
شغلتني منذ سنوات، الكتابة في الشأن العام عن الكتابة في مجال تنمية وتطوير الذات، مجال اهتمامي الأول. ولكني في السنوات الأخيرة، قررتُ أن أخصص آخر يوم من كل سنة لكتابة مقال عن إدارة الوقت، علَّه يساعد من قرأه وعمل به في إدارة العام القادم بفعالية أكبر.
وفي مقال هذا العام، سأقدِّم - كما جرت بذلك العادة - عدة نصائح ثمينة في إدارة الوقت، مع التركيز على النصيحة الأخيرة (الثامنة)، وهي النصيحة الأهم، وتتعلق بضرورة ضبط الساعة والبوصلة من أجل إدارة فعَّالة للعام 2026.
وسألحق بالمقال، وهذا هو الجديد في هذا العام، توجيه دعوة للانتساب إلى مشروع تطوعي رائد، هو الأول من نوعه في موريتانيا، ويكفي للانتساب لهذا المشروع الالتزام بالتبرع بساعة واحدة من كل أسبوع للخدمة العامة، وهو ما يعني بالمجمل التبرع ب 52 ساعة خدمة عامة للوطن خلال العام 2026.
وقبل أن أبدأ المقال، فلا بد من الإشارة إلى أن هذا المقال ما هو إلا تفريغ لمحتوى ورشة تدريبية أقدِّمها منذ سنوات عن إدارة الوقت مع نهاية كل عام، وقدَّمتها في آخر عشرة أيام من هذا العام، لأكثر من 100 شاب ناشط في العمل الجمعوي.
وقبل أن استعرض معكم النصائح التي ستُعينكم - بإذن الله - على إدارة فعَّالة للعام 2026، فلا بأس قبل ذلك أن نتوقف قليلا عند قيمة الوقت وخصائصه، مع سرد حكاية رمزية تختزن جوهر ما أريد قوله في هذا المقال.
أولا: قيمة الوقت
الوقت هو أغلى وأنفس وأثمن ما نملك في هذه الحياة الدنيا، ولذلك ينبغي أن نُنفقه بحكمة.
ولفهم قيمة الوقت، دعونا نتأمل قيمة أجزائه ووحداته..
لمعرفة قيمة العام، اسأل طالبا رسب في الباكالوريا، واضطر لإعادة سنة دراسية كاملة.
لمعرفة قيمة الشهر، اسأل مدرسا عُلِّق راتبه لشهر كامل.
لمعرفة قيمة الأسبوع، اسأل رئيس تحرير جريدة أسبوعية قضى أسبوعا كاملا في العمل لإصدار عدد من جريدته، ولكن ذلك العدد صودر في آخر لحظة.
لمعرفة قيمة اليوم، اسأل عاملا أجيرا يُعيل أسرة كبيرة، أضاع يوم عمل فلم يحصل على أجره.
لمعرفة قيمة الساعة، اسأل صاحب مصنع كبير عن حجم الخسارة التي سيتكبدها مصنعه، إذا ما توقف الإنتاج لساعة واحدة.
لمعرفة قيمة الدقيقة، اسأل مسافرا وصل إلى المطار بعد دقيقة واحدة من إقلاع الطائرة.
ولمعرفة قيمة الثانية، اسأل رياضيا شارك في سباقات دولية، وحُرِم من الميدالية الذهبية، بسبب تأخره عن الفائز الأول بثانية واحدة.
والآن، إليكم حكاية السطل والكرات، وهي حكاية رمزية
يُروى أن أستاذا حكيما جاء يوما إلى طلابه يحمل سطلا ومجموعة من الكرات المتفاوتة في الحجم. أخذ الأستاذ الكرات الأكبر حجما، ووضعها في السطل حتى امتلأ، ثم سأل طلابه:
هل امتلأ السطل؟
فأجابوه: نعم.
ثم أخذ الكرات الأصغر حجما، ووضعها في الفراغات المتبقية بين الكرات الكبيرة، وسألهم مرة أخرى، إن كان السطل قد امتلأ، فأجابوه للمرة الثانية بنعم.
