
لا شيئ يدعو للغضب أكثر من أن يقرأ عاطل عن العمل أو موظف مدين للبنوك، منهك القوى فارغ الجيب، تقرير محكمة الحسابات، ثم يدور مع الأرقام الهائلة، ليكتشف وهو العاجز عن حبة دواء، وعن قوت يوم، أن مليارات الأوقية قد ذهبت جراء سوء التسيير، والفساد، والمشاريع التي لم تدرس جدوائيتها قبل أن يتم إفراغ الأموال من أجلها في خزائن أرباب النفوذ..
يغطي التقرير سنتين فقط، ويغطي عددا محدودا من القطاعات والمؤسسات، ويظهر حجم الفساد الذي تعيشه هذه البلاد، ثمة 400 مليار أوقية من الأموال السائبة، الذائبة من خزائن الدولة إلى جيوب المفسدين.
وهو مبلغ يناهز أكثر من ثلث ميزانية الدولة لعام، ولك أن تتساءل كم يبني هذا المبلغ من مدرسة، وكم يشيد من مستشفى، وكم يقيم من طريق، وكم يفك من كربة مواطن، وكم يسقي من مئات الآلاف من السكان.
يمثل هذا المبلغ عشرة أضعاف ما تم ضبطه من أموال منسوبة للرئيس السابق، وتغطي أضعاف ما أنفقته البلاد على التعليم خلال 10 سنوات، ومع ذلك لن تسمع عن أي متهم أحيل إلى العدالة، فلم تسمع أبدا أن محكمة الحسابات ذات التقارير السنوية، والجهد المشكور عقدت جلسة واحدة منذ ثلاثين سنة.
إن هذه الأرقام الكبيرة تضرب مصداقية الحرب على الفساد في الصميم، وتؤكد فعلا أن البلد منهوب تماما، وأن بناء الثقة بين المواطنين والسلطة يقف دونه هوة سحيقة من الأفعال والوقائع المناقضة للتصريحات والمواقف المعلنة.
بين تقرير المحكمة رغم المآخذ الفنية عليه ورغم قصوره، وخلطه بين الإداري والمالي فتكاد تكون المرة اليتيمة التي نشرت فيها محكمة الحسابات تقريرا عن وزارة الصحة.. والمرة الثانية التي تنشر فيها تقريرا عن صوملك، وخبر ما عندنا أن من تولى تلك المؤسسات بخير وأمان وظيفي، فموقعه الآن أعلى من ذي قبل وكأنه لم يمر وهذا الأثر..
لايتوقع أن تحيط المفتشبة بالخلل الحاصل في صوملك وإلا فكيف غابت عنها في المرة الماضية ( قصة 20 ألف حساب لايدفعون دينارا ولادرهما) ولم لا تثبت في التقرير أنها ساءلت المدبرين السابقين عنها..
إن ماذكرته المحكمة من أخطاء وتجاوزات ولعب بالأموال العامة مشابه لما هو ملاحظ في التقرير السابق عن بعض المرافق، في الأعوام السابقة من حكم الرئيس محمد الشيخ الغزواني..
لاشك أن تعقد القوانين وتشعبها وتقادمها، وصعوبة وزارة المالية وسوء برنامج الرشاد من أساسه، ووجود مجموعات متحورة أمنت العقاب في كل مفاصل الدولة وشاخت على هذه الممارسات، وهي أمور تستدعي العلاج والحلول الجذرية.
إننا نتساءل كيف يمكن أن ينام أولئك الذين نهبوا، وأولئك الذين نهبت بهم الأموال، وهم ينتظرون عدالة السماء، بعد أن ظهر أن عدالة الأرض معطلة فيما يتعلق بالمال العام وجرائم الغلول..
وما لا يعرفه هؤلاء أن أوقية واحدة من ذلك المال المنهوب تستحيل جمرا، بين الشعب ونظامه، وأنها ستترد إما عاجلا أو آجلا، والسعيد من اتعظ بغيره.














