محمود: في اعتقادي أنه يعود في المقام الأول إلى الدراسات نفسها قبل البدء في المشاريع، ثانيا أعتقد أن المادة المستخدمة في تعبيد الطرق لا تحترم فيها معايير الجودة المطلوبة رغم وجود المخبر الوطني لكنه هو الوحيد في بلادنا وعمله مرهون بأمزجة أصحابه، صحيح أنه يصدر تقارير حول الأشغال التي يعمل على فحصها لكن تلك التقارير لا تتجاوز الورق، وفي المقابل نجد أن الطرق التي أنجزتها شركات أجنبية وراقبتها مختبرات دولية ما تزال قوية رغم تقادم الزمن وكمثال على ذلك نذكر الطريق الرابط بين "مكطع لحجار" ومنطقة "جوك" التي أنجزتها شركة فرنسية وكذلك الطرق الأولى التي أنجزت على معايير مدروسة كطريق نواكشوط – اكجوجت وغيرها، بينما نرى الطرق المنجزة حديثا في العاصمة مثلا لا يحول عليها الحول إلا وهي في حالة سيئة.

 

موقع الفكر: هل حقا أن الرئيس السابق محمد عبد العزيز كان يؤجر لكم بعض المعدات؟

الطيب محمد محمود: صحيح، الرئيس عزيز حتى قبل أن يتولى السلطة كان يؤجر لنا معدات لا نجدها أي لا أساس لوجودها وهي مع ذلك تحسب على الشركة وتدفع له فواتيرها آخر كل شهر، أنا لم أقبل ذلك لكن الزملاء كانوا يقبلونه ويسكتون عليه.

 

موقع الفكر: ماذا لديكم حول مشروع طريق نواكشوط – روصو ؟

الطيب محمد محمود: لا معلوماتي عندي عنها، أعرف فقط أنني سلكتها مرة وفيما يبدو أنها طريق جيدة.

 

موقع الفكر: ما الدافع وراء تأجير الآليات ؟ هل هو ضعف في الاستثمار أم ماذا؟

الطيب محمد محمود: الدافع وراءه هو ضعف السيولة فحين لا تملك الشركة المال الكافي لشراء الآليات تضطر حينها لتأجير وهو أكثر الأسباب ضررا عليها. وقد لاحظت مؤخرا أن شركة ETERN والتي أقيمت على أنقاض ENNERبعد أن تبين لهم أنه من الضروري وجود مؤسسة عمومية في هذا المجال، لاحظت أنها بدأت تبحث هي الأخرى عن آليات تأجرها، وهذا لا يبشر عليها بخير.

 

موقع الفكر: ما تقويمكم لواقع الشركة الوطنية للصناعة والمناجم "اسنيم"؟

الطيب محمد محمود: شركة "اسنيم" كغيرها تضررت كثيرا من سياسات العشرية السابقة، واستنزفها الرئيس السابق واشترى منها الطائرات والبواخر حتى ولو افترضنا أن هذه استثمارات باقية للشركة إلا أن هذا كله تخبط وارتجالية.

أرى أن إدارة اسنيم كانت إدارة سياسية ولا علاقة لها بالشركة ومجالها، فالعمال ما يزالون في حالة سيئة وأرباح الحديدة لا تعود عليهم بفائدة تذكر.

فالدولة كانت تتعامل مع كل الشركات باستغلالية دون أن تدفع الفواتير التي عليها وتستوي في هذا كل من شركة "اسنيم" و الشركة الموريتانية للطيران والشركة الموريتانية للكهرباء وغيرها، حتى أنني أذكر حين كنت في شركة ENNER"" سمعت أن للشركة ديونا بالمليارات على الدولة وعلى رجال الأعمال.

موقع الفكر: ما تقويمكم لحكم الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني؟

الطيب محمد محمود: أرى أنه لم يغير شيئا بعد، فما زال الأشخاص هم أنفسهم وما زالت سياسة الإسكات متبعة

موقع الفكر: هل من كلمة أخيرة؟

الطيب محمد محمود: كلمتي الأخيرة هي أننا يجب أن نتحلى ولو بالقليل من الوطنية ليتطور وطننا الذي يختطفه العسكر حتى الآن.