
وجد وزير الشؤون الإسلامية والتعليم الأصلي، الفضيل ولد سيداتي، نفسه وحيداً في مواجهة عاصفة سياسية غير مسبوقة، بعدما قاطعت النخب السياسية والقبلية والاجتماعية في مقاطعتي أمرج وعدل بكرو الاجتماع الذي دعا إليه مؤخراً في منزله بنواكشوط.
حضور باهت اقتصر على أقرب مناصريه ومجموعته القبلية، في حين غابت الوجوه البارزة: برلمانيون، عمد، رؤساء أحلاف وممثلو المجموعات القبلية الكبرى، في مشهد يعكس انهيار الثقة وتفكك التحالفات من حول الوزير، الذي كان يأمل أن يتحول الاجتماع إلى فرصة لتجديد زعامته قبيل الزيارة الرئاسية المرتقبة.
غياب أسماء مثل الوزير السابق أحمديت ولد الشين، النائب سيداتي ولد شيخنا، عمدة عدل بكرو، عمدة المصكول، إضافة إلى غياب كتل قبلية وازنة مثل إدراكلة، أهل حرمه، إياداس، لكراف وغيرهم، لم يكن مجرد مصادفة أو تقاطعات جدول، بل رسالة تحد سياسي واضحة: لا شرعية لمن يحاول التحدث باسم الجميع دون رصيد ميداني أو إجماع حقيقي.
المقاطعة شملت أيضا قيادات بارزة من أمرج، من بينهم النائبين أحمديت ولد امحايمد ومحمدلمين ولد اكيه، ورؤساء المجالس البلدية الخمسة، وعدد كبير من الأطر الفاعلين ورموز المجتمع المحلي.
الأزمة لم تكن في الشكل فقط، بل في الجوهر أيضاً. فالوزير الذي سعى لتقديم نفسه كواجهة موحدة باءت جهوده بالفشل الذريع مقابل قناعة راسخة لدى النخب بأن تمثيله المرتجل لا يعكس آمال ومصالح أهل المنطقة.
الشارع السياسي في عدل بكرو وأمرج يؤكد اليوم أن محاولة الوزير تجاوز القوى التقليدية والاكتفاء بدائرته الضيقة أدت إلى تراجع رصيده، بل وتضخيم حالة العزلة التي يعيشها ضمن المشهد المحلي.
كل ذلك يأتي في لحظة فارقة تسبق زيارة فخامة رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزواني، وسط مخاوف متصاعدة من دخول المقاطعتين مرحلة تهميش سياسي أعمق إذا لم تعاد صياغة التوازنات والوجوه السياسية.
يكشف هذا المشهد حجم الفجوة التي اتسعت بين السلطة التنفيذية وممثليها المحليين، ويضع صناع القرار أمام مسؤولية تاريخية لمراجعة منظومة التمثيل شرق البلاد.
المطلوب اليوم هو البحث عن قيادات ذات حضور مجتمعي وقاعدة شعبية عريضة، قادرة على استعادة ثقة الشارع وقيادة عملية التحضير للزيارة الرئاسية وفق توازنات واقعية تحفظ وحدة المجتمع وتجنب المنطقة مزيداً من الانقسام.
فالوقائع الميدانية، ورسائل المقاطعة الجماعية، تؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن من لا يمتلك الشرعية التمثيلية ولا الإجماع المحلي لن يصنع وحدة سياسية مزعومة، بل سيظل رهينة عزلة سياسية قاتلة لن تنتج إلا مزيداً من التصدع في النسيج الاجتماعي والسياسي للشرق الموريتاني.