بعد ذلك، أخذ حفنة من الحصى، وألقاها داخل السطل، وأخذ يرجُّه رجا حتى اختفى الحصى في الفراغات الصغيرة المتبقية بين الكرات، مما يعني أن الحصى وجد مكانا داخل السطل، رغم أنه - وحسب إجابات الطلاب - كان قد امتلأ مرتين من قبل.
إن العبرة التي يمكن أن نخرج بها من تجربة السطل هي أن العام 2026، بل إن العمر كله، ما هو إلا مجرد وعاء كالسطل، وأن الكرات الصغيرة الأكبر حجما تمثل كل الأشياء الأهم في حياتنا (الأولويات)، بينما تمثل الكرات الأصغر الأمور المهمة في حياتنا، والتي تأتي في الترتيب الثاني، من حيث مستوى الأهمية، بعد الأمور الأهم، في حين تمثل الحصى في حياتنا كل الأشياء الأقل أهمية (الترفيه).
إن الدرس الثمين الذي يمكن أن نخرج به من هذه القصة هو أننا إذا ملأنا السطل (أعمارنا أو العام 2026 تحديدا) بالحصى أولا، أي بالأمور الأقل أهمية (الترفيه)، وهذا ما يفعله للأسف أغلبنا، فإننا بذلك لن نترك فراغا في السطل للكرات الصغيرة بمختلف أحجامها، أي أننا لن نترك مساحة كافية لإنجاز الأشياء المهمة والأشياء الأهم في حياتنا. ولكننا ـ في المقابل ـ إذا بدأنا بوضع الكرات أولا في السطل، كما فعل الأستاذ الحكيم، والتزمنا بترتيب وضعها حسب الحجم، فإننا لا محالة سنجد فراغات داخل السطل يمكننا أن نملأها بالحصى، أي أننا إذا بدأنا بالأولويات والأمور المهمة، فإننا لا محالة سنجد وقتا كافيا للأمور الأقل أهمية (الترفيه)، أو حتى للأمور غير المهمة إطلاقا.
الخلاصة: إذا أنجزتَ أولوياتك وأمورك المهمة أولا، ستجد وقتا كافيا بعد ذلك للترفيه.
ثانيا / خصائص الوقت ( التركيز هنا على العام 2026)
الخاصية الأولى: إن العام 2026 حاله كحال كل السنوات التي سبقته، وتلك التي ستأتي بعده، سيكون عاما سريع الانقضاء، وتلك حقيقة يجب أن نتذكرها دائما، فمما لاشك فيه أن أيامه وأسابيعه وأشهره ستنقضي بسرعة كبيرة، وإذا لم نشد الأحزمة ونسارع في الإنجاز من فاتح يناير 2026، وبما يتناسب مع السرعة الرهيبة التي يسير بها الوقت، فإننا سنجد أنفسنا في نهاية العام على قارعة يوم 31/ 12/ 2026 بلا إنجازات ولا نجاحات تذكر؛
الخاصية الثانية: إن ما مضى من الوقت لن يعود أبدا، ولا تمكن استعادته إطلاقا، حتى ولو ندمنا كثيرا على تضييعه. ليس بإمكان أي واحد منا أن يستعيد في العام 2026، ثانية واحدة من العام 2025؛
الخاصية الثالثة: الوقت هو الحياة، ووحداته هي وحدات قياس العمر، فنحن نقول مثلا مات فلان عن عمر يناهز كذا وكذا، ولا نقول مات فلان ووزنه 60 كيلو غرام، أو مات فلان وطوله 1م و60 سم مثلا؛
الخاصية الرابعة: الوقت من الموارد التي لا يمكن زيادتها، هناك 24 ساعة ستمنح لكل واحد منا في كل يوم من أيام العام 2026 إن كُتبت لنا الحياة، ولا يمكن لنا زيادتها بساعة واحدة ولا بدقيقة واحدة ولا حتى بثانية واحدة، ولا يعني هذا أنه لا يمكننا تمديد هذه الأربع والعشرين ساعة التي تمنح لنا يوميا، و زيادتها ضمنيا من خلال حسن إدارتها، ذلك أمرٌ ممكن، وهو ما سنبينه في فقرة قادمة إن شاء الله.
