الفكر(نواكشوط) سعيا منافي موقع الفكر إلى تنوير الرأي العام وإشراكه في القضايا الكبرى، ومعالجة الإشكالات المطروحة بقوة وإلحاح في الساحة الوطنية، وعرضها على ذوي الاختصاص .
ولإيجاد إجابات دقيقة ومفيدة، تستند إلى معطيات علمية وتعززها تجارب ميدانية غنية.
نستضيف لكم اليوم شخصية وازنة شغلت وظائف إدارية متعددة ومناصب حكومية رفيعة، واحتلت مكانا مرموقا في عدة منظمات وفي الحركة الوطنية.
وقد سألناه عن حركة الحر وميثاق الحراطين ، وأهم إنجازاته في بلديات المناء وإنجازاته أيام كان في الوزارة، وأهم التحديات التي واجهته، كما شمل ما يعرف بملف العشرية الأخيرة.
فإلى المقابلة:
موقع الفكر: حبذا لو عرفتم المشاهد بشخصكم الكريم من حيث الاسم وتاريخ ومحل الميلاد وأهم الشهادات التي حصلتم عليها والمناصب التي توليتم؟
الوزير محمد بن بربص: الاسم محمد بن بربص بن موسى من مواليد الحوض الغربي في مرحلة الستينات، ترعرعت ودرست في لعيون فدرست المرحلة الابتدائية والإعدادية والثانوية وحصلت فيها على شهادة البكالوريا شعبة الآداب العصرية، ووجهت إلى معهد لتكوين أساتذة المرحلة الإعدادية ،وبعد سنتين تخرجت من المعهد وقد مارست التدريس في أطار ولعيون، بعد ذلك عدت إلى المدرسة العليا لتعليم الأساتذة وأكملت الدراسة فيها واجتهدت لكي أكون على رأس الناجحين عَلٍي أنال منحة دراسية لأكمل دراساتي العليا ،ونجحت على رأس دفعتي ولكن في تلك السنوات لم يوفد طلاب المدرسة العليا لتعليم الأساتذة لإكمال دراساتهم في الخارج وكوفئت بأن خيروني أن أختار المكان الذي سأمارس فيه التدريس، فاخترت مدينة نواكشوط. وتخرجت سنة 1991م. وواصلت التدريس في إعدادية السبخة حتى سنة 2001م. وأحضر حاليا لشهادة الماستر وأوشك على نقاش رسالة التخرج ولدي الرغبة في أن أسجل في الدكتوراه بحول الله وقوته.
وبدأت مسيرتي السياسية منذ أواخر الثمانينات وقد وجدت حركات من قبيل حركة الكادحين وحركة الناصريين والبعثيين وبدايات نشأة الإسلاميين، وكان شعار المرحلة أنا أو الطوفان ونظرا لعلاقتي مع بعض الرموز والأصدقاء اتضح لي أن هناك بعض الأشياء التي لم أرها في الساحة بعد ،وقلت أنا وبعض أصدقائي إن هذا اللغط أقرب إلى الخيال الأدبي منه إلى عمل فعلي يصل إلى المواطن ويلامس همومه.
ومع ذلك كان لدي شعور بأني علي واجب تجاه الوطن يجب أن أقوم به ورغم أني كانت على علاقة مع عدد من الناس إلا أنه اتضح لي أن ما سأقوم به بقدر ما هو مساهمة مني في خدمة وطني يمليها علي الضمير السياسي والإنساني ،بقدر ما هو واجبي كمسلم يعين أخاه فيما هو مشتغل فيه، ومن المؤكد أني عملت فيها ابتغاء الأجر.
وكانت العبودية من الأمور الجلية التي اتضح لي أنه ينبغي أن يعين فيها الإنسان أخاه وكذلك الغبن والتهميش الذي تعاني منه شريحة لحراطين، فكانت هذه البوابة التي دخلت منها السياسة.. فانتميت إلى حركة الحر ورأيت أن لها نضالا يبرره الدين من باب رفع الظلم عن الناس، ونضالها مبرر من الناحية السياسية؛ إذ لا يمكن بناء الدولة إلا بالمساواة والعدل والحرية، فما نحن فيه من مشاكل سببه انعدام الوعي وعدم إيصال ما ينبغي إيصاله إلى المواطن الموريتاني وهو وليد بيئةو ثقافةو تعامل ما بين مكوناته وما يفرزه ،ويبقى علينا تمهيد الطريق والعمل على أساس حل المشاكل المطروحة من فوارق، وظلم وتجاوزات، فنحن نسعى كلنا لكي نصل إلى حل لهذه المشاكل لكي نصل إلى التعايش الذي به تبنى الأمم.
وكما تعلمون آنذاك كان هناك طموح وحراك من أجل خلق "ديناميكية" تستطيع التأسيس لتعددية حزبية وديمقراطية، وقد ساهمت في ذلك الحراك عدة عوامل منها الضغط الخارجي والمطبات التي عانت منها السلطات ،ليس على مستوى موريتانيا فحسب بل على مستوى العالم الثالث ،وخطاب لابول وكان لفرنسا موقف ممن لا يسعى إلى فتح باب الوصول إلى الديمقراطية عبر صناديق الانتخابات.
