التعيينات الحكومية عندما يُقصى الكفؤ ويُكافأ الفاشل- محمدعبدالرحمن عبدالله

في كثير من البلدان التي تعاني من ضعف في الحكم الرشيد وسوء الإدارة، تحوّلت التعيينات الحكومية إلى ساحة عبثية تُكرّس الفشل وتُقصي الكفاءات. ولم تعد المناصب العمومية تُمنح على أساس الجدارة أو المؤهلات، بل أصبحت امتيازات تُوزّع ضمن دوائر الولاء، والقرابة، والمحسوبية، والصفقات السياسية. ومن هنا، يبرز السؤال المؤلم: هل أصبحت المناصب من حق الفاشل قبل الكفؤ؟

الكفاءة ضحية الولاء

في الأنظمة التي يغيب فيها معيار الكفاءة، تصبح المناصب العليا مجرد مكافآت تُمنح لمن أثبتوا "ولاءهم" للنظام، لا لمن أثبتوا جدارتهم في الميدان. وقد تجد في وزارة حساسة موظفًا يفتقر لأبسط مقومات التسيير، فقط لأنه محسوب على جهة معينة أو يتمتع بحماية نافذة، في حين يُقصى خبير متمكن لأنه لا يشارك في اللعبة السياسية أو يرفض التملق.

هذا الواقع يخلق طبقة من المسؤولين الذين لا يملكون رؤية ولا خبرة، بل يعتمدون على الحضور الشكلي، ورفع التقارير المجاملة، وامتصاص الامتيازات، بينما تتدهور الخدمات وتتعطل المشاريع الحيوية.

آثار التعيين غير العادل

إن منح المناصب لأشخاص غير مؤهلين لا يؤدي فقط إلى نتائج كارثية على الإدارة العمومية، بل يُكرّس الإحباط واليأس بين الشباب والكفاءات النزيهة. كما يدفع البعض إلى الهجرة أو الانزواء أو حتى التورط في دوائر الفساد من باب البقاء والمسايرة.

ومن مظاهر هذا الانحدار:

مشاريع متعثرة أو وهمية.

إدارات مشلولة عاجزة عن حل أبسط المشكلات.

غياب روح المبادرة والابتكار داخل مؤسسات الدولة.

تضخم الجهاز الإداري دون إنتاجية حقيقية.

كيف نُعيد الاعتبار للكفاءة؟

لا يمكن الحديث عن إصلاح حقيقي دون وضع معيار الكفاءة والنزاهة في صلب عملية التعيين. فالدول التي تقدّمت لم تصل إلى ذلك بسبب كثرة الموارد، بل لأنها أحسنت اختيار من يُدير هذه الموارد.

والحلول تبدأ بـ:

وضع قوانين صارمة تحدد شروط التعيين والترقية.

تفعيل هيئات مستقلة للرقابة والمساءلة.

إشراك المجتمع المدني والإعلام في كشف التعيينات المشبوهة.

تعزيز ثقافة الاستحقاق في وعي الناس.
خاتمة

التعيين الحكومي العادل ليس ترفًا، بل هو أساس لكل عملية إصلاح وتنمية. فحين يُقصى الكفؤ ويُكرّم الفاشل، لا يمكن أن ننتظر غير الفشل والتخلف والتراجع. ولن تقوم قائمة لأي دولة ما دام معيار الولاء يتفوق على معيار الكفاءة، وما دام المسؤول يُعيّن ليُكافأ، لا ليخدم.