
في إحدى أيام نوفمبر، دخل سيف الإسلام، البالغ من العمر 67 عامًا، باحة مكتبة في شنقيط، مستوطنة صحراوية صغيرة تقع في قلب الصحراء الموريتانية. يرتدي ثوبًا تقليديًا أزرق اللون، وخطواته غير ثابتة لكنه يحمل حضورًا مهيبًا، جلس على بساط منسوج يدويًا، مشذبًا لحيته الرمادية، بينما وضع صندله بجانبه. وأشار إلى نسخة من القرآن الكريم تعود للقرن العاشر قائلاً: "هذه الكتب أعطت المدينة تاريخها وأهميتها. بدون هذه الكتب القديمة والغبارية، لكانت شنقيطي قد نُسيت مثل أي مدينة مهجورة أخرى."
مدينة المكتبات وتاريخها العريق
تُعرف شنقيط باسم مدينة المكتبات، وبرزت في القرن الثالث عشر كمستوطنة محصنة تُعرف بالـ"قصر" (كسار)، وكانت محطة هامة للقوافل التجارية العابرة للصحراء. كما أصبحت ملتقى للحجاج المغاربة في طريقهم إلى مكة، ومركزًا للدراسات الإسلامية والعلمية، حيث احتوت مكتباتها على مخطوطات علمية ودينية من العصور الوسطى المتأخرة.
على مدى عقود، تهدد الرمال الصحراوية الزاحفة المدينة، مما يضع التراث التاريخي في خطر. السكان غادروا، وتراجعت أعداد السياح، ويعيش معظم السكان الحاليين خارج حدود القصر القديم للمدينة.
جهود سيف الإسلام للحفاظ على التراث
سيف الإسلام، المسؤول عن مكتبة آل أحمد محمود، وهي واحدة من مكتبتين ما زالتا مفتوحتين للجمهور، يكافح للحفاظ على المخطوطات وإعادة جذب اهتمام المواطنين بالمدينة. ويصف شنقيطي بأنها العاصمة الروحية لأفريقيا، مؤكداً أنه عاد إليها في 2015 بعد تقاعده من الخدمة المدنية في نواكشوط.
تضم المدينة 12 مكتبة عائلية تعمل حتى الآن، تحتوي على أكثر من 2000 مجلد من المخطوطات القرآنية وكتب في الفلك، الرياضيات، الطب، الشعر، والفقه الإسلامي، يعود بعضها إلى القرن الحادي عشر. العديد من هذه المخطوطات جلبها التجار من أنحاء المغرب وغرب إفريقيا، فيما جاء بعضها الآخر من مستوطنة أبوير القريبة، التي تأسست عام 777 ميلادية وغمرتها الكثبان الرملية لاحقًا.
التحديات الراهنة
يشير سكان المدينة إلى أن نحو 30 مكتبة كانت تعمل في زمن قريب، إلا أن العدد تراجع بفعل هجرة السكان خلال الجفاف في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي. انخفاض أعداد السياح يعني قلة التمويل للمكتبات المتبقية، ولم تتحقق الوعود بالتمويل المستدام من الجهات العامة والخاصة، على الرغم من تصنيف اليونسكو للمدينة كموقع تراث عالمي.
دعم المجتمع الدولي والمحلي
في السنوات الأخيرة، ساعدت منظمة إسبانية غير حكومية تُدعى **تيراكيديا**، بالتعاون مع السلطات الثقافية الموريتانية ووكالة التنمية الإسبانية، على ترميم عدد من المكتبات باستخدام مواد وبناء تقليدي، للحفاظ على الطابع العمراني التاريخي وحماية المخطوطات. كما شمل مشروع عام 2024 دمج الأطفال في أنشطة تعليمية وترفيهية داخل القصر، لتعزيز الانتماء للتراث المحلي.
وقالت مامن مورينو، مهندسة المناظر الطبيعية الإسبانية المشاركة في المشروع: "الهدف ليس فقط الحفاظ على المكتبات، بل جذب الموارد وتنشيط المدينة وربما إعادة السكان إليها. المدن تُحفظ عندما يعيش فيها الناس."
وأكد سيف الإسلام أن مشاركة المجتمع المحلي مهمة جدًا للحفاظ على هذا التراث، مشيرًا إلى أن اهتمام الأوروبيين بالمدينة أكبر من اهتمام العرب أو المسؤولين الموريتانيين، وأن شنقيط بحاجة لكل من يستطيع المساعدة للحفاظ على هذا الإرث الثمين وإبقائه حيًا للأجيال القادمة.
رابط المقال:
https://www.theguardian.com/world/2025/nov/12/city-of-libraries-chinguet...














