في ليلة سقوط كابل بيد طالبان، وبينما كانت كامرات وسائل الإعلام مصوبة نحو العاصمة الأفغانية وهي تسقط مركزا مركزا وشارعا شارعا في يد طالبان، وصل طحنون بن زايد مستشار الأمن الوطني للإمارات إلى العاصمة التركية أنقرة والتقى بالرئيس أردوغان، وتحدث أردوغان بعد اللقاء عن نية إماراتية "جدية وحقيقية" هذه المرة للاستثمار في تركيا.
كانت الزيارة مفاجئة للمراقبين، رغم أنه منذ سقوط ترامب بدأت مؤشرات المصالحة أو التهدئة بين البلدين. إلا أن الانتقال من لغة الاحتراب والحرب المفتوحة إلى الحوار والاستثمار لم يكن متوقعا بهذه السرعة.
البارحة أيضا وبينما كانت وسائل الإعلام العالمية تغطي انسحاب الجنود الامريكيين من كابل، ودخول قوات طالبان للقسم العسكري من المطار، ومشهد التخلي الامريكي التام عن افغانستان، جرى اتصال بين أردوغان و محمد بن زايد في مكالمة وصف الطرفان نتائجها بالإيجابية.
هذا التغير المتسارع في العلاقات الإماراتية التركية ينبئ عن عدة أمور:
-أولا "الهزيمة الأمريكية" في المنطقة أو الانسحاب والتخلي -كما يصفه المتعلقون بها- أشعر دولا في المنطقة بأن الاعتماد الكلي على العم سام أمر وخيم العواقب، فأمريك تخلت نهارا جهارا عن دولة وجيش سلم نفسه واسلحته لحركة مسلحة!
وقبل ذلك باعت المسلحين الأكراد في سوريا وتركتهم يواجهون مصيرهم في وجه العمليات التركية بعد أن وعدتهم بقيام دولتهم.
وشيئا فشيئا تزمع الرحيل ونقل قواعدها من الخليج العربي وما حوله، فأمريكا بدأ نجمها في الأفول.
-ثانيا استطاعت تركيا خلال السنوات القليلة الماضية أن تثبت أنها لاعب إقليمي حقيقي في المنطقة، من أذربيجان وحتى الصومال، ومن سوريا وحتى الخليج (قطر) مرورا بالعراق وليبيا وشمال إفريقيا. ففي هذه الدول المذكورة تتمركز قواعد عسكرية تركية غيرت معادلات الصراع. ومازالت تركيا تحث السعي استعدادا لملئ الفراغ الذي بدأ في يلوح في الأفق مع الانسحابات الأمريكية المتتالية.
-ثالثا تحتاج الإمارات بعد هزيمتها في ليبيا وفشل حصار قطر والمشاكل مع السعودية في اليمن، وفشل حملة التطبيع بعد معركة سيف القدس وإحيائه للقضية الفلسيطينية، وخروجها من أفغانستان، إلى استراحة وتهدئة تلتقط فيها أنفاسها بعد ٨ سنوات من قيادة حروب الثورة المضادة.
-رابعا يحسب للإماراتيين ذكاؤهم وسرعتهم في التحرك واستغلالهم للحظة زخم الاحداث ليأخذوا انعطافة في علاقاتهم الخارجية دون ضجيج كبير. وفي هذا يتفوقون على السعودية التي مازالت تتخبط في سياستها الخارجية دون رؤية واضحة.
-حاليا وفي وجه تحدي ٢٠٢٣ تحتاج تركيا فعلا "دول الخليج" إلى جانبها أكثر من أن يكونوا أعداء لها. فالأمر مصالح مشتركة بين الطرفين.
ربما نشهد قريبا لقاء بين محمد بن زايد وأردوغان..