النقاط الصحية في آفطوط.. تباعد وضعف في الخدمات.. موقع الفكر

في الجزء الشمالي الشرقي وعلى أطراف قرية بنار تقع النقطة الصحية، مبنى داكن اللون من عدة غرف تتمد الكثبان وعوامل التعرية في عرصاته، ومع ذلك يظل الأجدر بحمل هذا الاسم مقارنة بالنقاط الصحية المتوفرة في باقي قرى مقاطعة "مال"، والتي لا تكاد أن تميزها عن غيرها من البيوت القروية ذات الأسقف الواطئة والجدران السمكية.
في غير أوقات الدوام يقتعد الممرض الرئيس مقعدا في باحة النقطة يتجاذب أطراف الحديث مع أحد الساكنة،  فقد تغيرت  فلم يعد السكان  كما كان أهل هذه البلاد القدماء يرون في الجلوس إلى موظف عمومي بعض الوجاهة والمكانة.. ولم يعد بإمكان التنمر على السكان وازدرائهم فاصبح الموظف يرى  أن كسب ثقة الساكنة أقصر طريق لتحسين أدائه،  ونجاحه المهني وتلبية احتياجات مثل هذه القرى..

ثمت هموم وهواجس لدى الموظف العمومي في هذه القرى فالبعد عن مضارب الأسرة والأبناء وظروف المعيشة في مكان العمل من جهة والراتب المتواضع الذي لا يسد غير جزء من تكاليف العيش، الكثيرة حيث " تتكاثر الظباء على خداش".

بعض الأطر تأقلم مع الحياة والعيش هنا، وبعض الموظفين شكلوا زمرة مع السكان المحليين، واصبح لسان حاله يردد مان منك" مال ؤ لا مكطع لحجار" 

والحق يقال أن سكان الداخل كرام يقاسمون الضيف المأكل وإن تواضع مع رحابة في الصدر وإن قل ما في اليد، فهذه الأسرة تقدمك في وجبتها المحلية " هاكو" وهذا ليس بغريب في مجتمع يعتبر مضرب المثل في الكرم والجود.

تقريب الخدمات الصحية  
الموقع القصي للنقطة على مقربة من خزان البئر الارتوازية المعطل منذ أشهر يترك انطباعا لدى ساكنة القرية أن الخدمات العمومية ما زالت على الهامش رغم شعارات المطالبة بتقريبها يعلق أحد رواد النقاط الصحية.
على مقربة  من  إحدى النقاط الصحية يسرع الستيني السالك  الخطا وهو يمسك بيد ابنه ذي العشرة أعوام صوب النقطة لعرض ابنه على طبيب الأمراض الجلدية المشارك في قافلة طبية حطت رحالها قبل ساعات في باحة النقطة الصحية الموجودة بقريته، كان الطفل يهرش أماكن متفرقة من جسده، وتظهر قشور بيضاء تغطي أجزاء من فروة رأسه، إنها أعراض توجد لدى الأطفال في مثلث الفقر، ويجري تشخيصها على أنها إصابة واضحة بالجرب والتقوب، لا يخفي السالك خيبة أمله في الخدمات الصحية المقدمة للساكنة فأغلب لنقاط الصحية  لا توجد بها سيارة إسعاف، ولا متخصصون في الأمراض الشائعة كالضغط و السكري والملاريا والتحسسات الجلدية على حد تعبيره.

أمراض موسمية ومتوطنة 
ما إن تحط بعثة صحية حتى يبدأ المئات من السكان و من التجمعات القريبة الزحف صوب النقطة للاستفادة من الخدمات المجانية للقافلة الطبية ومقابلة الاختصاصيين، بعضهم مصاب بأمراض مزمنة كالضغط والسكري أو سبق أن أجرى جراحات معقدة، وكثيرون يشكون من أمراض موسمية كالحكة الجلدية أو الحميات..
المسنة فاطمة العيد تكاد أن تسقط بسبب الإعياء والحرارة وطول الانتظار تحمل وصفات طبية وعلب أدوية فارغة للضغط والسكري، وتأمل لو تغنيها استشارة  أطباء القافلة عن تجسم عناء السفر إلى نواكشوط لمقابلة طبيبها المختص في السكري الذي تتابع معه منذ أزيد من 4 سنوات خلت.
يشرح طبيب مشارك في القافلة أن الأمراض الجلدية والضغط  والغظام والأعصاب تكاد تطغى على استشارات الساكنة وهو ما يعزوه إلى ملوحة المياه، واعتماد الساكنة على مياه الآبار السطحية التي تغذيها السدود، وغياب الوعي بضرورة تنقية وترشيح مياه الشرب!

 من جهة ولاشتغالهم بهموم الحياة والكدح الدائم في الزراعة والرعي وفي جمع الحطب.. فهي أعمال شاقة ودائمة.

وفاء للتقاليد 
وفاء الساكنة لأنماط الحياة التي ورثوها عن الأجداد بما فيها طرق الزراعة ونزح مياه الآبار لا يماثلة سوى ثقتهم في أساليب التطبيب التقليدي حتى ولو كان ذلك على حساب صحتهم.
في قرية بوفل و بخطوات مثقلة، ووجه غضنته السنون يتقدم المزارع سيدي محمود وهو يضع خرقة قماش على يده، إنه يعاني من بثرة متقيحة بالأصبع مما حرمه النوم ليال عديدة، وكاد أن يفقد أحد أصابعه بسبب وفائه للعلاجات التقليدية، كما يقول الطبيب المعالج الذي أجرى له تدخلا جراحيا عاجلا، وأوصاه بمتابعة الدواء.
مثله في ذلك كالشاب إلياس من قرية بلخطاير  الذي تعرض لجرح غائر في القدم فأخذ يعالجه بالوصفات التقليدية فلما زاد عليه الألم وتورمت القدم لم يجد بدا من طلب مساعدة أطباء القافلة الذين أسعفوه في الوقت المناسب.

