الساحل في عين العاصفة: مجلس الأمن يناقش أمن المنطقة وتداعيات الانقسامات الإقليمية

جاء في تقرير مجلس الأمن حول "توقعات الأمن الإقليمي في غرب إفريقيا ومنطقة الساحل – نوفمبر 2025" أن المنطقة تعيش مرحلة دقيقة تتسم بتصاعد المخاطر الأمنية وتفاقم هشاشة البنى السياسية، في ظل تمدد الجماعات المتطرفة وتراجع فعالية الهياكل الإقليمية. وأشار التقرير إلى أن مجلس الأمن الدولي، برئاسة جوليوس مادا بيو، رئيس سيراليون ورئيس الإيكواس الحالي، سيعقد جلسة مخصصة لمناقشة هذه التطورات، تحت عنوان “ترسيخ السلام في غرب إفريقيا”، مع التركيز على تنسيق جهود مكافحة الإرهاب والفجوات المتزايدة في التعاون الإقليمي.

وفي هذا الإطار، أوضح التقرير أن التهديدات الإرهابية تشهد تحولات نوعية خطيرة، حيث بلغت جماعة “نصرة الإسلام والمسلمين” (JNIM)" ذروة قدراتها العملياتية منذ عام 2018، مستفيدة من ضعف الدول وانسحاب الشركاء الأجانب. كما طوّرت الجماعة، وفق التقرير،  أساليب هجومية أكثر تعقيدًا تشمل استخدام الطائرات المسيّرة والعبوات الناسفة والهجمات المتزامنة على مواقع عسكرية محصنة. ومن جهة أخرى، أشار التقرير إلى أن "تنظيم “داعش في الصحراء الكبرى” (ISGS)" استعاد نشاطه على طول الحدود بين النيجر ونيجيريا، حيث أقام تفاهمًا ميدانيًا غير معلن مع JNIM، يسمح للطرفين بتقاسم مناطق النفوذ وتنسيق الهجمات ضد القوات الحكومية، في مؤشر على تلاقي استراتيجي رغم التباين الأيديولوجي بينهما.

وانطلاقًا من ذلك، لاحظ التقرير أن هذا التمدد العسكري ترافق مع تحول خطير في طبيعة السيطرة الميدانية، إذ بدأت الجماعات المسلحة تمارس وظائف الحكم المحلي في شمال مالي وبوركينا فاسو. فهي تفرض الضرائب، وتسوّي النزاعات القبلية، وتقيّد حركة التجارة عبر الحدود، في محاولة لفرض شرعية بديلة عن الدولة. وعلى صعيد موازٍ، توسّع نفوذها جنوبًا نحو شمال بنين وتوغو ومنطقة سوكوتو في نيجيريا، ما ينذر بانتقال عدوى العنف من منطقة الساحل إلى سواحل غرب إفريقيا.

وفي السياق ذاته، أشار التقرير إلى أن الحصار الاقتصادي أصبحت أداة جديدة في الاستراتيجية الجهادية. ففي سبتمبر الماضي، فرضت JNIM حصارا على مدينتي كايس ونيورو جنوب غرب مالي، مما قطع طرق التجارة الحيوية مع السنغال وغينيا وساحل العاج وموريتانيا. وقد أدّى ذلك إلى نقص حاد في الوقود وارتفاع الأسعار وشلل اقتصادي واسع، ما فاقم حالة الغضب الشعبي تجاه الحكومة الانتقالية في باماكو. ويضيف التقرير أن السلطات المالية دخلت في محادثات غير مباشرة مع وسطاء من التنظيم في منطقة موبتي لتخفيف الحصار، وهو ما يعكس تآكل سلطة الدولة واتساع نفوذ الجماعات المسلحة في إدارة المناطق الريفية.

وتابع التقرير أن الانقسامات الإقليمية فاقمت بدورها هشاشة الوضع الأمني، خاصة بعد انسحاب تحالف دول الساحل (مالي، بوركينا فاسو، النيجر) من منظمة الإيكواس في يناير 2025. فقد أدى هذا الانسحاب إلى تعطيل قنوات التنسيق الاستخباراتي والعملياتي، رغم تعيين الإيكواس مفاوضًا خاصًا لمحاولة استعادة قنوات الحوار. غير أن الخلافات حول مفاهيم السيادة وطرق مكافحة الإرهاب أعاقت أي تقارب حقيقي. وبناءً على ذلك، أعلنت الإيكواس عن إنشاء قوة أخرى قوامها 1.650 عنصرًا سيتم نشرها في 2026، إلا أن التقرير يرى أن هذه الخطوة تبقى رمزية وغير كافية لمواجهة التهديدات المتسارعة.

