الدكتور: محمد الامين شعيب:مشكل التعليم الأول ضعف الموارد والوسائل وغياب الرؤية 

الفكر: ما تقويمكم لواقع التعليم في موريتانيا ؟ ومن أين البدء في علاج المشاكل التي تعاني منها المنظومة التعليمية؟؟

أعتقد أن المشكل الأول حسب ترتيبي هو مشكل موارد ووسائل، ولأن مجال التعليم إذا أريد له الإصلاح وتحقيق الأهداف المبتغاة منه يحتاج إلى موارد هائلة، سواء تعلق الأمر بالموارد التي يجب أن تتجه لبناء المنشآت المدرسية في المدارس والثانويات والجامعات، وما هو متاح من هذه الموارد محدود جدا ويعاني من  الكثير من الترهل والاكتظاظ، وهذا الجانب وحده يحتاج الكثير من الاستثمارات الكبيرة، كذلك أدوات التعليم بما فيها الوسائل والكتب تتطلب هي الأخرى استثمارات كبيرة من أجل توفير الكتاب المدرسي، وحتى استخدام التقنيات الحديثة وهي ضرورية إذا أردنا أن ننجز تعليما يستقطب الكفاءات ويحقق النتائج المرجوة  منه  باعتبارها أدوات تسهيل.

 وكذلك نحتاج موارد بشرية مؤهلة وفي ظروف ملائمة؛ ولذلك نحتاج اكتتاب أعداد هائلة من المعلمين والأساتذة، وحتى في التعليم ما قبل التعليم المدرسي. فما هو موجود من الموارد البشرية محدود والظروف التي يزاول فيها العمل ظروف صعبة ،ولذلك نحتاج إلى مضاعفة الرواتب والامتيازات ومضاعفة الأعداد.

ويمكن أن نلخص فنقول: إن الجانب المتعلق بالموارد والوسائل يحتاج مضاعفة ميزانية الدولة الموجهة إلى التعليم أربع أو خمس مرات على الأقل، حتى نحقق الجانب المتعلق بتوفير الإنشاءات، و توفير الأدوات وجعل  الموارد البشرية في ظروف يمكنها أن تؤدي إلى نتائج مهمة. 

وأعتقد أن العنصر البشري هو العنصر الأول وأعتقد أنه إذا أريد للتعليم أن ينجح يجب أن توفر له موارد بهذا الحجم؛ وبالتالي ينبغي أن تضاعف ميزانيات الوزارات المعنية بالتعليم، وأن تكون الميزانية فيها إلى حدود 30% من موازنة الدولة، وإلى جانب الموارد هنالك التكوين ونحن بالفعل نحتاج إلى تكوين الطواقم ولذلك نحتاج أن نجتهد أكثر على المدارس المشرفة على تكوين الطواقم التربوية، وهنالك ملاحظات كبيرة على التكوين الذي تتلقاه الطواقم، ومن المفارقة أنه لا توجد في موريتانيا كليات للتربية، ومجال التربية هو مجال جوهري وأساسي، وتدرس منه حاليا  مواد محدودة في مدارس تكوين المعلمين ومدارس تكوين الأساتذة، ونحن نحتاج إلى أجيال من المتخصصين في مجال علوم التربية، وأن تكون هنالك كلية لعلوم التربية، وأن تضاعف مواد علوم التربية خصوصا في المناهج الموجهة إلى المؤسسات التي تشرف على المعلمين وطواقم التدريس؛ لأن جانب التكوين جانب أساسي وفي هذا الإطار يدخل استخدام أدوات التكوين الحديثة، والتعليم عن بعد والاستفادة من كل التجارب في هذا المجال، ويجب أن نستفيد من تجارب رائدة حققت نتائج كبيرة في أقل فترة زمنية ،وهذا يتطلب استثمارا في مجال تكنولوجيا المعلومات.

وإلى جانب الموارد والتكوين هنالك مسألة  الرؤية ومن الوارد أن تكون هي الأولى، ونحن للأسف نفتقد رؤية موجهة للتعليم، ماذا نريد من التعليم؟ أي تعليم نريد؟ ما هي الأجيال التي نريد تكوينها؟ والأصل أن تكون لنا رؤية موحدة وأن تكون هنالك رؤية استراتيجية وأن يكون هنالك تخطيط، والتخطيط ضعيف للأسف في التعليم ونتكئ على ما يسمى ببرامج الإصلاح والتي هي في أغلبها برامج أنجزت على عجل لتلبية رغبة محددة في مجالات معينة، وللأسف لم تستشر في أغلبها الطواقم التربوية والميدانية في التعليم  بل كانت تلبية لأمور أخرى  خارجة  عن الأصل.

 يحتاج الموريتانيون إلى أن يتفقوا على رؤية جامعة للتعليم الذي يريدونه والمدرسة التي يريدونها، والمنهج المناسب المحقق لهذه الأهداف، وفي هذا المجال نحتاج إلى جهود كبيرة تعالج الاختلالات وتكون رؤية موحدة ، لينشأ  تعليم يوحد الموريتانيين ويخرج أجيالا في مستوى من الوعي والتكوين ويلبي الحاجيات الجديدة والمتجددة، وفي نفس الوقت يعكس تراث وأصالة هذا المجتمع وانسجامه وتنوعه وهذه الأمور تحتاج جهودا كبيرة، وبذلك يكون تعليمنا  يعبرعن مختلف هذه الفئات ويلبي طموحاتها ،وهنالك جانب تخطيطي يستفاد منه أهل الخبرة وعلوم التربية، وفيها جانب سياسي يسترشد فيه  بآراء الطبقة السياسية والمجتمعية لكي تتشكل رؤية متفق عليها.