السكان في مثلث الفقر يعتقدون في العلاجات التقليدية باعتبارها ناجعة ومفيدة وأذكر هنا أن أحدهم حدثنا أن مريضة تعب من المتابعة مع طبيب الأعصاب ماديا ومعنوية وأنهكته ظروف نواكشوط التي لاترحم، وأن مريضه استفاد على طبيب أوراق من بلد كذا.. فا مبيريك يستلذ الخاتمة الحسنة والتحسن الذي أصبح فيه أخوه.

قبل سنة من الآن ممرنا في قافلة صحية على إحدى القرى ولحسن الحظ كان في القافلة طبيب العظام المبرز كمال وكانت هناك سيدة مصابة بكسر قوي وقد ذهبت لطبيب تقليدي فوضع كيسا عاديا على يدها وشد الوثاق..

والحقيقة أن لسكان الداخل دوافعهم للتطبيب المجتمعي الذي يرتكز على " الصلا" في مواجهة الطب الحديث القائم على العلم.. فنقص التوعية الصحية وتعقيدات المدينة المختلفة  تجلب زبناء لهذا الصنف من العلاجيات في كثير من المجتمعات..

أمل ورجاء 
رغم ارتفاع النهار، واشتداد الحرارة كان مراجعو النقاط الصحية في ازدياد، أمهات مع أطفالهن، شيوخ وعجزة ومن كل الأعمار جاؤوا لإعادة اكتشاف الموقع القصي للنقطة، وفي أعينهم رجاء بأن تجد مطالبهم في تزويد نقاطهم بالتجهيزات المطلوبة، آذانا صاغية من طرف الجهات الوصية لا أن تتحول مع الوقت إلى مبنى مهجور على أطراف القرى يوحي منظرهم بالوحشة والألم والمعاناة يعلق أحد الساكنة.

هل بالإمكان أحسن مماكان..

في المقابل لا ينكر القرويون الدور الرائد لممرضي النقاط الصحية والوكلاء في علاقتهم بالساكنة فهم الأقدر على فهم احتياجات السكان، وتشخيص أمراضهم.
ويبقى نقص التجهيزات الطبية والوسائل اللوجستية أكثر التحديات التي ما زالت تعيق تطور الخدمة الصحية في قرى الداخل.

وعلى سبيل المثال قبل فترة  ليست بالطويلة مررنا من مجمع برات الكبير وقادنا التجوال إلى المركز الصحي والمفاجأة الكبيرة عدم وجود سيارة اسعاف، وهو أمر غاية في التفريط خاصة أن سيارات النقل محدود في هذه المناطق..
يطرح البعض مطلب  مراجعة أسعار الأدوية وتوفيرها لمركزية شراء الأدوية.. فأسعار هذه المركزية أغلى من أسعار شركات الأدوية العادية في كثير من الحالات، أو على الأقل في الوقت الحالي..

ويذكرممرض في إحدى النقاط الصحية وهو يمسك بيده فواتير أدوية، أنه قبل سنة من الآن ابتاع من مركزية الأدوية علبة من Amoxclin بمبلغ يقل عن 1300 أوقية جديدة وأنها تضاعفت "تقريبا" في الوقت الحالي.

واشتكى أحد الممرضين من نقص الأدوية في فرع المركزية بولاية لبراكنة بسبب بعض الصعوبات التي واجهتها المركزية قبل فترة..

 الواضح أن أسعار الأدوية ارتفعت في العام 2025 مقارنة بالعام 2024، ويجب التنبيه أن هذه المقارنة سطحية إذ يمكن أن يكون الارتفاع بسبب الجودة، خاصة أن أحد الأطباء ذكر أن بعض البرامج ربما زود في سنة ما ببعض الأدوية التي تنتهي آجالها في القريب العاجل.

خدمة نقل الأدوية

اقتنعت شركات الأدوية بعد تسليم الدواء إلا في مناطق معينة وهي خدمة مدفوعة الثمن توفرت حديثا تحسب للوزارة، كما يحسب لها التنميط الإداري من خلا ل الرسائل الإدارية التي تشعر من خلالها القطاع الإداري وهي أمور تطمئن وتزيد  من جدارة الإدارة، ينغص منها كتابة المراسلات باللغة الفرنسية.

تواجه موريتانيا أزمات متعددة بسبب ضعف الوسائل وتواضع المتاح منها وبسبب ضعف التخطيط وبسبب أن السياسات الصحية تنطلق من شخص الوزير فإذا أقيل اختفى أثره وتخلت الجهات المعنية عن مساراته وسياساته،  ويزيد الأمر تعقيدا كثرة من مر على هذه الوزارة من الوزراء..

إن ضعف التخطيط هو الذي مكن الكثيرين أن يتقروا بمناطقة صعبة وفي ظروف خاص فتقام الأبنية وتشيد المساكن بعيدا عن الأساليب والأسس العلمية في هذا التقري العشوائي.

يزهد المواطن في التجمعات القروية التي تقيمها الجولة تجارب فاشلة مثل تجمع " برات" وغيره من التجمعات التي ماتزال مفتقرة لمقومات الحياة في القرن ال21.

مواضيع مشابهة

سكان قرية "بنار" يطالبون بتدخل عاجل لحل مشكل العطش (تقرير)- موقع الفكر