من حفاظ الشناقطة: محمدُّ بن المختار بن أحمدن أشفغ الجكني- محمد يحيى ابن احريمو

اشتهر الشناقطة بالحفظ وقوة الاستحضار، ولهم في ذلك حكايات معروفة. وتعود أسباب ما اشتهروا به من حفظ إلى صفاء أذهانهم، وبعدهم عن ضوضاء الحضر، وسكناهم  في الصحراء، وتنميتهم لملكة الحفظ منذ الصغر. وقد لاحظ المشارقة وغيرهم هذا الأمر فقال السيد الحافظ محمد عبد الحي الكتاني: "إن من مارس الشناقطة، ورأى حفظهم لم يستبعد شيئا مما يحكى عن الأقدمين من قوة الحفظ" (من التراتيب الإدارية بالمعنى) واحتج الأستاذ المرحوم مصطفى السباعي في كتابه "السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي" على حفظ الصحابة والتابعين بما هو مشاهد من حفظ الشناقطة، وضرب المثل على ذلك بالأستاذ الأديب  أحمد بن الأمين العلوي صاحب الوسيط، الذي كتب من حفظه معظم كتابه،  وما فيه من الأشعار والتراجم، والأنساب، وأخبار القبائل، وأسماء المواضع، والأمثال…
وقال العلامة المحدث  محمد ناصر الدين الألباني في ترجمة موجزة للشيخ محمد حبيب الله بن ما يابى: "له اشتغال بالحديث والأدب على طريقة أهل بلادها التي اشتهر أهلها بالحفظ النادرة" (مقدمة صحيح الجامع) وانطباعات المشارقة عن شناقطة المهجر في هذا المعنى معروفة، كالمجيدري  وابن التلاميوأبناء ما يابى والشيخ آب.. إلى علمائنا المعاصرين كالشيخ عبد الله ابن بيه والشيخ محمد الحسن بن الدو وغيرهم رحم الله السلف وبارك في الخلف..
ومن أجل حفاظ الشناقطة قديما: العلامة محمدُّ بن المختار بن أحمدن أشفغ (أحمد بن أشفغ محنض) الجكني الرمضاني،  وقد ولد رحمه الله تعلى على الراجح  في العقد السابع من القرن الثاني عشر الهجري بمنطقة "أگان" ، ودرس على مشايخ قومه، ومن المرجح أنه أخذ عن والده المختار بن أحمدن أشفغ، وعن العلامة المختار بن بونا كما أخذ عنه  أخوه الشاعر الإمام بن ماناه المعروف بمنافحته عن ابن بونا، ولا يبعد كذلك أن يكون قد قرأ في مدرسة أخواله أهل "بو حمد" وخاصة خاله أحمد البدوي المجلسي صاحب عمود النسب؛ وأظن أنه هو الواسطة بين البدوي وبين  العالم السيري الأديب غال بن المختار فال البوادي، إلا أن عدم وجود ترجمة مكتوبة له، وتقادم العهد وزهد  الناس في التاريخ قد طوى أخباره..

ومن أبلغ ما يحكى في سعة الحفظ ما نقله محمد بن أحمد الصغير في كتابه: (متن العلي الكبير من فوائد أحمد الصغير) عن تقييدبخط والده راويا عن الشيخ أحمد بن سيدي بن المحجوب المسومي عن  المترجم محمدُّ بن المختار المذكور أنه قال له يوما:  "إنه  منذ عام دامان إلى الآن لم يستفد مسألة زائدة على ما معه من العلم مع كثرة مطالعته" قال الشيخ أحمد: "وكان بين ذلك العام الذي حدثه فيه وعام دامان زمن طويل". وعام دامان المذكور هو عام 1196هـ وقبل 1198هـ "ودامان"  عقلة (بير قصيرة الرشاء) في آمطليش، وتقع شرقي "أگجوجت" وبها كانت أول وقعة بين بني دمان  وأبناء عمومتهم أولاد أحمد بن دامان، في أيام أمير الترارزة علي الكوري بن أعمر بن علي شنظوره، وقد فصل خبرها ابن أحمد يوره في كتاب "الآبار" له (راجع حوادث السنين لابن حامد ص:209 من الطبعة الاولى).
ولمحمد بن المختار مؤلفات منها نظم "سلم الوصول" في التصوف والسلوك، نظم أكثره من الإحياء للغزالي، وله عليه تعليق مختصر، وتوجد منه عدة نسخة منها نسخة في تججگة وأخرى في مكتبة الشيخ محمد محمود بن زيدان بن غال البصادي بالمدينة المنورة بخط جده تلميذ المترجم  غالي، ومنها نسخة في مكتبات تنبكت او جني المنشورة على النت، وأول هذا النظم:
قال أسير التبعات اللاهي*** عنهن بالغوص على الملاهي 
المغربي المالكي المذهب *** الأشعري الجكني النسب 
محمد بن أحمد بن ألفغا*** عليه ربه الكريم أسبغا 
نعمه باطنة وظاهره *** وكان للذي حباه شاكره 
الحمد لله على الانعام*** بنعمة الإيمان والإسلام
ثم صلاته على محمد *** ومن بشرعه القويم يقتدي

وقد ضمن تلميذه غال بن المختار قال البيت الأول في أحد أنظامه السيرية..

وتجد الاستشهاد بهذا النظم في شرح  الشيخ غال على نظم البعوث والسرايا له، وفي كتاب "الزاد المبلغ" للشيخ محمد بن عبد القادر البصادي الغظفي..
توفي محمد بن المختار رحمه الله تعلى في حدود 1245هـ رحمه الله وغفر له..

والمترجم من أسرة اشتهرت بالحفظ والنبوغ والضبط وقوة الاستحضار، إلى درجة  عجيبة،! ومن أشهر علمائهم وحفاظهم  في القرن الماضي حفيد المترجم وابن عمه:  أحمد فال بن آدو، وابن أخيه ونظيره علما وحفظا: الشيخ محمد يحيى بن الشيخ الحسين رحم الله الجميع..
ومنهم: ابن المترجم العلامة أفلواط بن محمد ناظم تنقيح القرافي، وابنه عبد الرحمن، وابن أخت افلواط المذكور وحفيد المترجم: العلامة الحافظ  أبو العلماء محمدُ الملقب آدُّو بن محمذن بن محمد الأمين بن أحمدن أشفغ، ولهؤلاء الأعلام حكايات ولطائف في قوة الحفظ والضبط، وقد ذكر أخونا العالم الفاضل محمد بن الشيخ طرفا منها في تحقيقه لشرح العلامة أحمد قال بن آدّو على الملحة، وهو مطبوع. ومن لقي تلامذة الشيخ محمد يحيى بن الشيخ الحسين وما  شاهدوا من حفظه واستحضاره، وعرف سعة فضل الله تعلى لم يستغرب شيئا من ذلك وما كان عطاء ربك محظورا!