وقد حضرت مع زملائي في الحركة في تهيئة الساحة لخلق اتحاد القوى الديمقراطية وكنت من بين أوائل الذين قدموا ملفاتهم من أجل تحقيق ذلك الأمل ،وهو الاعتراف بالحزب وجرت الانتخابات الرئاسية وكان التعايش بين مكونات الحزب صعبا وكانت تجربة جديدة بالنسبة لحزب له طموحات في أن يصل إلى السلطة، و من حيث الانصهار في حزب فيه مكونات تتعارض ليس من أجل النفوذ فحسب، بل بسبب اختلاف المرجعيات والمشارب، واضطررنا في مرحلة أن ننسحب كحركة سياسية من الحزب مع بعض الحركات الأخرى لما بدا لنا أنه لا يلبي طموحاتنا وفي الوقت الذي كنا ننتظر منه التقدمية والعمل على إزالة بعض الأمور اتضح لنا أنه كان يوطدها، وبعد فترة أسسنا حزب العمل من أجل التغيير، ومن هنا بدأت مسيرتنا السياسية الفعلية؛ لأن ما قبل هذا كان عملا سريا في أكثر الأحوال فالحزب رغم ما قيم به من عمل من أجله، كنا نقول إنه كانت هناك رغبة في طمس عملنا كمجموعة سياسية ولا يفوتكم أنه في أحداث 1989ـ 1990م. كنا نمثل حلقة وصل بين الجانب العربي والجانب الإفريقي وكان هناك تدابر وكنا نحن الآلة أو الوسيلة التي استطاعت أن تجسر الهوة بين الجهتين . ولكن هذا الموقف لم يقدر بل على العكس كانت هناك هرولة من أجل أن يكون عمرو أو زيد في المقدمة ،وفي نفس الوقت تم تجاهل المشاكل الأساسية والتخطيط لبناء غد أفضل والتعايش السلمي البناء والتمثيل التام الذي يرى فيه المواطن الموريتاني ذاته، سواء كان زنجيا أو عربيا أو إفريقيا "حرطانيا" أو "بيظانيا" وينبغي أن نكون نحن القطار الذي يوصل الموريتانيين إلى ما يصبون إليه لا سيما أننا لنا نقمة على النظام، وقلنا إنه سبب ما نعانيه وجاءت انتخابات 2001م. فترشحت لمنصب عمدة الميناء وانتخبت عمدة وكان لترشحي ما يبرره فكما تعلمون أن الأحزاب السياسية تتنافس على تمثيل المواطن وعلى السلطة مهما كان مستواها وكنت مقتنعا بضرورة الترشح للعمل على خدمة المواطن و لإبراز قدرات "الحرطاني" في دولته موريتانيا في وظيفة انتخابية ما، وغيرها مما يساعد في اكتشاف قدرات ما زالت غائبة عن المواطن الموريتاني وليست تشجيعا للمواطن فحسب بل من أجل إبرازها أمام السلطات لكسر تلك الزجاجة والتعامل مع هذا الجزء من هذه المكونة العامة المسماة موريتانيا لكي يجد كل من أهلها حقه.
وكان نجاحا أعطى فرصة لتقديم صورة عن الحزب فحصلنا على ثلاث بلديات في نواكشوط، وكدنا أن نحصل على البلدية الرابعة إذ لم يحل بيننا وبين الحزب الحاكم إلا خمسين صوتا، وحصلنا على مقاطعات في الداخل كسيلبابي وبعض المقاطعات الأخرى، وكان تمثيلا مشرفا للحزب وقضيت تلك المأمورية وأظن أني قمت بواجب كان يمكن أن يعتبر نموذجا في خدمة المواطن و تقريب الإدارة منه والسهر على مصلحته وإظهار ما أعتقد أنه إخفاقات من طرف الإدارة والمطالبة بالعمل على إزالتها، وبعد انتهاء المأمورية لم أرد أن أترشح؛ لأني أحسست بغيرة من طرف بعض المناضلين الذين كنت أعمل من خلالهم لأنهم لم يكونوا يعتقدون أنه بإمكان المرء أن يعمل شيئا وارتأيت ألا أترشح كي أتيح الفرصة أمام شخص ثان ولكي لا تكون المناصب حكرا ولكي يسهل على الكل أن يكون المرء عمدة أو نائبا يقدم خدمة للمواطنين على أنها واجب وليست امتيازا وفي سنة 2007م. دعمنا المرحوم سيدي بن الشيخ عبد الله في الشوط الثاني على أساس اتفاق مبرم بيننا وبينه مقابل إشراكنا في الحكومة والعمل على ترسانة قانونية تساعد في حل مشكلة العبودية، وكان لنا ذلك وأصدر القانون المجرم للعبودية وعين لنا أربعة وزراء فكنت من بينهم في حكومة يحيى بن أحمد الوقف فكلفت بالشباب والرياضة وأظن أن الدافع الذي كان هو المحرك الأساسي على مستوى البلدية في خدمة المواطن هو نفسه ما طبع تعاملي مع الموظفين الذين يعملون في الوزارة والمواطنين.