الخاصية الخامسة: الوقت من الموارد التي يجب إنفاقها بشكل فوري، ولا يمكن ادخارها للمستقبل كما يحصل مع النقود. هناك 24 ساعة تمنح لكل واحد منا يوميا عليه أن ينفقها كاملة في كل يوم، وهو لا يستطيع أن يستبقي أو يدخر منها دقيقة واحدة، ولا حتى ثانية واحدة، ليوم غد أو لما بعد يوم غد. ليس فينا من يمكنه أن يدخر دقيقة واحدة من هذا اليوم لينفقها في أوقات الشدة وضيق الوقت في يوم قادم؛
الخاصية السادسة: الوقت هو المورد الوحيد على هذه الأرض الذي يوزع بين الناس بالتساوي التام في كل يوم، فالناس لا تمنح في نفس اليوم نفس القدر من الصحة، ولا نفس المبلغ من المال، ولكنها تمنح في كل يوم 24 ساعة، أي 1440 دقيقة، أي 86400 ثانية، لا يزيد أي واحد منا عن الآخر بثانية واحدة في اليوم. إننا سَنُمْنَحُ في كل يوم من العام 2026 الوقت نفسه، ولكن الفرق بيننا يتمثل في أن بعضنا سيستغل ذلك الوقت بشكل جيد فيحقق بذلك المزيد من النجاح في العام 2026، وبعضنا الآخر سيضيعه في توافه الأمور فيخسر العام 2026 دنيا وآخرة، وكما خسر أعواما من قبله.
إن الكثير منا، وفي محاولة مكشوفة للتغطية على فشله، وهذا ما يجب لفت الانتباه إليه، يحاول دائما أن يُحَمِّل الوقت مسؤولية فشله، وتعثره في إنجاز واجباته المهنية أو الاجتماعية أو الشخصية.
فأنت عندما تسأل أحد الذين يُحَمِّلون الوقت مسؤولية عدم تمكنهم من الوفاء بالتزاماتهم المهنية أو الاجتماعية، وليكن موظفا مثلا، فسيكون جوابه في الغالب لم أجد الوقت الكافي لتأدية التزاماتي المهنية، وإن كان تلميذا فسيبرر ضعف تحضيره للامتحان، بضيق الوقت، وإن كان من سألت شخصا مقصِّرا في صلة رحمه، فسيقول لك إنه لم يصل رحمه بسبب عدم توفر الوقت.
وبشكل عام، فإن إجابات هؤلاء التبريرية تكون دائما من قبيل: لا يوجد وقت…الوقت يمر بسرعة رهيبة…السنة أصبحت شهرا، والشهر أسبوعا، والأسبوع يوما، واليوم ساعة، والساعة دقيقة، وهكذا...
إن السؤال الذي يجب علينا أن نطرحه على هؤلاء هو: هل المشكلة فعلا في الوقت؟ أم فيكم أنتم؟ علينا أن نُذَكِّر هؤلاء بأن الموظف الذي ينجز مهامه بإتقان لم يُمنح وقتا إضافيا حُرِموا هم منه الذين فشلوا في إنجاز مهامهم؛ والتلميذ الذي يتمكن من توفير الوقت الكافي للتحضير الجيد للامتحان، لم يُعطَ أكثر من أربع وعشرين ساعة في اليوم التي أعطيت للتلاميذ الذين يبررون عدم تحضيرهم للامتحان بسبب ضيق الوقت، ومن يصل رحمه بانتظام، لم يُمنح زمنا أطول من الذي لا يصل رحمه، مبررا ذلك بعدم توفر الوقت.
