«لم يتغيّر شيء سوى الاسم»: شهود ماليون يروون فظائع قوات «فيلق إفريقيا» الروسي

 

في قرية حدودية نائية بين مالي وموريتانيا، كانت أمٌّ تمسك بيد طفلتها التي لم تفكّ قبضتها منذ ثمانية أشهر؛ منذ اليوم الذي هربتا فيه من بطش مقاتلين أجانب، لتجدا ملجأً مؤقتاً في بلدة دوانكارا الموريتانية. قصّتها، كسواها من روايات الناجين، تكشف أنّ الكيان الروسي الجديد الذي حلّ محل مجموعة فاغنر، والمعروف باسم «فيلق إفريقيا»، يكرّر الأساليب ذاتها: قتلٌ جماعي، اغتصاب، خطف، وأحياناً تشويه للجثث وسرقة أعضاء ضحاياها.

***استمرارية للعنف… باسم جديد فقط
على مدى الأسابيع الأخيرة، جمع مراسلو وكالة الأسوشيتد برس شهادات عشرات اللاجئين الماليين الذين فرّوا إلى موريتانيا مع تصاعد القتال. هؤلاء يقولون إنّ «فيلق إفريقيا» لم يغيّر شيئاً سوى الشعار، وإنّ التكتيكات والوجوه والعتاد وحتى اللهجة الأجنبية القاسية هي ذاتها التي ميّزت حقبة فاغنر.

وبحسب شهاداتهم، اقتحم مقاتلون بيض القرى برفقة جنود ماليين، وأقدموا على قتل السكان بلا تمييز، وأحرقوا منازل، وخطفوا شباناً ونساءً. بعضهم تحدّث عن العثور على جثث أقاربهم وقد نُزعت منها أعضاء داخلية، وهي ممارسة سبق توثيقها خلال عمليات فاغنر السابقة.

 للصراعات "الأكثر دموية" في العالم
تأتي هذه التطورات في وقت تُعدّ فيه منطقة الساحل أكبر بؤرة عالمية لتمدد الجماعات المسلحة. فبعد أن قطعت حكومات مالي وبوركينا فاسو والنيجر علاقتها الأمنية بالغرب، لجأت إلى موسكو طلباً للدعم العسكري في مواجهة الجماعات المتطرفة.

لكنّ الآمال بانخفاض مستوى العنف بعد خروج فاغنر لم تتحقق. فالتقارير الإنسانية تؤكّد أنّ المدنيين باتوا محاصرين بين مطرقة الجماعات الجهادية وسندان العمليات المشتركة بين الجيش المالي والمقاتلين الروس.

شهادات تقطر ألماً
إحدى النساء، واسمها موغالو، روت أنها كانت تُعدّ الشاي فجراً حين وصل مقاتلون ملثمون برفقة جنود ماليين. سألوها عن وجود عناصر متطرفين في المنطقة، ثم انهالوا على ابنها بالضرب قبل أن يذبحوه أمامها. وفي واقعة أخرى، اختطفوا ابنتها الكبرى، وما زالت الأسرة تجهل مصيرها.

وفي شهادات أخرى، يكرر الناجون رواية واحدة: «كانوا يطلقون النار على كل من يرونه، بلا سؤال ولا تحذير». وبينما يصفون القتلة بأنهم «الرجال البيض»، يقولون إنّهم كانوا يستخدمون شتائم روسية بحق السكان.

غياب الرقابة الدولية يفاقم الانتهاكات
تزامن هذا التصعيد مع انسحاب بعثة الأمم المتحدة من مالي عام 2023 وقرار باماكو الانسحاب من المحكمة الجنائية الدولية، ما جعل توثيق الانتهاكات أكثر تعقيداً. ويقول خبراء قانونيون إنّ تبعية «فيلق إفريقيا» لوزارة الدفاع الروسية تعني أنّ موسكو تتحمّل مسؤولية مباشرة عن أفعاله، بخلاف حالة فاغنر التي كانت تعمل بصفة غير رسمية.

لا مكان آمن..
شهادات اللاجئين تروي كذلك مأساة يومية: الخوف الدائم، فقدان الأحبة، وانهيار الحياة الاجتماعية. إحدى الأمهات قالت إنها كانت في عجلة الهرب إلى درجة أنها نسيت رضيعتها داخل المنزل. وحين عادت بعد ساعات، وجدتها مطروحة على الأرض ويداها منقبضتان من شدة الفزع.

وفي شهادة أخرى، روت امرأة فقدت ابنها وابنتها في يوم واحد، بينما كانت تعاني من نوبات هلع كلما سمعت صوت محرك سيارة، وهو الصوت ذاته الذي سبق المداهمات الدموية.

«لم يتغيّر شيء… بل ازداد سوءاً»
خلاصة ما يقوله اللاجئون إنّ تبدّل الاسم لم يغيّر أسلوب العمل. وكما قال أحدهم:
«إنهم نفس الرجال، نفس السيارات، نفس القسوة. فقط استبدلوا شعار فاغنر باسم ’فيلق إفريقيا‘».

وبينما تتواصل العمليات العسكرية شمال مالي، وتغيب الرقابة الدولية، يخشى الخبراء أن تزداد الانتهاكات في منطقة تمزّقها الحرب منذ أكثر من عقد، وتدفع المدنيين إلى النزوح من جديد، في دوامة لا يبدو أن لها نهاية قريبة.

رابط المقال:
https://www.latimes.com/world-nation/story/2025-12-07/as-russias-success...