وفيما يتعلق بالمناصب السياسية كنت أول أمين عام لحزب اتحاد القوى الديمقراطية على مستوى مقاطعة الميناء وكنت بعد ذلك أول أمين عام لحزب العمل من أجل التغيير وعضو مكتبه التنفيذي ،ولما حل هذا الحزب من قبل نظام معاوية بن سيد أحمد بن الطائع واتفقنا مع حزب التحالف الشعبي التقدمي الذي كان يقوده الناصريون آنذاك كنت من رجالات اللجنة الدائمة للحزب ،ولما حدث الانصهار الكلي عقب المؤتمر حظيت بحقيبة أمانة التنظيم والتوجيه وهي الشخصية الثالثة على مستوى الحزب ولما وقع ما وقع سنة 2013م. بحيث اضطررت مع بعض الزملاء إلى مغادرة الحزب ،وأنشأنا حزب المستقبل الذي حدثت فيه بعض الأمور بسبب الجشع ،وأدت إلى التقاضي وهو ما ربحه الطرف الآخر ثم أنشأنا حزب البناء والتقدم الذي أرأسه حاليا ،ولم نحظ بمقعد لا على المستوى البلدي أو المستوى النيابي ولم يعترف بنا إلا سنة 2017 وشاركنا سنة 2018م. في الانتخابات البلدية والتشريعية ولم نحظ بمقاعد تمثيلية ونعلم أن الانتخابات يفسدها اندفاع الرئيس والحكومة واستخدام المال، وعلى كل لدينا أمل كبير في تجاوز هذا الأمر وأن نحظى بتمثيل يمكننا من ترسيخ مكانة الحزب في الساحة السياسية.
موقع الفكر: هل تعتبرون لحراطين جزء من القومية العربية؟
الوزير محمد بن بربرص: بكل صراحة أظن أن الشريحة قليلة في حق لحراطين أو العرب لأن كلمة الشريحة تعني أنها جزئية من قومية معينة بسبب خصوصية معينة ،وحينما أتكلم عن العربية أقول إنهم "قومية" وأحب أن أقول إنه على مستوى حركتنا السياسية في مرحلة معينة ولا أحب أن أغلق هذا الموضوع على مجموعة معينة ،لأن حركة الحر أسستها مجموعة من الحراطين وكان فيه عدة احراطين، وكانوا يتفقون على نقاط أساسية معينة وميثاقهم واضح ،وهو أنهم مواطنون مكبوتون فرغم وجود حركات سياسية كحركة الكادحين والناصريين والبعثيين والإسلاميين ،ورجالات الدولة ممن يفترض أنهم يبنون لغد أفضل فقد بقي هؤلاء المواطنون ضحية لنظرة دونية وقلة تعامل مع واقع آن له أن يندثر ،وهذا هو مبرر نشأة الحر، ولم تكن نشأتها نشأة سهلة؛ لأنها نشأت في أواخر عهد المرحوم المختار بن داداه وبعد ثلاثة أو أربعة أشهر وصل العسكر إلى السلطة.
ولم يكن كل أحد باستطاعته أن يندفع في هذا الأمر لجدته على مستوى الساحة ولا أخفيك ما عانته في نشأتها من المعاناة و تقويض ما تقوم به وتشويه جهودها ،والغرض من ذلك وأدها حتى لا ترى النور وكان أول منشور لها هو "نداء للحرطاني" لكي ينهض ويحس بالوجع وبات البعض يطلق علينا لقب "أخوك الحرطاني" ازدراء للمنشور وازدراء حتى للحرطاني، واتضح أنه يجب أن يأخذ المرء طريقه بنفسه وليس ضد أحد وتفاوتت رؤى أصحابها فبعض المؤسسين رأى أنها ينبغي أن تكون حركة سياسية، ورأى آخرون أن تكون حركة اجتماعية بينما اعتقد بعضهم أنها يجب أن تكون حركة مرحلية تعالج موضوعا معينا وإذا انتهى تنتهي معه؛ ولذلك كان بعض من قادتها ناصريين وبعثيين، وقد رأى آخرون أنها حركة كسائر الحركات ما دامت لها الروح والنفس. ومعنى ذلك أننا في هذه الجماعة التي كان يترأسها مسعود بن بلخير كنا نقول "لحراطين من الناحية البيولوجية قد تكون أصولهم إفريقية ولكن من الناحية الحضارية والثقافية نحن عرب"، ولا نعطي فيها الأسبقية لأحد لأن لنا ما لهم وعلينا وما عليهم.
وهناك فكرة فيها لبس أحب أن أدلي فيها برأيي لأننا من مكونات عدة، صنهاجة ولمتونة ،وكذلك لحراطين فيهم من أصوله بمباريةأو فلانية أو سوننكية أو استعبده أبناء عمومته نظرا للسيبة والثقافة ،وانطلاقا مما سبق فإن هذا التفاوت والانتماء ربطته اللغة والدين والانصهار الثقافي والتعايش ما بين هذه المكونات، وفي مرحلة ما صرنا نقول "بيظاني" ونقول إن الحرطاني ليس بيظانيا وانطلاقا مما سبق يجب أن نفرق بين القومية والشرائح فنقول بيظاني وحرطاني ولكن تجمعهم القومية العربية، وهذا ما أعتقده وأتشرف بالانتماء إلى العرب ولا أقبل أن ينتزع مني أحد هذا الانتماء.