ومن جانب آخر، أوضح التقرير أن الاتحاد الإفريقي حاول احتواء التدهور عبر تأسيس “فرقة عمل الساحل الإفريقي” لتعزيز أمن الحدود وتنسيق الاستخبارات ومكافحة تمويل الإرهاب. إلا أن التداخل المؤسسي بين الاتحاد الإفريقي والإيكواس وتحالف دول الساحل خلق ازدواجية في الأدوار وعرقل فعالية الجهود الميدانية. وفي هذا السياق، أكد التقرير أن غياب رؤية موحدة يهدد بزيادة التجزئة الإقليمية بدل احتوائها.

أما على الصعيد الدولي، فأشار التقرير إلى أن المنافسة بين القوى الكبرى أصبحت عاملاً محددًا في مسار الأزمة. فقد عززت روسيا حضورها في المنطقة عبر اتفاقيات دفاع ثنائية ونشر عناصر من “فيلق إفريقيا” التابع لوزارة الدفاع، الذي حل محل مجموعة فاغنر، خصوصًا في مالي والنيجر وبوركينا فاسو. ومع ذلك، يضيف التقرير، فإن هذه القوات تعرضت لهجمات متزايدة، ما كشف نقاط ضعفها الميدانية. وتقدّم موسكو تدخلها كدعم “سيادي” مقابل النماذج الغربية المشروطة.

وفي المقابل، استعادت الولايات المتحدة اهتمامها بالمنطقة بعد فترة من الانكفاء، من خلال زيارات رفيعة المستوى إلى باماكو ونيامي، واستئناف برامج تبادل المعلومات واستكشاف شراكات في مجال المعادن الاستراتيجية. ويرى التقرير أن هذه الخطوات تهدف إلى موازنة النفوذين الروسي والصيني والحفاظ على الوصول إلى الموارد الحيوية. أما فرنسا، فتبقى في موقع دبلوماسي هش، بعد انهيار تعاونها الأمني مع مالي وتفاقم التوتر إثر اعتقال أحد موظفي سفارتها بتهمة التجسس، في مؤشر على تراجع نفوذها التاريخي في الساحل.

وفي ضوء هذه التحولات، شدد التقرير على أن التوافق داخل مجلس الأمن ما يزال محدودًا وذو طابع براغماتي. فبينما تدافع الدول الغربية عن مقاربة ترتكز على حقوق الإنسان في مكافحة الإرهاب، تفضل روسيا والصين مقاربة قائمة على مبدأ سيادة الدولة وعدم التدخل، فيما تطالب الدول الإفريقية، مثل سيراليون وموزمبيق، بتعزيز التمويل المستقل للقوات الإقليمية عبر آليات الأمم المتحدة.

وانطلاقًا من التحليل العام، خلص التقرير إلى أن المشهد الأمني في غرب إفريقيا والساحل يتجه نحو عدم استقرار متعدد المستويات، يتقاطع فيه التمرد الجهادي مع الاقتصاد الإجرامي والتنافس الجيوسياسي. واعتبر التقرير أن نموذج الحوكمة “الهجين” الذي تتبناه JNIM يشكل أخطر تطور متوقع لعام 2026، إذ ينتقل التنظيم من مجرد تمرد مسلح إلى إدارة فعلية للمناطق. كما رأى أن تأخر نشر قوة الإيكواس يحدّ من قدرة الردع الإقليمي، في حين سيستمر التنافس بين روسيا والغرب في رسم معالم المشهد السياسي أكثر من العوامل المحلية.

واختتم التقرير تحليله بالتأكيد على أن الأزمة دخلت مرحلة “ما بعد مينوسما”، تتسم بتفكك السلطة المركزية ومرونة التنظيمات المسلحة وتزايد التدخلات الخارجية. وحذّر من أنه ما لم يتم التوصل إلى ميثاق إقليمي شامل يربط بين الأمن والشرعية والإدماج الاقتصادي، فإن غرب إفريقيا مرشحة للبقاء بؤرةً لتطور الحركات الجهادية وساحةً للمنافسة الدولية حتى عام 2026 وما بعده.

رابط المقال :
https://www.africansecurityanalysis.org/reports/west-africa-and-the-sahe...