المدرسة الجمهورية وهي تدخل عامها الرابع : حصيلة وإنجازات وآفاق-   محمد عبد الرحمن سيداتي اجيه

تعد المدرسة الجمهورية أحد أبرز المشاريع الإصلاحية في مسار التعليم الموريتاني الحديث ، وأحد أهم التعهدات التي جسد من خلالها فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني رؤيته لإرساء تعليم وطني جامع يعيد الاعتبار للمدرسة العمومية، ويكرس قيم العدالة والمساواة والوحدة الوطنية.

واليوم، وهي تدخل عامها الرابع، يحق لنا أن نتوقف عند هذا المشروع الطموح الذي بات يشكل تحولا استراتيجيا في مسار إصلاح التعليم، بعد عقود من التجارب المتعثرة والاختلالات البنيوية التي أنهكت المنظومة التربوية وأضعفت مردوديتها.

 أولًا: خلفية تاريخية وإشكالات موروثة

ظل التعليم الموريتاني لعقود طويلة أسير تجاذبات لغوية وثقافية، وقرارات سياسية متعاقبة، منذ أولى مراجعاته في أعوام : 1959 و1967 و1973 و1979 و1999.

ورغم تعدد الإصلاحات، بقيت إشكالية الهوية، وضعف الكفاءة، وتدني الجودة، معضلات قائمة حالت دون بناء نظام تربوي موحد وفعال.

فقد أدى انقسام التعليم إلى مسارين (عربي وفرنسي) إلى شرخ لغوي وثقافي داخل المجتمع، كما ساهم غياب استراتيجية وطنية واضحة في تزايد الفجوة بين الكم والكيف، وتراجع مستويات التلاميذ والمدرسين على حد سواء.

في خضم هذا الواقع ، جاءت المدرسة الجمهورية كخيار وطني جامع يسعى إلى تجاوز التجزئة التعليمية، وإعادة بناء الثقة في المدرسة العمومية باعتبارها الفضاء الأول لتنشئة أجيال موحدة في قيمها ، متصالحة مع ذاتها، ومؤهلة لخدمة وطنها.

 ثانيا: المدرسة الجمهورية كخيار استراتيجي للإصلاح

منذ إطلاقها في العام الدراسي 2021–2022، احتلت المدرسة الجمهورية مكانة مركزية في سياسات الدولة التعليمية، باعتبارها الإطار الذي يضمن تكافؤ الفرص، ويؤسس لمجتمع متماسك بعيد عن الفوارق الطبقية والثقافية.

وقد شكل التشاور الوطني حول إصلاح التعليم (2021) محطة مفصلية، أفضت إلى تقرير شامل بعنوان *“المدرسة التي نريدها”* ، تضمن الرؤية الجديدة لإصلاح المنظومة التربوية ، ووضع الأسس التشريعية من خلال القانون التوجيهي للنظام التربوي الوطني (2022-023).

 ثالثا: إنجازات ملموسة خلال السنوات الثلاث الأولى

عرفت السنوات الماضية تحسنا ملحوظا في البنية التحتية التعليمية؛ حيث تم بناء ما يزيد على 3500 فصل دراسي جديد، واستيعاب جميع تلاميذ في السنة الأولى والثانية والثالثة في المدارس العمومية ، في خطوة تاريخية نحو توحيد التعليم الابتدائي. كما تم توزيع أكثر من 85 ألف طاولة مدرسية، وافتتحت مدرسة جديدة لتكوين المعلمين في كيفه لتغطية النقص في الكادر التربوي.

وفي مجال تحسين ظروف المعلمين، تم اكتتاب آلاف المدرسين الجدد، ودمج مقدمي خدمة التعليم في الوظيفة العمومية، وإنشاء سلك المعلم الرئيسي، مع رفع علاوات البعد والتحفيز بنسبة كبيرة وصلت في بعض الحالات إلى 150%.

كما تمت تسوية وضعيات مهنية معلقة منذ سنوات ، مما عزز الشعور بالاستقرار والإنصاف لدى الجسم التربوي.

أما على صعيد الجودة والمناهج، فقد أطلقت الوزارة عملية مراجعة شاملة للمقررات، مع التركيز على المهارات الأساسية في القراءة والكتابة والحساب. وتم طباعة أكثر من 3.2 مليون كتاب مدرسي وتوسيع استخدام المنصات الرقمية للتدريس والدروس المصورة.

كما شهدت الكفالات المدرسية توسعا كبيرا، حيث ارتفع عدد المدارس المستفيدة بنسبة 233% وعدد التلاميذ المستفيدين بنسبة 284% ليبلغ أكثر من 240 ألف تلميذ، ما ساهم في الحد من التسرب وتحسين الإقبال على التعليم..

 رابعًا: المدرسة الجمهورية... نحو ترسيخ قيم المواطنة والوحدة

المدرسة الجمهورية ليست مجرد شعار إداري ، بل مشروع وطني لبناء الإنسان الموريتاني الجديد، المتشبع بقيم التآخي والمساواة، والملتزم بالانضباط والعمل والولاء للوطن.

إنها تسعى لتوحيد أبناء الوطن تحت سقف واحد، وإلغاء الفوارق بين أبناء المدن والريف، وبين الفقراء والأغنياء، ولتكون المدرسة فضاء للاندماج الاجتماعي ومصنعا للمواطنة الصالحة.

 خامسا: التحديات والآفاق المستقبلية 

رغم ما تحقق من مكاسب، ما تزال التحديات قائمة، وفي مقدمتها:

ضرورة تحسين الوضع المادي والمعنوي للمدرسين، فهم الركيزة الأساسية لأي إصلاح.

تكثيف جهود التكوين المستمر والتأطير.

تحسين البنية المدرسية في الداخل الريفي وضمان تكافؤ الفرص في النفاذ إلى التعليم الجيد.

إن مواصلة هذا المشروع الوطني تتطلب تضافر جهود الدولة والمجتمع المدني والنقابات والآباء لإنجاح الرؤية الشاملة التي وضعها فخامة الرئيس ، حتى تكون المدرسة الجمهورية بحق مدرسة لجميع الموريتانيين، مدرسة للوطن والمستقبل.

      خاتمة

يدخل مشروع المدرسة الجمهورية عامه الرابع وقد رسّخ أقدامه كأحد أهم مكاسب العهد الحالي، وكركيزة لإصلاح شامل يعيد الاعتبار للتعليم العمومي، ويعيد الأمل إلى الأجيال الصاعدة.

إن استمرار هذا المشروع ونجاحه مرهون بإرادة جماعية تدرك أن نهضة الأمم تبدأ من المدرسة، وأن المدرسة لا تنهض إلا بالمعلم.

فكما يقال: كيفما يكون المعلم يكون التعليم، وكيفما يكون التعليم يكون المجتمع.