إن الفرق بيننا يكمن بالأساس في طريقة إدارتنا للوقت، فبعضنا يتمكن من السيطرة على وقته، ويستطيع بالتالي ترويضه وإدارته بشكل جيد وفعَّال، وبعضنا الآخر يتحكم فيه الوقت ويسيطر عليه، فيعيش أيامه ولياليه في فوضى عارمة خالية من أي إنجاز يذكر.
بكلمة واحدة، إن الجميع يتلقَّى القدر نفسه من الوقت، ولكن النتائج تختلف لأن أساليب وإدارة استثمار الوقت تختلف، ويبقى السؤال الأهم: كيف نروض العام 2026 ونديره بشكل جيد؟
ثالثا/ إدارة الوقت
إن إدارة الوقت هي أن تعمل بطريقة أفضل وأكثر فعالية لا بمشقة أكبر.
وكما قلنا سابقا فإنه لا أحد يمكنه أن يمنحك دقيقة إضافية واحدة في العام 2026، وليست هناك طريقة سحرية لزيادة الأربع والعشرين ساعة التي ستمنح لكل واحد منا في كل يوم من العام 2026 إن كُتبت لنا الحياة.. تلك حقيقة علينا أن نتذكرها دائما، ولكن هناك حقيقة أخرى، وهي أن الإدارة الجيدة للوقت ستمكننا من السيطرة عليه بشكل جيد، وتمديده بشكل أفضل، مما يجعله يبدو وكأنه أطول. وسيتيح لنا ذلك أن نعمل بطريقة أكثر فعالية، ومن أجل إدارة جيدة للعام 2026 لخلق فائض من الوقت، فإليكم هذه النصائح السبع:
النصيحة الأولى: فتش عن أماكن هدر وقتك وضياعه في العام 2025 وأغلق المنافذ بشكل فوري في أول يوم من العام 2026، وإذا لم تستطع فعل ذلك، فعليك أن تتوقف الآن عن قراءة هذا المقال، فلا داعي لمواصلة القراءة، واعلم بأنه لا أمل لك في أن تكون من الذين سيديرون العام 2026 بشكل جيد.
بكلمة واحدة، إذا لم تتحكم في وقتك وتسد منافذ هدره، فاعلم أنك لست مؤهلا لإدارة العام 2026 بشكل جيد.
النصيحة الثانية: حدد بداية ونهاية لكل مهمة أو عمل تريد إنجازه
من المهم جدا أن تحدد وقت بداية ونهاية لكل عمل أو مهمة تريد إنجازها، ولا تترك وقت تنفيذ المهام وتأدية الأعمال مفتوحا على طول. إن من الأخطاء الكبيرة التي يقع فيها أغلبنا هي أننا ننشغل بمهام وأعمال دون أن نحدد لها وقت بداية أو نهاية فنُضيع بذلك أوقاتا ثمينة دون أن نبدأ في تلك المهام ودون أن ننهيها، وبالتالي دون أن يكون بإمكاننا أن نتفرغ لمهام أخرى، فتقع المهمة على المهمة، وتتداخل المهام دون أن ننجز أيا من تلك المهام، فندخل بذلك في فوضى عارمة من التخبط وتشتيت الجهد. لا يعني تحديد وقت بداية ونهاية لكل عمل أن لا تكون هناك مرونة في تغيير ذلك الوقت إذا ما استوجبت الظروف ذلك. لا بأس بشيء قليل من المرونة، ولا بأس بترك هامش قصير لتعديل توقيت البداية والنهاية حسب الضرورة، ولكن ذلك الهامش يجب أن يظل محدود المدة دائما.
النصيحة الثالثة: خصص أوقات ذروة عطائك للأولويات وللأهم ثم الأهم.
