قراءة سريعة في التعديل الوزاري الأخير- مريم أحمد بزيد

لا جديد في التعديل الوزاري الأخير، وهو لا يختلف عما تعودنا عليه من الأنظمة المتعاقبة من تكريس لمظاهر سلبية في التعديلات الحكومية، وهي مظاهر كرّسها نظام الرئيس ولد الغزواني بشكل أوضح في كل تعديلاته، وبرزت بصورة أشد وضوحا في تعديله الأخير.
ومن أبرز تلك المظاهر السلبية:
1 ـ تكريس المحاصصة القبلية والشرائحية والجهوية
تعودنا من الأنظمة السابقة على اعتماد المحاصصة في التعديلات الوزارية، وإن كان ذلك يحدث أحيانا بحياء وربما بشكل غير فوري، فقد يُقال وزير من قبيلة ما دون أن يُعوض فورا بوزير من نفس القبيلة، أو يُقال وزير من شريحة ما دون أن يُستبدل مباشرة بآخر من نفس الشريحة، فيُترك الباب مفتوحا لفرصة لاحقة.
أما في عهد غزواني، فقد أصبحت هذه المحاصصة محسوبة بالملّيمتر، فلا يمكن تجاوزها ولا حتى بشكل مؤقت. وهو ما ظهر في التعديل الماضي، وتجلى بشكل أوضح في التعديل الأخير: فلم يخرج وزير من قبيلة إلا خَلفه وزير من قبيلته، ولم يغادر وزير من شريحة إلا استُبدل بوزير من نفس الشريحة، ولم يُبعد وزير من منطقة إلا وجيء بوزير من تلك المنطقة.
2 ـ فتشوا عن كل شيء إلا عن الأداء كمعيار للتعيين أو الإقالة
يمكن تفسير التعديلات الحكومية وفق معايير عدة، لكن هناك معيارا واحدا لا يمكن اعتماده، وهو الأداء.
غلم يُقَل وزير في التعديل الأخير لسوء أدائه، ولم يُحتفظ بآخر لحسن أدائه. فقد استُبقي وزراء عُرفوا بضعف أدائهم، وأُبعد آخرون كانوا ـ نسبيا ـ أفضل أداءا.

3 ـ "الجينات الوزارية" عامل حاسم في التعيين
اعتادت الأنظمة السابقة أن تحتفظ لعائلات الوزراء القدامى بنصيب في الحكومات المتعاقبة، لكن هذا السلوك اتخذ نهجا أوضح ـ بل مستفزا ـ في العهد الحالي، وخاصة في التعديلين الوزاريين الأخيرين، حيث بلغ عدد الوزراء المنحدرين من أسر وزراء سابقين تسعة، وهو رقم قياسي لم تعرفه أي حكومة سابقة.

4 ـ استنفار القبيلة أو الشريحة أو الجهة طريق فعال للتوزير
الوزير السابق بيجل استثمر مؤخرا في رصيد "الشريحة"، فأظهر توجها شرائحيا لم يكن معروفا به؛ إذ التقى ـ على غير عادته ـ بالمعارض الشرس بيرام صاحب الخطاب الشرائحي، وأثنى عليه بعد ذلك اللقاء، وروج لترشيح وزير الخارجية للرئاسيات القادمة لدوافع شرائحية، وهي خطوة غريبة جاءت في السنة الأولى من المأمورية. وقد كسب من تلك المواقف ذات البعد الشرائحي  مقعدا وزاريا لابنته.
الوزيرة الناهة فعلت شيئا مشابها، إذ لعبت على وتر تذمر منطقة الشمال، فغابت عن استقبال الرئيس في نواذيبو، وأبدت استياء جهويا واضحا في الفترة الأخيرة، فنالت بذلك حقيبة وزارية، لتسجل أطول مسار في تاريخ "العودة" المتكررة إلى الحكومات.
5 ـ لا تعريب للإدارة في الأفق
ربما تكون الرسالة الأوضح في هذا التعديل أن لا تعريب للإدارة. فوزير الاقتصاد والمالية الذي اتخذ إجراءات جريئة لتعريب وزارة المالية ـ وهي الوزارة الأكثر فرنسة ـ أُبعد عن منصبه، وعُين خلفٌ له يُتوقع أن يسير في الاتجاه المعاكس، ليلغي أو يفرمل كل الخطوات التي اتخذها سلفه في سبيل تعريب الوزارة.
نقطة أخيرة
إبعاد وزير الاقتصاد والمالية ـ رغم حسن أدائه ـ يكشف أيضا عن عبثية الدمج والتفكيك المستمر للقطاعات الحكومية، وهي ظاهرة تتكرر مع الكثير من التعديلات الوزارية. فقد كانت وزارة الاقتصاد والمالية منفصلة في بداية الحكم الحالي، ثم أدمجت  في وزارة واحدة في بداية هذه المأمورية، لتعود للانفصال مجددا في التعديل الأخير. فأي ارتجال وعبثية أوضح من هذا؟
 

-