
في تطورات مثيرة للجدل، شنت السلطات الموريتانية في الأشهر الأخيرة حملة واسعة لترحيل المهاجرين الأفارقة، ما أثار انتقادات شديدة من جماعات حقوق الإنسان والمعارضين السياسيين، الذين وصفوا الحملة بأنها تتم بأساليب قاسية ومهينة.
بدأت القصة مع عمر، شاب غامبي يبلغ من العمر 29 عامًا، جاء إلى موريتانيا في مارس بحثًا عن فرص عمل أفضل. استقر عمر في نواديبو، ثاني أكبر مدن البلاد، حيث كان يعيش مع أربعة أصدقاء في كوخ صغير، ويعمل في مواقع البناء بعائد يفوق ضعفين أو ثلاثة أضعاف ما كان يحصل عليه في بلده. وقد تمكن من توفير المال لإرسال أبنائه إلى المدرسة ودعم أسرته.
لكن في أغسطس، بدأت الحملة الأمنية، حيث داهمت وحدات الحرس الوطني والمخابرات المنازل والمواقع التي يعمل فيها المهاجرون، واعتقلت المئات منهم. اضطر عمر للتوقف عن العمل والاختباء داخل حي غيران، أحد الأحياء المزدحمة بالمهاجرين، خشية الاعتقال، ولكنه واجه صعوبة في الحصول على الطعام، حيث اقتصر طعامه على وجبة صغيرة من الأرز وأحيانًا بعض الأسماك التي يجلبها له صديق ليلاً.
تقدّر الجمعية الموريتانية لحقوق الإنسان أن حوالي 1200 شخص تم ترحيلهم في مارس فقط، بينهم نحو 700 كانوا يحملون تصاريح إقامة قانونية. أما السلطات الموريتانية، فذكرت أن 130 ألف مهاجر دخلوا البلاد عام 2022، بينما لم يجدد 7 آلاف منهم تصاريح الإقامة. وأكدت الحكومة أن حملة الترحيل تهدف للسيطرة على حركة الأجانب "باحترام للكرامة الإنسانية"، مع توفير الغذاء والماء والخدمات الطبية، والسماح للمترحلين بالاحتفاظ بممتلكاتهم الشخصية.
إلا أن شهادات المهاجرين تختلف تمامًا، حيث روى كثيرون تعرضهم للاعتقالات المتكررة والرشاوى، ومنعهم من أخذ مستلزماتهم الشخصية قبل الترحيل. وقد تم نقل المهاجرين إلى مراكز احتجاز في نواكشوط، ثم إلى نقاط حدودية مثل غوجي على الحدود مع مالي، أو روسو على الحدود مع السنغال، حيث بقي بعضهم عالقين بين الحدود، واضطروا للبحث عن طرق تهريب لعبور النهر إلى السنغال.
وتأتي الحملة بعد إعلان رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لايين في فبراير 2024 عن اتفاقية شراكة هجرة بين الاتحاد الأوروبي وموريتانيا بقيمة 210 مليون يورو، لدعم إدارة الهجرة وتعزيز الأمن، إلى جانب مشاريع في الطاقة الخضراء، وفرص العمل، والتدريب، وخدمات للاجئين والمجتمعات المضيفة. ويلاحظ الخبراء أن موريتانيا تلعب دورًا مهمًا في وقف الهجرة غير النظامية باتجاه جزر الكناري الإسبانية، حيث سجلت السلطات الإسبانية أن أكثر من 25 ألف شخص غادروا موريتانيا عام 2024 في هذا الاتجاه.
وفي السياق نفسه، اعتبر بعض النواب المعارضين الحملة "ترحيلًا جماعيًا يتم بظروف قاسية ومهينة". وقالت النائبة كادياتا مالك ديالو: "ما يعيشه الناس يوميًا هو الخوف".
وتشير شهادات المهاجرين إلى أن الاعتقالات كانت متكررة، حتى بالنسبة لأولئك الحاصلين على تصاريح إقامة صالحة، حيث اضطر البعض لدفع رشاوى لتجنب الاحتجاز، فيما لم يُسمح للآخرين باستعادة ممتلكاتهم قبل الترحيل. ومع ذلك، يخطط بعض المهاجرين للعودة إلى موريتانيا حال توقف الحملة، مثل عمر الذي قال: "إذا توقفت الترحيلات، سأعود إلى نواديبو".
رابط المقال :
https://www.aljazeera.com/features/2025/11/7/inside-mauritania-mass-depo...














