بينا أنا أعد العدة لغربتي الأولى - بعد تفوق في الباكلوريا أهلني للحصول على منحة دراسية- إذ زارني صديق عزيز خبر الغربة حلوها ومرها، وصحب الطلبة والباحثين الموريتانيين من مختلف الأعمار والخلفيات في مهاجره لسنوات.
قال صاحبي: ما أسفت لشيء أسفي لأسرة محافظة دينة تلقي بفتاة في عمر الثامنة عشرة إلى الضياع، دون وازع من خلق أو دين!.. ودون وعي لما يكتنف ذلك من مخاطر.. إنها خيانة للأمانة التي عرضها الله على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا.
قلت: وهل يعقل أن ترسل فتاة في مرحلة الباكلوريا دون مرافقة أخ أو زوج أو أبوين لإكمال دراستها في غربة لا يحتمل متاعبها ومصاعبها صعاليك الرجال؟!..
قال صاحبي: في مجتمعنا "طيبة" بل "سذاجة بداوة" تحمل الآباء والأمهات على اعتقاد العصمة في البنين والبنات في ثقة عمياء، ثم يلقونهم في مجاهل الغربة وتيارات الفساد دون وعي.
ثم قال: لقد مرت بنا مواقف تشيب لها الولدان، ويتفطر لها كل قلب يغار لحرمات وأعراض المسلمات!..
بدء باستقبال الفتاة من طلاب "مراهقين" في مطار بلد الغربة، مرورا بإقامتها -اضطرارا- أحيانا مع شاب أو شباب بغرفهم في انتظار انتهاء الإجراءات.. وقبل ذلك وبعده تحمل متاعب ومصاعب ومصائب وأخطار الغربة!..
بعد أيام من شكوى صاحبي حطت بنا الطائرة في بلد مغاربي، لنبقى عالقين أسبوعا كاملا في انتظار أقرب رحلة.. وبعد يومين من الضيافة الفندقية لجأنا للطلاب، فعرفنا حجم المشقة والعناء الذي لا يستطيع تحمله أشداء الرجال فكيف بالنساء!.. اللائي لمسنا ذوبان بعضهن في المجتمع الجديد!..
بعد سنة دراسية طويلة شاقة وفي طريق العودة للبلاد جمعت رحلة (الدار البيضاء - نواكشوط) شتات الزملاء.. فكان الانطباع الأول أن كثيرات رجعن بغير الوجه الذي ذهبن به!..
أخي ولي الأمر لا تغرنك دعاوى التحرر والانفتاح.. اعلم أنك راع ومسؤول..
إن الأبناء والبنات أمانة في أعناق آبائهم فهل رعوا هذه الأمانة حق رعايتها؟
ألا فليتق الله أناس ضيعوا هذه الرعية التى سيسألون عنها، فعن ابن عمر -رضي الله عنه-: قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، فالرجل راع في أهله وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها وهي مسؤولة عن رعيتها، والخادم راع في مال سيده وهو مسؤول عن رعيته، والولد راع في مال أبيه وهو مسؤول عن رعيته، فكلكم راع ومسؤول عن رعيته".
وعنه أنه قال: "إن الله سائل كل راع عن ما استرعاه أحفظ ذلك أم ضيع حتى يسأل الرجل عن أهل بيته".