
منذ أكثر من أسبوع، تعيش العاصمة نواكشوط أزمة خانقة بسبب انقطاع المياه في عدد كبير من أحيائها. وقد سارعت الشركة الوطنية للماء (SNDE) إلى تبرير الأزمة بتراكم الطمي، وكأن هذه الظاهرة الطبيعية لم تكن متوقعة. غير أن المسؤولية الحقيقية لا تقع على المهندسين، بل على مدراء SNDE الذين كان من واجبهم تعبئة الكفاءات الفنية وتوظيف خبراء الشركة للتنبؤ بهذه الظواهر الطبيعية ووضع خطة طوارئ لتجنب أزمة بهذا الحجم.
قررت أن أجرّب بنفسي ما يسمى بخدمة “خدماتي”، فذهبت إلى أحد مكاتب SNDE. لم أجد سوى شخص واحد أمامي وتم تسجيلي بسرعة، دون أن يسألني الموظف عن عدد الأطنان التي أحتاجها أو عن عنوان التوصيل. قيل لي ببساطة: “سوف يتصلون بك لاحقاً”. انتظرت اليوم الأول ثم الثاني دون جدوى.
وعندما عدت للاستفسار، أخبرني الموظفون أن مهمتهم تنتهي عند إرسال اللائحة، وأن الاتصال يفترض أنه تم بالفعل. وحين طلبت توضيحاً، أحالوني إلى الإدارة التجارية (المبنى الظاهر في الصور المرفقة)، وهناك قيل لي إن المسؤول هو السيد إسلمو، الموجود في الطابق الأول.
ذهبت إليه فكان صريحاً جداً، وأخبرني أن الموضوع لا يعنيه لا من قريب ولا من بعيد، وأنه أنهى صلته به منذ يوم الأحد الماضي. عدت إلى الإدارة التجارية وأبلغتهم بما قال، فأحالوني إلى إدارة التوزيع، حيث يوجد مديرها السيد بابيّه.
ذهبت إلى “الحنفيات”، مقر إدارة التوزيع، لكنني دخلت خطأً بسيارتي إلى مستودع التخزين بدل المكتب. وهناك كانت الصدمة. فقد وجدت معدات وقطع غيار وأنابيب ملقاة على الأرض، دون أي ترتيب أو حماية، كما توضح الصور المرفقة. خرجت دون أن يسألني أحد إن كنت قد أخذت شيئاً، في مشهد يختصر الإهمال وسوء التنظيم.
وهنا يطرح المرء على نفسه سؤالاً مريراً: هل اقتُنيت هذه المعدات أصلاً لحاجة فعلية، أم أنها مجرد وسيلة لصرف الميزانيات وتقاسم المخصصات بين التجار والسماسرة وبعض المسؤولين؟
ثم توجهت إلى مكتب السيد بابيّه، الذي تفاجأ من روايتي وقال: “هكذا ليس هو النظام، ولا ذنب لك، المفروض أن تُسأل عن عدد الأطنان والعنوان”. وجهني بدوره إلى الموظف إعلِي عند الحنفيات.
عند إعلِي، أخبرني أنه لم يجد أية لائحة عند قدومه صباحاً، فبدأ يسجل الناس يدوياً. لم يجد اسمي، فعدت إلى بابيّه، الذي خرج بنفسه وواجه إعلِي أمام عدد من السائقين في فوضى كاملة. تبادل الاثنان اللوم، واتضح أن التوزيع يتم عبر صهاريج خاصة، ليست تابعة للشركة.
الواقع أن SNDE تبيع الماء لهؤلاء السائقين بسعر يقارب 380 أوقية قديمة للطن، بينما يُباع للمواطنين في السوق السوداء بما يزيد على 2000 أوقية قديمة للطن الواحد. أي أن السعر يرتفع إلى أكثر من خمسة أضعاف.
وقد بلغت كلفة ثلاثة أطنان ما بين 15 إلى 20 ألف أوقية قديمة في بعض الأحيان، وسط غياب تام لأي رقابة أو عدالة في التوزيع.
الصور المرفقة توثق الواقع المؤلم
الواضح أن أزمة نواكشوط ليست بفعل الطمي كما تدّعي SNDE، بل بفعل الإهمال والتسيّب الإداري. المواطن الموريتاني لم يُعانِ فقط من العطش، بل من جحيم البيروقراطية وسوء التنظيم وتخلي المسؤولين عن مسؤولياتهم.
فلا معنى لشعار “دائماً في خدمتكم” بينما المواطن يضطر إلى التنقل بين الإدارات، والوقوف تحت الشمس الحارقة، والدفع في السوق السوداء، للحصول على أبسط حقوقه: شربة ماء.
بالمناسبة من هو المدير العام لشركة المياه ؟
فى الختام قصة من اخرجو
أمس اتصل بي أحد المعارف وقال:
“هناك فرصة تجارية، قطعة أرض معروضة للبيع، يمكن إعادة بيعها مباشرة بربح يصل إلى ثلاثين مليون أوقية قديمة.”
توجهت فوراً مع صاحبها إلى المكان، فإذا بالأرض في أقصى شمال شرق نواكشوط، لا يفصلها عن كثيب رملي كبير غير قابل للإستصلاح وغير مأهول إلا مبنى واحدا.
وكانت المفاجأة أن سعرها 160 مليون أوقية قديمة!
فكيف يمكن لعقار فارغ من كل شيء وبعيد عن مركز المدينة، بجوار كثبان رملية متحركة ، أن يصل إلى هذا السعر الفلكي؟
سؤال أترك جوابه للقارئ
.