موقع الفكر: البعض يقول إن العبودية ما زالت موجودة وهناك رأي يقول إنها لم تعد موجودة ولكن توجد بعض آثارها؟
الوزير محمد بن بربص: رأيي في هذا الموضوع أن هذا خطاب دأب عليه نظام ولدوالطائع وهو طمس بعض الحقائق، وأنا أعتقد أننا مسلمون وفينا مرض فلنبحث له عن الدواء المناسب، ولا يستطيع المرء أن يداوي مرضا لا يعرف حقيقته، ويجب أن نسعى إلى مداواة هذا المرض الخطير العتيد وهو مرض سلب الناس عقولها وشخصياتها وقوتها وإمكاناتها وساوى البشر مع الحيوانات بل ساواهم مع البضائع ،ويجب أن نحس بما سبب من أوجاع ولا يجب أن نعطي فرصة للناس التي عانت معاناة لم يكن لها من مبرر أن تنتقم في حال ما إذا ما قويت شوكتها.
وانطلاقا مما سبق لا أعتقد إلا أن الحديث عن وجودها من عدمه حديث عبثي، وأستسمح لأروي قصة وقعت لي مع الرئيس السابق محمد بن عبد العزيز حينما التقيته أيام أزمة حزب المستقبل وقلت له إني ألتقيه بصفتي رئيسا لحزب وأن حزبي لديه برنامج ، وأننا لم نلتق لأن كلا منا لديه طريقه الذي يعمل فيه ولكننا يمكن أن نعمل على تقوية المشتركات بيننا ،ومن بين الأمور التي حدثته عنها برنامج الحزب وقضية العبودية. فسألني هل تعتقد أن العبودية ما زالت موجودة! فقلت له سيدي الرئيس لن أدخل في جدال حول وجودها من عدمه وفي أثناء الإثبات والنفي يموت العبد، ولكن إن أرسلتم قافلة من الشخصيات الأمينة والنزيهة وجابت موريتانيا فستأتي لكم بعبيد وسادات يشهدون على أنهم كانوا يعبدونهم، ولكن دعنا من هذا لأنا لا نريد للعبد أن يلجأ للانتقام، بل نريد أن نرفع من شأن العبد وأن نقنع السيد بأن ما كان يمارسه ظلما ويجب أن ينتهي عنه. وأعتقد أن السيد والعبد لا يفقهان خطورة هذا الأمر لأن القضية قضية جهل وإرساء للظلم. والعبودية موجودة وإن لم يكن هناك أسواق نخاسة أو عبيد يرسفون في القيود على الأقل في المدن ،ولكن العبودية ما زالت تتعاطى في القرى والأرياف، ولكن الناس عندما يكونون في مجالسهم الخاصة يقولون هذا عبدي وهذه أمتي ،ولأن المجتمع الدولي ضد الرق والدولة تحب أن تغطي على العبودية عندما يستدعون إلى القضاء ينفون العلاقة فعندما يستدعون يقولون هذه أختي أو هذه زوجتي وهؤلاء أبنائي ،والمنطق يرفض هذا؛ لأن مجتمع البيظان يرفض تعدد الزوجات فلا يمكن للمرأة أن تقبل أن تشاركها ابنة عمها زوجها ،فكيف تقبل أن تشاركها إياه من كانت أمتها، ولنفرض جدلا أن هؤلاء الأطفال أبناؤك فلماذا ترسل بعض أبنائك إلى المدرسة والمحظرة وترسل الآخرين إلى الرعي أو الخدمة المنزلية، فديننا يرفض هذا وأخلاقنا تأباه فلا يمكن أن نمارس ظلما على إنسان ونعمل على نكرانه، فلنفترض أنها موجودة أو غير موجودة فآثارها أشد خطرا منها؛ لأن الآثار النفسية وما تتركه في الإنسان من الدونية والجهل والفقر والتعالي عليه ، يجعله يشعر بمعاناة مدمرة، وإذا كنت أظن أني حر لكن في قرارة نفسي أعلم أني غير حر ،وأعلم أني لست في ظروف تجعلني محررا.. وإن كنت أنام على الحجارة والرمال ولا آكل إلا فضلات الطعام وأقتنع بهذا فهذا أفضل من أن أكون في سلاسل غير ملموسة تكبلني و أقبع في واقع من البؤس، وإذا استمعت إلى الراديو قيل لي إن هذا غير موجود فهناك يتعامل معي كبعد والدولة لم تفتح لي بابا للحرية أجد فيه طعم الحرية وتركتني في ظروف أتمنى فيها العبودية.