إن لكل واحد منا أوقات ذروة وأوقات صفاء ذهني تكون فيها قدرته على الانتاج أكبر، ويكون فيها أكثر حيوية ونشاطا، وأكثر قدرة على العطاء والإنجاز. كما أن لكل واحد منا أوقات خمول يكون فيها غير نشط، وتكون فيها انتاجيته أقل. إن ما يمكن أن ننجزه من أعمال في ساعة واحدة من ساعات أوقات الذروة قد لا نستطيع أن ننجزه في عدة ساعات من أوقات الخمول، ولذا فيجب أن نحرص دائما على أن نخصص أوقات الذروة للأولويات ولكل الأمور المهمة في حياتنا، على أن نترك أوقات الخمول للأمور غير المهمة في حياتنا. وأوقات الذروة في الغالب هي الساعات الأولى من الصباح، وقد تكون في المساء أو الليل بالنسبة للبعض، فعلى الطالب أن يخصص أوقات الذروة للدراسة، وعلى الموظف أن يخصصها لإعداد التقارير، وعلى الأستاذ أن يخصصها للتحضير لدرسه، وعلى الباحث والمفكر والكاتب أن يخصصوها للإنتاج الفكري.
إذا رأيت أحدهم يخصص ساعات الصباح الأولى من شهر يناير للدردشة في منصات التواصل الاجتماعي، فاعلم أنه سيفشل حتما في إدارة العام 2026 بفعالية.
النصيحة الرابعة: ركز لتربح المزيد من الوقت
إننا نبدو في زمننا هذا في غاية الانشغال، وعندما تسأل أي واحد منا عن العمل وعن الانشغالات يقول لك إن المهام والانشغالات كثيرة وإن الوقت لا يكفي لتأديتها. على من يقول بذلك أن يركز في عمله ليخلق فائضا من الوقت، فعلى من يعمل مثلا لتسع ساعات في اليوم، ودون أن يتمكن من إنجاز ما كان يريد إنجازه أن يركز في عمله لست ساعات، وعندها سيجد بأنه قد أنجز في تلك الساعات الست ما كان عاجزا عن إنجازه في تسع ساعات. إن التركيز الجيد في العمل سيمكننا من ربح ساعات ثمينة ومن زيادة وقت الفراغ لمن يبحث عن وقت فراغ يخصصه للترفيه.
النصيحة الخامسة: احذر لصوص الوقت
لقد تعودنا في هذه الحياة أن نحرس ممتلكاتنا وأموالنا، وأن لا نتركها عرضة للصوص، فهناك من يأتي إلى منزله بكاميرات مراقبة وبخزائن محصنة، ولكننا لم نتعود ـ في المقابل ـ على حراسة أغلى وأنفس وأثمن ما نملك، أي أوقاتنا. إن وقتك ـ والذي هو أغلى وأنفس ما تملك ـ يحتاج هو أيضا لحراسة مشددة، فهناك لصوص كُثْرٌ يتربصون به، ويريدون سرقته منك، فلا تسمح لهم بذلك. ومن لصوص الوقت الهواتف المتصلة بشبكة الانترنت دائما، والدردشة في مواقع التواصل الاجتماعي ومتابعة المسلسلات ومباريات كرة القدم لساعات طوال، ومن لصوص الوقت كذلك الزيارات المفاجئة والاجتماعات العبثية التي لا تناقش شيئا مفيدا، وعدم القدرة على قول لا لمن يطلب منك تأدية عمل سيكون على حساب أولوياتك.
ولعل من أخطر ما يقوم به لصوص الوقت هو أنهم لا يسرقون وقتك فقط، بل إنهم يسرقون معه تركيزك، ومن أجل استعادة تركيزك بعد كل عملية سرقة، فأنت بحاجة إلى وقت إضافي آخر حتى تستعيد من جديد تركيزك.
لكي تركز أكثر على أي عمل عليك أن تُبعد عنك كل لصوص الوقت خاصة كبيرهم في التلصص، أي الهاتف ..ضع الهاتف على الصامت وابتعد عن الانترنت حتى تنجز أعمالك المهمة.
