
أنا لست مواطنا من الدرجة الثانية و لا غير ذلك،و كوني صحفيا من أكثر صحافة هذا البلد جرأة و دراية بطبيعة المشهد الوطني، أعرف على ضوء ذلك أن أعدائي يحسبون لي ألف حساب،و لكن الفرصة قد تساعد بعض الأعداء على الإضرار بك،و الأيام دول،و ما حصل من سجن متكرر قد يشكل إضرارا ذاتيا، لكنه رسالة عامة،اكثر مما هو مسألة شخصية.
لقد اكتشفت مما حصل معي أن أعدائي كثر،و هذا مؤشر إيجابي و دليل على الحضور المحرج لبعض البغاث،و لعل جرجرة صحفي على فترتين متقاربتين فى دولة تدعى التمسك بالطابع الديمقراطي و تكريس حرية الصحافة دليل ملموس على ضعف حصانات الحرية الإعلامية فى موريتانيا،و ربما يكون شهادة حكمة للذين اختاروا الهجرة قبل أن يعبروا عن آراءهم،لكن خيار المهاجرين من الإعلاميين أو المدونين لن يقنعني تحت أي ظرف بالهجرة،و أي شخص من أي موقع يدعى المكانة للمهنة الصحفية فى هذا الوطن سيكذبه الواقع يوما ما،و القائمون على الشأن العام بحاجة لرفع اليد عن الحريات،و بوجه خاص حرية التعبير و حرية الصحافة بوجه أخص.
فحينما يكون التعبير و بأسلوب أراه متوازنا مبررا لمصادرة الحرية تصبح فعلا المواطنة،إن صح الإطلاق،مواطنة بلا أمان.
شخصيا لست مقتنعا بأن الرئيس الحالي غير مقتنع بالحرية الإعلامية،لكن منذ انطلاق المأمورية الثانية بدأت حرية و حرمات الصحافة المستقلة فى مهب الريح،إلى ان جاء مهرجان وادان قبل أيام الذى حرمت فيه الصحافة الحرة من دخول المنصة الرسمية يوم الافتتاح،و قبل ذلك سجنت مرتين، فى فترات متقاربة و أقلت من وظيفتي.
سيادة الرئيس سيادة الوزير الأول خلافنا معكم فى بعض الأمور قد لا يعنى عداءً و لا استهدافا لنمط أسلوبكم السياسي و التسييري للشأن العام، لكنه تعبير عن جزء من معانى الدستور الموريتاني المتكفل بالحرية الإعلامية فى جميع أوجهها، و من واجبكم حماية هذه الحريات و ممتهنيها، و مما يليق بكم الابتعاد عن سجن الصحفيين، فهو بحق مشتمة للديمقراطية و سمعة أي دولة تدعى الديمقراطية، و جمع صحفي مع المجرمين فى نفس القفص و استجلابه لقاعات المحاكم مكبلا،كل ذلك يدعو بحق و موضوعية للترحم على ألق الحرية الصحفية فى موريتانيا،فنحن نعيش فى مرحلة هزال الحريات فى موريتانيا،و بوجه خاص حرية الصحافة.
لقد ترك هذا السجن فى نفسي غصة عميقة و شعورا بالإهانة المتعمدة، و هذا كله غير مقبول مطلقا،مهما كانت المسوغات،و إن لزم العقاب ،إن افترضنا حصول مبرراته،إلا أن الأمر كان يمكن أن لا يصل لهذا كله،من الاستجلاب و السجن و الإقالة من الوظيفة!.
و ضمن تفكيري فى هذا المسلسل المفعم بالكراهية و الاستصغار و الإضرار،لم أقتنع بالتصعيد ضد هذا النظام و لا حتى معارضته،لسبب بسيط امتناعي عن ما قد يضر الوطن و استقراره،و عدم اقتناعي بأن الرئيس غزوانى مصدر هذه البلوى ،التى أصابتني بعمق.