موقع الفكر: بعض الحملات التي قامت بها بعض المنظمات أدت إلى تأثر بعض العمال من فئة لحراطين واستقدام عمالة منزلية من الخارج ما رأيكم؟
الوزير محمد بن بربص: بكل صراحة في إطار أي مجتمع فإن هناك الغني الذي تخدمه الناس والفقير الذي يخدم الجميع ،وفي العالم مهما كان مستواك المعرفي والعلمي والمادي فأنت تقوم بوظيفة ما، خدمة للمجتمع الذي أنت فيه، وتبقى نظرتنا نحن لتلك الوظيفة وحينما نقتنع بأن كل العمل شرف وهذا يغذيه ما عندنا من الثقافة والنضج، وهو أن الدكتور يقوم بوظيفة أعطاها إياه المجتمع، وأن الخادم في البيت يقوم بوظيفة أعطاها إياها المجتمع، وتجب دمقرطة الوظائف والتساوى ويحس عمرو أو زيد بأنه قام بما عليه، ولكن إذا كان هذا ناتجا عن واقع مفتعل، واقع أجبر عليه بعض الناس فهو يعمل خادما؛ لأنه أمي، لكن هناك بعض الأميين الذين أتيحت لهم بعض فرص العمل في الدولة، فارتقوا بها عن الخدمة في البيوت، فتجد بعض الناس سائقا لأنه ابن فلان أو بوابا لأن له علاقة بفلان أو وكيل إدارة وهو لا يقرأ ولا يكتب، وهذا ليس متاحا لكل أحد، فوظيفة خادم في المنزل لا يقوم بها إلا من كان من فئة لحراطين أو من كان قادما من الخارج لأنها تعطى لها خصوصية معينة لجهة معينة، ولو لم تكن فيها هذه الشحنة لكان الأمر هينا ويجب أن تعمل الدولة على إعطاء الناس فرصة كي لا تستغل.
وأنا لا أقول بنعت الناس بما ليس فيهم ولا باقتحام خصوصياتهم ،ولكن إن رأيت في منزل جاري ما لا ينبغي فإن استطعت تثقيف جاري وتنبيهه أقوم بذلك، وإن لم أستطع ذلك أذهب إلى مفوضية الشرطة وأقول لهم رأيت كذا وكذا، لكن سبب الحوادث التي تقع هو أنك إذا بلغت مفوضية الشرطة عن حالة ما، فلن يصدقوك وهو ما جعل البعض يلجأ إلى بدائل قد لا تروق لكثيرين .
وأنا ضد العمالة المنزلية إن كانت موصومة بجهة معينة وشحنة معينة وأنا أعرف أشخاصا من شريحة لبيظان يعيشون على حساب عمال منازل ،ولكنهم لا يستطيعون ممارسة هذا؛ لأنهم لا يقبلون أن يكونوا خدما ولأن المجتمع لا يقبلها لهم، وفي نفس الوقت عمال المنازل يقبلون العمل كي لا يلجأوا إلى سؤال الناس أو السرقة.
وما جعل بعض الناس يقرع الأبواب أو يقتحمها لوجود بعض الأطفال المستخدمين عمالة من دون أجور وعند الشرطة سيقولون إن هذا ابن أخيهم أو ابن أختهم أو أنهم يدفعون له راتبا وهذا لا يخدم المستخدم والمستخدم وإذا أردت أن تشغله فادفع له راتبا مناسبا ومن الناحية الدينية قلنا فيها ما قلنا ومن ناحية بنية الدولة أصبح الأمر متجاوزا.
موقع الفكر: مشكلة لحراطين تكمن في أن أطرهم كلما عين أحدهم في الحكومة أصبح أرستوقراطيا ونسي المهمشين ما رأيكم؟
الوزير محمد بن بربص: لا. هذه نظرة ازدواجية خطيرة فالحرطاني مواطن له الحق في أن يكون رئيسا أو وزيرا ،وقد يكون جيدا أو سيئا، وهناك بعض الحراطين الذين يقتنعون أصلا بقضية لحراطين وهذه مسؤولية الدولة وليست مسؤولية فردية، فمن ساهم فيها بجهد يشكر عليه ولكنها ليست فرضا على أحد وبقدر ما يشتغل أبناء البيظان والأفارقة في لاس بلماس أو باريس ،فإن من حق لحراطين أن يكونوا كذلك والقضية قضيتنا جميعا ولحراطين لما ظهروا وأنشأوا حركة الحر قيل لهم أنتم عنصريون وعندما يعين أحدهم يقال له لم تنجز شيئا للحراطين وأنا لدي راتبي أو "سرقتي" أريدها لنفسي ،وإن كنت وزيرا فلدي برنامج دولة وليس برنامجا شخصيا ،وأنا رئيس حزب لدي خطاب وليست لدي أموال لتمويل مشاريع للحراطين ويجب أن أوضح مسؤولية الدولة ولو عينت على مسؤولية تعنى بقضية لحراطين لكان بالإمكان محاسبتي.
فاسغير ولد امبارك من أوائل من عمل على أن تكون حركة الحر حركة اجتماعية وهو بعثي. و بيجل كان من الناس الذين أسسوا حركة الحر ،و لما ترأسها اشترط عليها تغيير ميثاقها ،ومؤسسو الحركة يرون أنفسهم من مجموعة لحراطين، وبيجل لم يعد يرى نفسه حرطانيا ولنترك بيجل واسغير، أما محمد بن بلال فلا علاقة له بحركة الحر، والبيظاني الذي ترأس الدولة هل عين من أجل البيظان أم الزنجي معين من أجل الزنوج، بل البرنامج برنامج رئيس الجمهورية المنتخب على أساسه، ولا يستطيع الوزير الأول أن يغير في البرنامج شيئا ولا حتى تعيين بواب أو إقالته دون الرجوع إلى الرئيس ودعونا من هذا، فلو عينت أنا يوم غد وزيرا فإن أنجزت شيئا لحراطين فمني ومن من حولي وإذا لم أنجز لهم شيئا فليس دينا علي، وليس بيني وبينهم عقد فهل سئل لحراطين عمن يعين لهم.
