
يشهد ملف الهجرة داخل الاتحاد الأوروبي تحوّلًا لافتًا في توجهاته العامة، بعدما صادق البرلمان الأوروبي في مدينة ستراسبورغ على إجراءات جديدة تُكرّس نهجًا أكثر صرامة في التعامل مع طالبي اللجوء، خصوصًا القادمين من دول شمال إفريقيا.
ولا يقتصر هذا التحول على تعديلات تقنية في القوانين، بل يعكس تغييرًا عميقًا في الفلسفة الأوروبية، حيث باتت السرعة والردع محور السياسة الجديدة، بدل التركيز على دراسة الحالات الفردية بشكل معمّق.
قائمة “الدول الآمنة”
في قلب هذه التعديلات، جاء توسيع قائمة ما يُعرف بـ“الدول الأصلية الآمنة”، لتشمل عددًا من بلدان المغرب العربي، وفي مقدمتها المغرب، إلى جانب تونس ومصر. ويفترض هذا التصنيف أن مواطني هذه الدول لا يواجهون، في العموم، مخاطر اضطهاد ممنهج، وهو ما ينعكس مباشرة على مسار طلبات اللجوء.
وبموجب هذا التغيير، ستُعالج الطلبات المقدمة من رعايا هذه الدول وفق مساطر سريعة، بآجال مختصرة وإجراءات أكثر تشددًا، ما يؤدي عمليًا إلى انخفاض فرص القبول وتسريع قرارات الرفض. وبينما تؤكد مؤسسات الاتحاد الأوروبي أن الهدف هو تخفيف العبء عن أنظمة اللجوء الوطنية، يرى مراقبون أن هذا التصنيف يُغلق تدريجيًا الأبواب القانونية أمام آلاف المهاجرين.
نقل الأزمة خارج أوروبا
لم تتوقف الإصلاحات عند تسريع البت في الطلبات، بل فتحت الباب أمام خيار أكثر جدلًا، يتمثل في إمكانية ترحيل طالبي اللجوء المرفوضين إلى دول ثالثة لا تجمعهم بها روابط مباشرة. هذا التوجه، الذي استلهمته بروكسل من مقترحات سبق أن دافعت عنها بعض الحكومات الأوروبية، يُعد نقلة نوعية في إدارة ملف الهجرة.
وبينما ترى العواصم الأوروبية في هذا الإجراء وسيلة فعالة للحد من تدفقات الهجرة غير النظامية، تحذّر منظمات حقوقية من أنه يشكل تفريغًا تدريجيًا لحق اللجوء من مضمونه الإنساني، وتحويلًا للمسؤولية نحو دول غالبًا ما تفتقر إلى الإمكانات القانونية واللوجستية اللازمة لاستقبال المرحّلين.
**خيارات طويلة الأمد
يأتي هذا التشدد في ظل مناخ سياسي أوروبي مشحون، حيث تحتل قضايا الهجرة صدارة النقاش العام، مدفوعة بصعود اليمين واليمين المتطرف في عدد من الدول الأعضاء. وعلى الرغم من تسجيل تراجع نسبي في أعداد الوافدين غير النظاميين خلال الأشهر الأخيرة، لا تزال الخطابات السياسية تتحدث عن “ضغط متزايد” على الحدود الأوروبية.
وفي هذا السياق، كثّف الاتحاد الأوروبي اتفاقيات إعادة القبول مع دول إفريقية، سواء في شمال القارة أو جنوب الصحراء، غالبًا مقابل مساعدات اقتصادية أو تسهيلات دبلوماسية. وبذلك، يحصل الاتحاد على أدوات قانونية أوسع لتسريع عمليات الترحيل، في مقابل تراجع واضح في فرص اللجوء.
ومع اقتراب المصادقة النهائية على هذا الإطار التشريعي، يبدو أن أوروبا اختارت مسارًا جديدًا يقوم على الردع وتسريع الإبعاد، بدل التقييم الفردي طويل الأمد. مسار من شأنه أن يعيد رسم ملامح السياسة الأوروبية للهجرة، ويطرح تساؤلات عميقة حول مستقبل حق اللجوء داخل القارة.
رابط المقال :
https://www.afrik.com/politique-migratoire-europeenne-l-ue-accelere-les-...