فرغم أن الرئيس غزوانى تكون تكوينا عسكريا يطبق فيه القانون بصرامة ضد المخالفين لقوانين الثكنة،إلا اننى مقتنع بتقدير الرئيس غزوانى للمهنة الصحفية،و لتجاوز ما حصل أخاطب الرئيس غزوانى صراحة،ما حصل ضدي بحكم مكانتي فى المشهد الإعلامي خوف الكثير من الزملاء من حقلهم الإعلامي،و قد يفسره بعض خصوم النظام برسالة عدم تقدير للصحافة و الصحفيين،و هو ما قد يفسر أيضا يتدنى علاقة الرئيس محمد ولد غزوانى فى الوقت الراهن بالإعلاميين!.
السيد الرئيس غزوانى أبعدوا الإعلاميين و أصحاب الرأي عن السجن،فالذين يرون من حاشيتكم سهولة و بساطة مصادرة حرية الصحفي مجرد أعداء لنظامك و استقراره،كما أنهم لا يدركون ضرورة و حتمية توسيع الباع لتمظهرات و تجليات المشهد الإعلامي الوطني،و أدعوكم السيد الرئيس لإعادة الاعتبار للصحفي و مهنته،عسى أن يجبر خاطر قد كسر و أصيب فى العمق.
شخصيا رغم ما أصابني من سجن متكرر و إقالة إلا أننى لن اهجر وطني و لن أسلك سبيل التطرف و التصعيد لإيماني بضرورة الصبر لاستمرار ما نعيش من استقرار فى الوطن رغم بعض المآخذ الأساسية،ثم إنكم سيادة الرئيس غزوانى ينبغى أن تعرفوا ملامح كبار الكتاب و نخبة الإعلام فى وطنكم،و حتى لا يصور لكم البعض تطرفا فكريا، غير صحيح اتهام البعض به.
لأن وسطية معظم الأقلام الصحفية ينبغى أن لا يدمرها استهداف البعض و ترويج تطرف غير موجود مطلقا.
ففى سياق انتقام البعض من بعض ما نبدى من آراء عامة قد يصور وصمنا بالتطرف على وجه غير صحيح مطلقا،و لإبعاد مثل هذه الدعاية السلبية ينبغى صاحب الفخامة أن تتطلعوا عن قرب على ما يسجل و يكتب بدل التقارير الموجزة المخلة أحيانا.
فما نكتب أو نسجل يا صاحب الفخامة من أجل المصلحة العامة فحسب،و الصحافة بحاجة ماسة لسعة الصدر و حصانة حقيقية،لمسناها فى العهود السابقة،و لو نسبيا،و أنتم أحق بالاستمرار فى نهج التهدئة و المساهمة فى حماية الصحفيين.
فالصحافة فى خطر ،إن لم تبادروا، سيادة الرئيس لتفصح واقع الصحافة و ما تعانى من تصعيد و استهداف متكرر.
و باختصار يمكنني القول إننى واثق بان أغلب كوادر هذا النظام لا يرغبون فى التصعيد و لا سجن الصحفيين،بل لا يرون مبررا لذلك،لكن بعض أعداء النظام الحالي يسعون لتصوير ولد غزوانى و نظامه بأنه نظام تصفية الحسابات و حصار الإعلاميين.
و صاحب الفخامة،محمد ولد الشيخ الغزوانى،مدعو لتفويت الفرصة على أعداء نظامه،لإبعاده عن ساحة الصراع العقيم مع حملة الأقلام،خصوصا أن المؤشرات لا تدل على تفريطه فى الحرية الإعلامية و إنما محرك هذا الصراع ربما استغلال البعض لبعض مواقع النفوذ لإشعال الفتنة بين السلطة الإعلامية و السلطة التنفيذية،و تلك سلطة نقدرها و نحرص على أن تكون علاقتنا معها علاقة تكامل، لا تآكل البتة.