وأرى أن مشكلة الموارد والتكوين والرؤية محددات أساسية لمعالجة مشكل التعليم في موريتانيا.

 

موقع الفكر: هل المشكل اللغوي مشكل  تربوي أم مشكل سياسي؟

د. محمد الأمين بن شعيب: من الطبعي أن كل دولة تدرس بلغتها الأم ولغتها الرسمية ،ويكون هناك انفتاح على لغة أو لغتين أساسيتين، وأرى أن التعليم لو كان في المستوى المطلوب لم تطرح مشكلة اللغة على الأقل من الناحية المنهجية والموضوعية، والآن نحن في حاجة حقيقية إلى تعليم هذه العلوم والمعارف الأساسية باللغة الأم؛ لأن نسبة استيعاب الطالب بها ستكون أكبر، وفي نفس الوقت عندما يصل الطالب إلى سن معينة يكون قد امتلك لغة انفتاح تمكنه من اكتساب ومتابعة البحوث بلغة معينة وأذكر أنه في تونس عندما يصل الطالب إلى المرحلة الجامعية يكون متمكنا من اللغة العربية ولديه مستوى مقبول وقادراعلى استيعاب العلوم والمعارف باللغة الفرنسية ،إن لم يكن له مستوى في اللغة الإنكليزية، كما أنه في مرحلة الدراسات العليا يدرسون المواد بحسب توفر مراجعها فإن كانت مراجعها موجودة باللغة الفرنسية درسوها باللغة الفرنسية وإن كانت موجودة باللغة الإنكليزية درسوها بها وإن كانت موجودة باللغة العربية درسوها بها كذلك، والطالب في هذه المرحلة قادر على استيعاب هذه اللغات ويتاح له التحرير بأي لغة شاء من هذه اللغات ومن الناحية العادية فهذا هو المطلوب، فالطالب في المرحلة الأساسية و الثانوية حصل على رصيد كاف من اللغات الأساسية من اللغة الرسمية ولغة انفتاح ثانية.

وما حدث في موريتانيا طغى  عليه البعد السياسي، صحيح أن التعليم في البداية كان فرنسيا بامتياز، ليس فيه غير ساعتين من تدريس اللغة العربية وفي عهد الدولة الوطنية بدأ شيئا فشيئا إدماج اللغة العربية وبدأت دعوات التعريب.

والظاهر أن إصلاح 66 19م. ومحاولة إدخال مواد جديدة باللغة العربية قد رأت فيها نخبة من الموريتانيين في ذلك الزمان توجها ضد مكون ما، وقد يكون طرح بعض القوميين لمسألة التعريب شجع ذلك الفهم، فرفع شعار بالدم واللهيب سيتم التعريب فأصبحت القضية قضية آيديولوجية أكثر منها قضية أكاديمية وتربوية ،والعلاج الذي قدم في ذلك كان علاجا سياسيا فكانت الدولة مضطرة إلى اعتماد حلول توفيقية، حلول غير مدروسة لتخفيف الضغط فجاء نظام الازدواج نظاما مختلا؛ فبموجبه أصبحت في البلد نخبتان مختلفتان، وأذكر أنني في تونس سنة 1995 لما سجلت في الجامعة قدمت طلبا لتحرير مواد اللغة الفرنسية بالعربية وقدم طالب موريتاني خريج من قسم اللغة الفرنسية طلبا لتحرير مواد العربية باللغة الفرنسية فاستغرب الإخوة التونسيون الأمر، وسألوني كيف وأنتما من دولة واحدة وخريجان من نظام تعليمي واحد!. ومع ذلك أنت لا يمكنك أن تحرر باللغة الفرنسية وهو  لا يمكنه التحرير باللغة العربية، وكان نظاما غريبا..

 وجاء إصلاح 99 19م. وحاول توحيد النظام التعليمي و معالجة مشكلة الازدواجية على حساب العربية؛ إذن فالموضوع موضوع سياسي بحت، لو نوقش في إطاره التقليدي العادي فلو حدثت عملية تشاور وحددت الرؤية والأهداف والغايات ،لأمكن الوصول إلى المناهج التي يمكن أن تحدد هذه الأهداف بعيدا عن التوظيف السياسي والإيديولوجي.

 

موقع الفكر: إلا م ترجعون انخفاض نسب النجاح في البكالوريا ،هل يعتبر ذلك عامل صرامة وجدية في تصحيح الامتحان؟ أم  أنه عمال ضعف وإهمال؟

د. محمد الأمين بن شعيب: في الحقيقة وبشكل موضوعي من يعرف الظروف التي يدرس فيها الطلاب سواء تعلق الأمر بالاكتظاظ وغياب بعض أساتذة المواد ،لن يستغرب من هذه النسب المتدنية؛ لأن هذه البيئة لا يمكن أن تعطي إلا هذه النتائج وأضرب لك مثلا بأنه في نواكشوط توجد بعض الفصول التي يدرس فيها 110 طلاب ،فهذا المستوى من الاكتظاظ لا يمكن أن يدرس معه الطلاب، وكذلك فإن إصلاح 99 19 أدى إلى تفريغ الكثير من أساتذة المواد العلمية فلم يعد لهم من مكان، أو فرض عليهم التدريس بلغة لا يفهمونها.

والتعليم حاليا لا ينجح فيه إلا التلميذ المتميزالخارق العادة ،أو التلميذ الذي يمتلك أهله امتيازات مادية تمكنهم من توفير الدراسة بالمدارس الخصوصية والساعات الإضافية، والتلميذ القادم من البيئات الهشة لا يمكنه أن ينجح.