وإنما يعين لحراطين كما عين البيظان والزنوج ،وكما أننا لا نقبل أن يظلم البيظان أو الزنوج لا ينبغي أن نسمح بظلم لحراطين؛ ولأن الحراطين لهم نصيب في هذه الدولة نظرا لكثافتهم وكفاءتهم فقد أصبحوا في وضعية تمكنهم من منافسة الآخرين، وإذا لم يجدوا حقوقهم من باب العدل ورد الاعتبار والا متنان يجب أن تعطى لهم من باب أنه صار بإمكانهم أن يقوموا بالعمل الذي يقوم به الآخرون.
موقع الفكر: هل تنتمون إلى "ميثاق لحراطين"؟ وماذا يعني أن تقوم كل فئة بإنشاء ميثاق خاص بها؟
الوزير محمد بن بربص: كنت عضوا فيه ولكنه للأسف تشتت، ومن المهم فهم طبيعة الميثاق فإن كان يسعى إلى التشتيت والدعوة إلى نبذ الآخر فينبغي أن نقف كلنا في وجهه ومعارضته ،وإن كان يسعى إلى تعزيز قوة الدولة واللحمة الاجتماعية فينبغي الانضمام إليه.
وكنت في بداية شبابي أدعو إلى فتح حركة الحر أمام البيظان والزنوج لأن هناك من هو مستعد للعمل معنا ولكن كان ذاك تغاضيا عن واقع معين، وهو أننا في دولة بوليسية، وقد يأتي إنسان في ثوب من يريد مساعدتك فيفتك بك ،وحركة الحر ليست هي الحركة السرية الوحيدة، بل كانت كل الحركات السياسية حركات سرية.
موقع الفكر: هل حلت حركة الحر؟
الوزير محمد بن بربص : لا. حركة الحر أصبحت فكرة ولم تحل رغم ما وقع من مطبات وتباين في الرؤى، وكان يراعى في حركة الحر أنها فكرة للجميع ،والغرض منه استئصال مشاكل معينة وبناء جسور تمكن من انصهار الموريتانيين فيما بينهم من أجل بناء دولة قانون، وعدالة، وما حدث هو انقسام الناس على أساس الفكر وبقي أناس متمسكين بالحر برئاسة مسعود بن بلخير وقد أعلن في 2009م. حل الحركة وبقي آخرون متمسكين بها وأبوا إلا أن يواصلوا في الحركة، ورأت المجموعة أن مسعود وإن كان ترأسها إلا أنه ليس لديه الحق في حلها دون الرجوع إلى تشاور أو مؤتمر، ورأينا أن حركة الحر ليست حركة عنصرية وليست "شوفينية" وأنها تخدم المصلحة العليا لموريتانيا بما تنجزه من جر الناس المهمشة لتلتحق بالركب.
وأنا أعتبر نفسي وإن كنت خارج حزب المستقبل من حركة الحر فكرا وتنظيما ،والساموري بن بي أعلن رئاسة تنظيم الحر.،والتنظيم يمكن أن تحله مجموعة وتعلن مجموعة أخرى التمسك به.
موقع الفكر: هل كان بيرام بن الداه بن اعبيدي من المنضوين في حركة الحر؟
الوزير محمد بن بربص: لم يكن كذلك، وإن كان قد حمل فكر الحر من حيث الدعوة إلى محاربة العبودية والقضاء عليها وهذا هو الهدف المعلن وهل يوافق ما كانت تقوم به حركة الحر ،تلك مسألة أخرى.
موقع الفكر: ما تقويمكم لتجربة المنتدى السياسية؟
الوزير محمد بن بربص: على كل حال ، للسياسة بيئة تنمو فيها وتزدهر وتعطي أكلها وهناك بيئة تقوض جهودها وجهود أهلها ، ويحدث من خيبة الأمل ما يجعلك تتخلى عن مبادئك؛ لأن البيئة لا تصلح لهذه المبادئ، ونحن في المعارضة عانينا من تعامل السلطة وعانينا من التخوين وقلة وعي المواطنين، وأنت ليس لديك إلا راتبك فلو سرت على هذا المنوال عشرين عاما لأصبت بالتعب والملل، وأذكر أنني في أيام الرئيس معاوية بن سيد أحمد بن الطائع كان يأتي إلي أشخاص ويقولون لي إن السلطة مستعدة لتلبية طلباتي إن تخليت عن الحركة، ولما انتخبت عمدة جاءوا إلي وقالوا تخل عنها ونحن نمول لك المشاريع التي تطلبها.