إن الشخص الذي يحاول أن يحمي وقته من لصوص الوقت، فيترك هاتفه مفتوحا أثناء التركيز على عمل مهم جدا، يتركه مفتوحا ليطلق رنات صوتية كلما وصله إشعار جديد. إن من يفعل ذلك لا يحمي وقته من السرقة، وهو بكل تأكيد لم يحصن أيام وساعات العام 2026 من السرقة.
النصيحة السادسة: لا تقم بعملين مهمين في نفس الوقت.. قد تعتقد مخطئا أن خلط عملين مهمين في وقت واحد يعدُّ استغلالا جيدا للوقت، ولكن، ما يجب أن تعلمه، هو أن ذلك الخلط سيأتي بنتائج سلبية عكسا لما أردت، وسيتسبب في ضياع وقت أكثر من الوقت الذي ستستهلكه إذا ما حاولت أن تنجز كل واحد منهما في وقت خاص به.. خلط الأعمال ينصح به فقط في الأوقات التي تقوم فيها بأعمال غير مهمة، فيمكنك مثلا أن تخلط بين متابعة مسلسل تلفزيوني والدردشة في الفيسبوك، بل إن خلط هذا النوع من الأعمال غير المهمة في وقت واحد يعد من الأمور التي ينصح بها لإدارة الوقت بشكل جيد.
النصيحة السابعة: احذر من التسويف، وابدأ من الآن، والآن تعني الآن...إن مواجهة التسويف تحتاج لأن تستشعر قيمة المهمة التي تقوم بها. وتذكر دائما أن اللحظة التي تعيشها الآن هي أفضل وأنسب توقيت لتبدأ عمل الغد الذي تفكر فيه الآن، والذي كان عليك أن تنجزه غدا. لن أكرر على مسامعك في هذا المقال النصيحة التقليدية في إدارة الوقت ، والتي تقول لا تؤجل عمل اليوم إلى الغد، بل سأقدم لك "نصيحة ثورية" تقول لا تؤجل عمل الغد إلى اليوم، بل حاول دائما أن تنجز عمل الغد في الأمس، وخصص ـ بالتالي ـ اليوم لإنجاز المهام التي برمجتها لما بعد غد، فمن يدري فقد تأتي في الغد وما بعد الغد ظروف وطوارئ تعيق إنجاز المهام التي برمجتَ مسبقا أن تنجزها في الغد وفيما بعد الغد. هذه النصيحة لن تُفهم بشكل جيد إلا إذا استعرضنا مصفوفة الأولويات، وخاصة منها مربع "غير عاجل ومهم"، وهو الشيء الذي لن نتمكن منه الآن، لأن المساحة المخصصة لهذا المقال لا تسمح بذلك.
النصيحة الثامنة: اضبط اتجاه بوصلتك وتوقيت ساعتك بشكل صحيح ودقيق..
لنفترض أن شخصا ما في نواكشوط قرر أن يسافر إلى روصو، فذهب إلى وكالة لتأجير السيارات وأجَّر سيارة في وضعية جيدة تماما، ثم مرَّ بمحطة البنزين وملأ خزان السيارة بالبنزين ثم انطلق بعد ذلك، ولكنه بدلا من أن يسلك طريق روصو سلك طريق الأمل.
بعد ثلاث ساعات وزيادة من السفر دون توقف وجد صاحبنا نفسه في مدينة ألاك بدلا من مدينة روصو.
ولو واصل صاحبنا السفر في نفس الاتجاه فلن يصل إلى روصو، بل على العكس من ذلك فكلما استمر في السفر فسيزداد بعدا من الهدف الذي يسعى إليه، أي الوصول إلى مدينة روصو، ولذا فقد قيل إذا صعدت في القطار الخطأ فعليك أن تنزل عند أول محطة، لأنه كلما زادت المسافة التي تقطع ستزيد كلفة العودة.
الخطأ واضح هنا، وهو أن صاحبنا هذا لم يضبط بوصلته في الاتجاه الصحيح، فبدلا من أن يتجه جنوبا اتجه شرقا، وأنتَ عندما لا تضبط البوصلة في رحلتك في العام 2026، فأن كل ما تقوم به في تلك الرحلة من تجهيزات ومسارعة في قطع المسافات سيأتي بنتائج سلبية..
