الدبلوماسية الموريتانية بين حِكمة التدبير ورعاية الجالية- سيدنا ولد السبتي

في صفحات التاريخ كثيراً ما نقرأ أنّ الأمم لا تُقاس بقوة جيوشها فحسب، بل بقدرة رجالها على صون كرامة أبنائها حيثما حلّوا، والذود عن مصالحهم في السلم والحرب سواء. وهنا، في قلب بامكو، تتجلّى هذه الحقيقة ناصعة، حين نهضت الدبلوماسية الموريتانية، ممثلةً في سعادة السفير شيخنا ولد النني، لتردّ غائلة أزمةٍ كادت تعصف بمعاش جاليتنا هناك، بعد أن أصدرت السلطات المالية قراراً بإغلاق الدكاكين غير المسجّلة تجارياً.

لقد كان للقرار وقْعٌ كوقع الصاعقة، إذ أغلق أبواب الرزق في وجوه عشرات الأسر، وهدّد لقمة العيش التي بها قوام الحياة. لكن، وكما قال الإمام الشافعي: “الصبر على المكاره عنوان الظفر”، فقد ظهر أثر الصبر والتأنّي في مسلك السفير الذي لم يستسلم لوقع المفاجأة، بل مضى بخطى واثقة يسلك دروب الحكمة والاتصال، مستعيناً بما بين الشعبين من أخوّة تاريخية وروابط جوارٍ قديم.

إنّ الدبلوماسية في جوهرها، كما قال ابن خلدون، “هي سياسة العقلاء في دفع المضار وجلب المصالح”. وهذا ما جسّده السفير ولد النني، إذ أحسن إدارة الأزمة، جامعاً بين اللين والصرامة، فلا هو أضاع حق الجالية، ولا هو قطع حبال الودّ مع الجار، بل جعل من التفاهم جسراً آمناً، ومن الحوار سلماً يرقى به الجميع إلى مخرج كريم.

ولقد كان توجيهه لأبناء الجالية واضحاً: أن يتحلّوا بالهدوء ويتجنّبوا الشائعات. فما أكثر ما أفسدت الشائعةُ من قضايا، وأضرّت بسمعة الأبرياء! وقد قال العرب قديمًا: “الفتنة نائمة لعن الله من أيقظها”، فكيف إذا كان إيقاظها في غربةٍ لا تحتمل فيها الأرواح مزيداً من البلاء؟ لذلك كان الحزم كل الحزم في الصبر والتريث، حتى تثمر الجهود وتؤتي أُكلها.

إنّ ما نشهده اليوم شاهد جديد على أنّ الدبلوماسية ليست زخرف كلام ولا تقاليد صورية، بل هي صناعة الحكماء الذين يزنون الأمور بميزان الذهب، فلا يميلون مع العاطفة حيث تميل، ولا يفرّطون في الحق حيث يُطلب. وهكذا كان السفير ولد النني، وهو يسهر على شأن مواطنيه، يُذكّرنا بقول الحكماء: “الوالي من وُكِّل به رعيّة فحفظها، وكان لهم كالأب الرحيم.”

فلله درّ هذه الجهود التي تؤكد أنّ موريتانيا لا تنسى أبناءها، وأنّ قلبها النابض معهم في كل مكان. وإذا كان الوطن أرضاً وحدوداً، فهو أيضاً أمانٌ يُظلّل أبناءه حيثما ارتحلوا، وما السفير في مهمته هذه إلا ظلٌّ من ظلال ذلك الأمان.