وفيما يتعلق بالمنتدى كان كشكولا من مختلف الطيف السياسي وكان أملا لكل هذا الطيف ،ولم يكن هناك جسر بين المعارضة والموالاة وأعتقد أنهم قاموا بما قاموا به وشيطنهم النظام ،ومع ذلك استطاعوا إيصال خطابهم إلى كل الموريتانيين فليست المشكلة في إيصال الخطاب بل المشكلة في نزاهة العملية الانتخابية و التحكم فيها، وكنت ممن يرى أن ولد عبد العزيز ينبغي أن يسجن لأنه انقلب على سلطة منتخبة ديمقراطيا بغض النظر عن انتخاباتها ولا ينبغي أن يترشح لأن هذا جرم على جرم.
وما حصل لا أقول إنه قصر نظرنا أو ضعفت بصيرتنا ،بل إننا خدعنا أنفسنا؛ لأن هناك من قام بانقلاب عسكري وتحكم في الجيش والشرطة والمال والإدارة وتحكم في إرادات الناس، ومع ذلك نترشح ضده، وأذكر أنني قلت في مفاوضات دكار إن من يترشح ضد محمد بن عبد العزيز كمن يدخل إصبعه في عينه، ومن كان يريد الترشح فليشترك معه في الوزارة؛ لأن منافسته آنذاك كانت ضربا من المستحيل ،ونحن أتينا من حوار يقول إن مدة الحكومة 42 يوما ومع ذلك قلصت إلى 18 يوما وصار الوزير مجرد "بو". وقلت إننا إذا لم نستطع نحن والمجتمع الدولي منع الرئيس محمد بن عبد العزيز من الترشح فينبغي أن نمتنع عن السياسة طيلة فترة حكمه.
موقع الفكر: هل التقيتم الرئيس محمد بن الشيخ الغزواني؟
الوزير محمد بن بربص: لم ألقه منذ انتخابه رغم أني كنت من بين الشخصيات التي التقته أثناء الحملة الانتخابية؛ وكان لقائي معه لعدم قناعتي بالمرشحين الآخرين، وحدثته عن برنامجي وقال: إني قد أفدته بمعلومات سيضيفها إلى برنامجه، ودعمناه بما أوتينا من قوة،وكنت أظن أن علاقتي ستكون أحسن، ولم ألتق معه رغم أني أسمع أنه التقى مع مختلف الطيف السياسي معارضة وموالاة، ولم يلتق بنا كمعارضة أو موالاة أو كحزب سياسي دعمه ،وقد لقيت شخصا وحدثني عن قرب لقائه بي وكنت وما زلت أؤمل فيه الخير، و أناأمارس السياسة وقد أجد فيها حاجتي وقد لا أجدها.
وبالنسبة للحوار فليست لدي معلومات عنه، إلا ما كان مما يتداوله الإعلام فلم أتلق اتصالا من الحزب أو مدير الديوان أو أي شخص آخر، وسمعت بعض الناس يقول إنه سيكون حوار اجتماعي، ولا أدري ما المقصود بذلك!. هل تعنى الكلمة النقابات العمالية! أو هو حوار أوسع!. وقرأت أن الأحزاب السياسية موالاة ومعارضة دعت إلى حوار سياسي وأستغرب لماذا يتم إقصائي وأنا أمثل حزبا سياسيا تعترف به السلطات.
موقع الفكر: هل اتصل بكم الرئيس مسعود بن بلخير أثناء دعوته لأحزاب المعارضة؟
الوزير محمد بن بربص: في الحقيقة مسعود لم يتصل بي شخصيا وإن كان بعض قيادات حزب التحالف الشعبي التقدمي قد اتصل بي وسألني هل أنا من المعارضة أو من الموالاة ،فقلت له إن كانت الموالاة تعني دعم الرئيس محمد بن الشيخ الغزواني فأنا أدعمه وما زلت أدعمه وإن كانت المعارضة لها مفهوم آخر فأنا كنت حزبا معارضا، ولكن الموالاة لما تتشكل بعد، وأخبرني هذا القيادي أن الأحزاب المعارضة ستجتمع ولم يدعني إلى الاجتماع.
موقع الفكر: هل قرأتم تقرير اللجنة البرلمانية وما رأيكم فيه؟
الوزير محمد بن بربص: قرأته و لم يفاجئني وأعلم أن ما خفي قد يكون عظيما، وما تجاوزت عنه اللجنة أعظم أيضا؛ لأنها لا تستطيع أن تأتي على كل القضايا وما جاءت به خطير ويهدم ولا يبني، ولكن المواطن بريء حتى يدان، وللسلطة الحق في أن تشك في عمرو أو زيد ولكن الأمد قد طال في هذه القضية وينبغي أن تكشف للناس عما سيحدث فيها، ونحن ننتظر على أحر من الجمر والمتهم هو الآخر ينتظر والدولة مسلوبة أموالها ومنهكة، وهذا ليس ضروريا بل ينبغي أن ننهي الموضوع دفعة أو نشتغل بأمر آخر، ويكفينا واقعنا المزري وجائحة كورونا.
