عندما تدير أمريكا ظهرها لمنطقة الساحل

أصدر البيت الأبيض إعلاناً يقضي بتشديد قيود دخول مواطني سبع دول جديدة إلى الأراضي الأمريكية، من بينها دول الساحل الثلاثة. وبموجب هذا القرار، لن يُسمح لمواطني هذه الدول بدخول الولايات المتحدة سواء لأغراض الهجرة، السياحة، الدراسة، أو السفر المهني. 
ومن جانب آخر، تم استثناء بعض الفئات المحددة، مثل المقيمين الدائمين، أصحاب التأشيرات القائمة، الدبلوماسيين، الرياضيين، والأشخاص الذين يمثل دخولهم «مصلحة وطنية» للولايات المتحدة. أما غير هؤلاء، فإن وصولهم إلى الأراضي الأمريكية أصبح موقوفاً تماماً.

تثير هذه الخطوة المخاوف من أن تعرقل سنوات من التعاون بين واشنطن وعواصم دول الساحل، خاصة في مجال مكافحة الإرهاب. فالطلاب والباحثون ورجال الأعمال هم الفئات الأكثر تأثراً، إذ يمكن أن يكون للحظر تأثيرات اقتصادية وإنسانية طويلة الأمد، تؤثر على التنمية والابتكار في المنطقة.

**مبررات أمريكية في توقيت متناقض

بررت الإدارة الأمريكية قرارها بالإشارة إلى «نواقص مستمرة وشديدة» في أنظمة الرقابة والتحقق وتبادل المعلومات لدى الدول المعنية. وفقاً لواشنطن، تُسجّل مالي والنيجر وبوركينا فاسو نسباً مرتفعة لتجاوز التأشيرات، مع صعوبات واضحة في متابعة مواطنيها إدارياً.

غير أن هذا القرار يأتي في توقيت غريب، إذ كانت هذه الدول تحاول مؤخراً إعادة إطلاق حوار أمني مع الولايات المتحدة في ظل إعادة ترتيب التحالفات الإقليمية. ففي يوليو الماضي، زارت بعثة من البيت الأبيض باماكو، واعتبرتها السلطات المالية علامة على «حوار سياسي متجدد وبناء». ولكن اليوم، يبدو أن آمال تعزيز التعاون العسكري لتحقيق الاستقرار في المنطقة أصبحت مهددة بخطر كبير.

انعكاسات على الأمن والدبلوماسية

بعيداً عن كونه إشارة رمزية، يبرز هذا القرار التباين الواضح بين أولويات واشنطن الأمنية والواقع الجيوسياسي المحلي. فمالي، التي تواجه تمرداً جهادياً مستمراً وانتقالاً سياسياً مضطرباً، ترى مجالها الدبلوماسي يتقلص. أما النيجر وبوركينا فاسو، اللتان تعانيان من انعدام الأمن المزمن، فقد تتعرضان لعزلة أكبر، خاصة على صعيد النخب الاقتصادية والأكاديمية.

حتى الآن، لم تصدر أي ردود رسمية من الدول الثلاث، فيما يؤكد البيت الأبيض على مبدأ الحيطة والحذر وأولوية «المصلحة الوطنية» الأمريكية، رغم التأثير المحتمل على شركاء طالما اعتُبروا استراتيجيين. وهذه الخطوة تأتي ضمن سياسة أوسع يدافع عنها ترامب منذ عودته إلى السلطة: تشديد الحدود، تعليق اللجوء، ومراقبة صارمة لتدفقات القادمين من ما تصفه الإدارة بـ«دول العالم الثالث».

الساحل يواجه عقوبة مزدوجة

يرى الكثير من المراقبين أن توسيع قائمة الحظر يعكس الفجوة المتزايدة بين الدبلوماسية الأمريكية والدول الضعيفة. فبينما تحاول دول الساحل احتواء العنف الجهادي والأزمات الإنسانية، يتم معاقبتها على المستوى الهجري، ما قد يضعف التعاون العسكري، التبادلات الأكاديمية، والاستثمارات الأجنبية.

في الواقع، تواجه مالي والنيجر وبوركينا فاسو عقوبة مزدوجة: التصدي للأمن الداخلي الهش والتعامل مع صدمة دبلوماسية لقرار يُنظر إليه على أنه غير عادل ووصمي. من المقرر أن يبدأ الحظر في الأول من يناير 2026، ولن يكون مجرد رمز، بل اختباراً لقدرة هذه الدول على إعادة صياغة استراتيجياتها الدولية في مواجهة سياسات خارجة عن نطاق سيطرتها.

التناقض الأمريكي بين الأمن والسياسة

تظل هناك مفارقة أساسية في نهج ترامب: إغلاق باب التأشيرات أمام مواطني دول الساحل في الوقت الذي يؤكد فيه الولايات المتحدة رغبتها في محاربة الإرهاب بالمنطقة. فالولايات المتحدة تحتفظ بمصالح استراتيجية كبيرة في الساحل، بما في ذلك مواجهة الجماعات الجهادية والتأثير الروسي، لكن عزلة هذه الدول دبلوماسياً قد تضعف النفوذ الأمريكي نفسه وتزيد من الشعور بالاستياء تجاه واشنطن.

يبقى السؤال الجوهري: كيف يمكن الحفاظ على حضور استراتيجي في منطقة يتم اختيار الابتعاد عنها في الوقت نفسه؟ هذه المعضلة تعكس التعقيد العميق في السياسة الأمريكية تجاه دول الساحل، حيث تتقاطع الاعتبارات الأمنية مع حسابات النفوذ والدبلوماسية، تاركة هذه الدول في مواجهة تحديات مزدوجة على الأرض.

رابط المقال:
https://www.lepoint.fr/afrique/quand-lamerique-tourne-le-dos-au-sahel-DD...