ففي هذا النوع من الأسفار الذي لا تضبط فيه البوصلة، فإنك كلما أخذت وسيلة نقل أسرع، وكلما زدت السرعة لتصل مبكرا إلى الهدف المنشود فإن النتيجة ستكون هي العكس، أي أنك ستزداد بعدا عن الهدف بشكل أسرع، أي أنك ستفشل بشكل أسرع.
عدم ضبط البوصلة لا يتعلق فقط بالأسفار، فكثيرٌ منا لا يضبط بوصلته في مسار حياته، فلنفترض مثلا أن شابا ما رسم هدفا يتعلق بالتحسين من حالته الصحية ولياقته البدنية في العام 2026، ولكنه في نفس الوقت لم يتوقف عن التدخين، ولم يتبع نظاما غذائيا صحيا، ولم يمارس أي نشاط رياضي..فماذا تتوقعون لهذا الشخص، فهل تعتقدون أنه يسير في اتجاه هدفه الصحي أم أنه يسير عكسه؟
ربما يجد هذا الشاب نفسه في يوم 31 /12/ 2026 وقد أصيب بالسكري، أو أصبح وزنه زائدا أكثر من اللازم، أي أنه أصبح أكثر بعدا من هدفه الذي رسم في بداية العام 2016، وهو الهدف المتمثل في صحة أفضل، ولياقة بدنية أكبر.
وكمثال آخر لنفترض أن شابا عاطلا عن العمل كان هدفه أن يطلق مشروعه التجاري الصغير بعد سنة، ولكنه استمر خلال سنة 2026 في الاستيقاظ متأخرا، ولم يتعلم في هذه السنة أي مهنة ولا مهارة، ولم يذهب خلالها إلى السوق طلبا للرزق، فمن أين سيحصل هذا العاطل عن العمل على المال الذي سيمكنه من إطلاق مشروعه الخاص؟
هذا عن توجيه بوصلة 2026 في الاتجاه الصحيح، أما بخصوص ضبط ساعة 2026 على التوقيت الصحيح، فلنأخذ هذا المثال..
شاب قطع تذكرته في الطائرة، وكان في سفر إلى مدينة النعمة مثلا، حُدِّد له وقت الوصول إلى المطار، ووقت إقلاع الطائرة، ولكنه لم يضبط ساعته على الوقت الصحيح، مما أدى به أن يصل إلى المطار بعد إقلاع الطائرة بخمس دقائق.
فإذا كان المسافر إلى مدينة روصو لم يضبط بوصلته في الاتجاه الصحيح، فإن المسافر إلى مدينة النعمة لم يضبط ساعته على الوقت الصحيح، وكلاهما لم يصل إلى هدفه، والنجاح لن يتحقق في هذه الحياة لمن لم يضبط ـ وبشكل متزامن ـ بوصلته في الاتجاه الصحيح، وساعته على الوقت الصحيح.
إن ضبط الساعة دون بوصلة يجعلنا نتحرك بسرعة، ولكن في الاتجاه الخطأ، وضبط البوصلة دون ساعة يجعلنا نتحرك نحو الهدف، ولكننا سنصل إليه في الوقت الضائع. وحده الجمع بين الاتجاه الصحيح، والتوقيت الصحيح، مع بداية العام 2026، هو ما سيمكننا من إدارة العام 2026 بفعالية أكبر، والوصول في يوم 2026/12/31 إلى الأهداف التي كنا نسعى لتحقيقها في هذا العام.
بخصوص مشروع ساعة للخدمة العامة، والذي نود إطلاقه في هذا العام، والذي سيشكل إطلالتنا القوية في العمل الجمعوي خلال العام 2026، فسأشرح فكرته في مقال لاحق إن شاء الله.
فلنجعل من العام 2026 عاما للخدمة العامة...
حفظ الله موريتانيا...