موقع الفكر: ما أبرز إنجازاتكم في بلدية الميناء؟
الوزير محمد بن بربص: لم تكن بلدية وإنما كانت جزءً من بلدية على تراب نواكشوط، وكان فيها نائب عمدة ووجدت فيها مكتبا ساقط الجانب ولم أجد شيئا فيها يذكر بأنها إدارة، وأذكر أنني أول ما فعلت أنني فتحت بابها على مصراعيه أمام المواطنين حتى يعلموا أنها مرفق عمومي يعود إليهم ويطرحون عليه مشاكلهم فنحل ما يمكننا حله ونبين لهم ما لا يمكن حله، ولما ذهبت عنها كنت قد شيدت لها قصرا مؤثثا وصارت إدارة، وكان ذلك إنجازا ينضاف إلى إنجازات منها إنشاء مستوصف بمنطقة "الورف" لصالح العمال والساكنة ولما أنجزنا المستوصف كانت تسكنه مجموعة كبيرة من السكان، وكذلك شأن "الدار البيضاء" التي أنشأنا فيها هي الأخرى مستوصفا ولم تبق مدرسة من المدارس الموجودة في المقاطعة إلا رممتها وأقف على ترميمها بنفسي وإذا كانت لدي ملاحظات أقولها.
وعلى مستوى النظافة أنشأنا شركات صغيرة للنظافة وكانت تفرض رسوما شهرية لا تتجاوز خمس مائة أوقية ووفرت فرص عمل كبيرة، وتركنا شاحنات للنظافة وعربات حمير كنا قد وزعناها على أصحاب الحمير ومارست النظافة أمام البيوت؛ لكي أري الناس أهمية النظافة، وتركت للبلدية أسطولا من السيارات وأول سوق بني في البلدية كان بالتعاون مع مقاول مقابل أن يقتضي أتعابه من تأجير السوق وكان للبلدية دخل شهري من ذلك السوق.
موقع الفكر: هل أرسلت إليكم المفتشية فرقة تفتيش؟
الوزير محمد بن بربص: نعم أرسلت إلينا الكثير من الفرق ولم تتركنا نعمل لأنا كنا من المعارضة، وأذكر أنهم مرة اتصلوا بي وقد دخلت في العطلة السنوية فقلت لهم إنني دخلت في العطلة الصيفية وأن البلدية مفتوحة أمامهم، فطلبوا مني الانتظار يومين وكان محاسبهم يحسب كل شيء حتى أكياس الأوراق المفتوحة ولما انتهوا من إعداد تقريرهم قالوا إن هناك 580 ألف أوقية لم يجدوا لها تبريرا ،وكانت منها 300 ألف تتعلق بعقد مع شركة لصيانة الأجهزة، و200 ألف تتعلق بعقد مع شركة أخرى وقد وطلبوا مني إفادات إنهاء للعمل فقلت لهم إني لا أعرفها ولا أتعامل معها، وإنما أتعامل مع العقود الموقعة مع الشركتين اللتين كانتا تؤديان الخدمة، فعادوا وقالوا إن المبلغ يزيد على المبلغ الأصلي بثلاثة مائة أخرى فقلت لهم إن هذا مجرد لعب وكنت على استعداد للذهاب معهم إلى العدالة والتقاضي ولكني تشاورت مع بعض الأشخاص وبعض القادة فنصحني قادتي بأن هذا الأمر سهل وينبغي تسديد المبلغ حتى لا نجعل من الحبة قبة فسددتها على مضض.
موقع الفكر: ما أبرز إنجازاتكم في الوزارة؟
الوزير محمد بن بربص: لم أبق في الوزارة إلا مدة قصيرة وقال الناس الموجودون في الوزارة إنها شهدت تحسنا وأعلم أن الناس تجامل ولكني كنت مجدا في العمل ومقتنعا بالعمل والعلاقة بيني وبين طاقم الوزارة كانت علاقة تكامل، وأذكر على سبيل المثال لا الحصر أني ذهبت إلى مؤتمر للشباب العرب في القاهرة وكنا مجموعة واحدة وكنت بينهم كأحدهم وكان باب الوزارة مفتوحا ونقوم بما نستطيع فعله في ذلك المجال وكنت أريد أن نقيم ثورة في المجال لأنها هي المجال الثاني للدبلوماسية.
موقع الفكر: هل من كلمة أخيرة؟
الوزير محمد بن بربص: نحن الموريتانيين قادمون من بعيد ومنذ 1960م. ونحن ننتظر أن تكون لنا دولة بما في الكلمة من معنى وطموحنا وتطلعاتنا أن نعيش تعايشا فعليا بسلام وأمان وتكامل ويثق بعضنا في بعضنا، ويجب أن ننمي ونرسخ ثقافة الديمقراطية ونعمل على إرساء دولة العدالة والحرية التي يرى فيها كل منا ذاته ،ويكون فيها كل ممثلا للآخر ونحن ما زلنا بعيدين من هذا الهدف، ولكن هذا ليس مستحيلا ويحقق بالقناعة والإيمان وأن نقتنع بالعمل مجتمعين فبنا كلنا تكتمل الصورة وتنجح فإذا بقي منا واحد نخسر الرهان، وليست دول الجوار أفضل منا ولدينا الثروات البشرية والمادية وما زلنا لم نصل إلى ما نصبو إليه ونرجو من الله عز وجل التوفيق.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.