أفارقة في فخ الحرب الروسية: من وعود العمل إلى التجنيد القسري

أعاد إعلان السلطات الكينية، يوم 17 ديسمبر 2025، عن إعادة 18 من مواطنيها من روسيا، تسليط الضوء على ظاهرة مقلقة تتجاوز حالة بعينها، وهي تجنيد مهاجرين وطلبة أفارقة قسرًا أو تحت الضغط في صفوف الجيش الروسي ضمن الحرب الدائرة ضد أوكرانيا. فخلف وعود العمل والعقود الغامضة، تتكشف قصص هشاشة إنسانية استُغلت في سياق جيوسياسي بالغ التعقيد.

من وعود الهجرة والعمل إلى نداءات الاستغاثة
في بيان رسمي، أوضحت الحكومة الكينية أن عملية الإعادة تمت بعد تلقي ما وصفته بـ«نداءات استغاثة» من مواطنين عالقين داخل الأراضي الروسية، وذلك عبر متابعة قنصلية من السفارة الكينية في موسكو. هؤلاء الأشخاص، الذين دخلوا روسيا في الأصل بحثًا عن فرص عمل أو دراسة، وجدوا أنفسهم فجأة مجندين في عمليات عسكرية، بعضهم أُصيب أو نُقل إلى مناطق قتال، بعيدًا تمامًا عن المسار الذي وُعِدوا به. وقد خضع العائدون فور وصولهم إلى كينيا لمرافقة نفسية، في مؤشر واضح على الصدمات التي تعرضوا لها.

ولا يبدو أن ما حدث مع الكينيين حالة معزولة. فمنذ اندلاع الحرب في أوكرانيا عام 2022، وثّقت تقارير إعلامية ومنظمات حقوقية توسعًا ملحوظًا في أساليب التجنيد التي تستهدف أجانب مقيمين في روسيا، خصوصًا من 
العمال المهاجرين والطلبة والأشخاص في أوضاع قانونية هشة. وتتنوع الوسائل بين الإغراءات المالية والوعود بتسوية الأوضاع الإدارية، وصولًا إلى التهديد بالطرد أو فقدان الإقامة.

وفي هذا السياق، نقلت تحقيقات دولية شهادات لأفارقة أُرسلوا إلى الخطوط الأمامية للقتال، في حين بقيت وحدات روسية أخرى في مواقع أقل خطورة، ما غذّى شعورًا واسعًا لدى هؤلاء بأنهم استُخدموا كقوة مستهلكة أو «وقود للحرب».
حين تصبح الهشاشة قيدًا
ما يجمع بين عدد كبير من هذه الشهادات ليس الاختطاف المباشر، بل ما يمكن وصفه بـ«الإكراه الرمادي»، حيث تتحول الهشاشة إلى أداة ضغط. فالغربة، وغياب الشبكات الاجتماعية، وضعف الموارد، إلى جانب هشاشة التأشيرات، تجعل أي عرض عمل فرصة يصعب رفضها.

ويروي بعض المعنيين أنهم وقّعوا عقودًا مكتوبة باللغة الروسية دون ترجمة موثوقة، فيما تحدث آخرون عن مصادرة جوازات سفرهم وهواتفهم، ما جعل التراجع أو طلب المساعدة شبه مستحيل. وفي حالات كثيرة، يبدأ الأمر بوظائف لوجستية أو خدمية داخل قواعد عسكرية، قبل أن يتطور تدريجيًا إلى إدماج مباشر في وحدات قتالية، تحت ضغط التسلسل العسكري والأوامر الصارمة.

أبعاد سياسية ودبلوماسية مقلقة
لا تقتصر خطورة هذه الظاهرة على المآسي الفردية، بل تمتد إلى أبعاد سياسية وقانونية أوسع. فهي تطرح تساؤلات حول **مسؤولية الدولة الروسية** في ما يتعلق بحماية الأجانب على أراضيها، ودور شبكات الوساطة غير الرسمية، فضلًا عن قدرة الدول الإفريقية على حماية رعاياها في الخارج.

وفي هذا الإطار، أعلنت كينيا أنها تمتلك معطيات تشير إلى احتمال تجنيد أكثر من 200 مواطن كيني منذ بداية النزاع، وهو رقم إن تأكد، فسيضع القضية في صدارة أولويات حماية الجاليات الإفريقية، ويستدعي تحركًا دبلوماسيًا أكثر صرامة، سواء على مستوى التوعية قبل السفر أو مراقبة شبكات التوظيف والتعاون القنصلي.

بين الهجرة والحرب: مسؤولية مشتركة
تكشف هذه الوقائع عن الوجه القاتم للهجرة غير الآمنة في عالم مضطرب، حيث تتحول أحلام العمل والاستقرار إلى مآزق وجودية. وبين وعود زائفة وسياقات حرب مفتوحة، يجد بعض الأفارقة أنفسهم عالقين في صراعات لا تخصهم، ما يفرض على الدول الإفريقية والمجتمع الدولي مسؤولية مشتركة لحماية الفئات الأكثر هشاشة، وضمان ألا تتحول الحاجة إلى باب للتجنيد القسري أو الاستغلال العسكري.

رابط المقال:

https://www.afrik.com/on-m-a-promis-un-job-quand-des-africains-se-retrou...