نريد حوارا جادا لا تشاورا مرتبا/ الدكتور عبدوتي عال محمد احمد

 

المقارنة بين الحوار الوطني وما يسمونه “تشاورا” غير مطروحة، فالتشاور عمل فني يتم بين قيادة وفريقها، فهم متفقون على الأسس ويناقشون التفاصيل، أما الحوار فهو بين طرفين مختلفين؛ اختلاف المعارضة والسلطة، على الأسس والمبادئ، ويسعون إلى تقريب وجهات النظر في قضايا خلافية واضحة المعالم.

أنا أفهم الورطة التي وضع فيها الرئيس فريقه حينما بَيَّنَ بشكل لا لبس فيه، وفي وسيلة إعلام دولية، أنه يرفض الحوار ولكنه يقبل التشاور، وقد أكد هذا الموقف بيان منسقية “كوفيد” الذي التزم بقرار “القيادة” فاستخدم كلمة “تشاور” وتجنب كلمة “الحوار”.

السياق أيضا يتم استحضاره في الحكم على التصرفات السياسية، نحن مهتمون بحوار جدي، نقترب فيه من خط وسط في المضامين والجوهر، فإذا كان الطرف الآخر غير مستعد لتقديم تنازلات على مستوى المسميات والشكل فهذه مقدمة لا توحي بنتائج مشجعة على مستوى المضامين.

أسمينا حزبنا بـ”تواصل” في إشارة إلى أن التواصل مع الآخر والانفتاح عليه يدخل في صميم منهجنا لإدارة الخلاف، وترتيبا على ذلك كان حزبنا أول من دعا إلى الحوار بمناسبة تقييم 100 يوم من مأمورية الرئيس غزواني، ولم نفوت فرصة دون أن نذكِّر بذلك سواء في البيانات الختامية لاجتماعات هيئاتنا القيادية، أو في البيانات الظرفية المرتبطة بالأحداث الوطنية، أو في مؤتمراتنا الصحفية ومهرجاناتنا وأنشطتنا السياسية، ووثائقنا، نحن إذا مع الحوار، ولكن مع “الحوار الجاد” الذي يساهم في تغيير أوضاع العباد والبلاد، لا التشاور الذي يسعى إلى تثبيت “النظام” و إرضاء “السلطان”.

الآن وبعد مضي أكثر من سنتين، وبعد أن تآكلت شعارات “الإقلاع”، تحت الضغط المتواصل للمشكلات المعيشية ، وترهل الإدارة وفسادها، وتراجع الخدمات، وغياب الأمن، وغير ذلك من “الأزمات” التي فاقمت مشاعر اليأس والإحباط بين المواطنين يعود الحديث عن مجرد “تشاور” لاستهلاك الوقت والمال، وإشغال المعارضة والشعب عن مرارة الواقع، أو هكذا بدأت “أماراته”.

يشير البعض إلى أن البلد لا يعيش أزمة، حسنا، هذه من أهم النقاط التي يجب أن تناقش في الحوار لا أن تحسم قبله، ربما يعتبر العسكريون “الحرب والتقاتل” فقط هو الأزمة وهذا ما أشار إليه الرئيس مسعود في مقابلته، لكننا كنخب مدنية نعتبر استمرار التغاضي عن المفسدين في مقابل “المعاناة اليومية للمواطن الفقير” في بلد غني “أزمة”، ونعتبر “غياب العدالة والمساواة والإنصاف” في بلد مسلم “أزمة”، ونعتبر غياب آليات الردع ضد تزوير الانتخابات في بلد ديموقراطي “أزمة”، …الخ، ولكن الأزمة الأكبر هي تجاهل كل هذه الأزمات، واختزالها في نقاش “فني” هو في الأصل من اختصاص القطاعات الوزارية لا الطبقة السياسية.

نحن نريد حوارا شاملا وملزما، يعلن الرئيس مقدما عن تبني نتائجه، حوار لا يستثني طرفا ولا موضوعا، ويضع الأسس الناظمة لمستقبل البلد في مرحلة استثنائية وعصيبة من تاريخه، لا نعتقد أن مؤسسات حزب تواصل يمكن أن تقبل حوارا بدون ضمانات جدية، فتجارب الأيام التشاورية السابقة في البلد غير مشجعة، وتلكؤ السلطة خلال السنتين السابقتين عن المضي قدما في مسار الحوار يزيد من شكوكنا بجدية المناورة الحالية.

لقد طالبت المعارضة في مرات سابقة بضرورة حكومة توافقية تعكس حسن نية السلطة في الوصول إلى توافقات، وطالبت في أحيان أخرى بممهدات للحوار ، وهذا طبيعي في ظروف كهذه، لذلك أعتقد أن الاندفاع دون ضمانات لن يكون مفهوما ولا مبررا.

نحن مستعدون للانخراط في الحوار إذا توفرت الشروط الضرورية لذلك، ولكننا نعتقد أن الظروف الحالية التي تشهد محاولة تجاوز قوى المعارضة الوازنة، بتنوعها الخصب، والتدخل في شؤونها الداخلية، نعتقد أن هذه الظروف غير مواتية، و لن توفر الجو المناسب للوصول إلى الأهداف المرتقبة من الحوار فكيف بـ”أيام تشاورية” يبدو أن البعض يسعى منذ بعض الوقت لترتيب “مدخلاتها” و “مخرجاتها”.