موفد الفكر(بابابى ): ليس القطع الجائر للأشجار لاستخدامها سياجات للمزارع، أو تحويلها إلى فحم، أو مقتنيات لتأثيث البيوت، هو كل ما يتهدد الغابات في منطقة النهر، بل أيضا الغرس العشوائي لأشجار "الكستاني" دائمة الاخضرار شحيحة الفوائد، والتي أصبحت بين عشية وضحاها تحتل مساحات شاسعة في منطقة النهر تتزايد يوما بعد آخر.
في بغداد 5كم من بابابى تحتضن القرية إحدى المشاتل التي ترعاها وزارة البيئة الموريتانية في إطار مشروع طموح لمواجهة التصحر في مناطق الضفة.
يقول المشرف على المشتلة عمر ولد المختار بوبو إن الوزارة تدفع له راتبا للحفاظ على المشتلة وضمان سقيها، وهي من أحضرت الشتلات وأقامت السياج على بعد أمتارمن البير الارتوازية الوحيدة بالقرية.
القرية التي كانت إلى سنوات قريبة تقبع وسط الأدغال والغابات الكثيفة من أشجار السرح والطلح والقتاد تعاني اليوم من تصحر واسع وانحسار للغطاء النباتي يكاد يقضي على التنوع البيئي بالمنطقة.
الاستغلال الجائر
"التصحر والجفاف والقطع الجائر للأشجارعوامل بارزة وراء وجود مثل هذه المساحات القاحلة التي لا تنبت كلأ ولا تحفظ ماء" ،يعلق ولد المختار بوبو وهو يشير إلى الاستغلال الواسع للأخشاب كحواجز لتسوير المنازل والمزارع ،وكوقود للطبخ والطهي، وكأسرة خشبية وأواني ومقتنيات متنوعة..بل إن المنطقة وبحكم غطائها السابق من الغابات جذبت مستثمرين في مجال الفحم الخشبي والذين تنتشرمواقدهم الضخمة لحرق الأخشاب في مستقرالوادي المجاورعلى حد قوله.
كانت رائحة دخان الخشب تعبق أجواء القرية الوديعة ،حيث لا يجد السكان بديلا عن حرق الأخشاب المجلوبة من أطراف ما تبقى من الغابة المجاورة لإنضاج طعامهم ،وكمصدر للإنارة الليلية رغم أن القرية لا تبعد سوى أمتار قليلة عن أعمدة كهرباء الضغط العالي المحاذية للطريق المعبد.
أشجار معمرة وأخرى "مستنسخة"
على بعد أمتار من المشتلة ينتصب مبنى البئر الارتوازية المشيد في إطار ابرتكول تعاون مع تركيا قبل سنتين والذي لم يعد يكفي لتغذية القرية بالمياه كما يقول محمد ولد صيدو ،من وجهاء القرية، فيما كانت طفلة صغيرة تحاول أن تطفئ عطشها بالشرب مباشرة من صنبور حنفيات البئر، فلا تجد غير قطرات شحيحة ومتقطعة...!!
يشرح القيم على المشتلة تنوع شتلات الأشجار التي سيجري غرسها في مستقر الوادي القريب ،عندما تنمو وتقوم على سوقها ،وجاء اختيارها كأشجار معمرة وقادرة على التأقلم مع أجواء المنطقة وتشمل أشجارالطلح والقتاد والسرح والسدر والدوم.
الشتلات المستنبتة في سياج بوسط القرية لا زالت وإلى اليوم رهينة محبسها ،رغم أن الفترة المثالية لغرسها وهي فترة التساقطات المطرية توشك على نهايتها يعلق أسلم ولد أمبيريك ،وهو يؤكد حاجة القرية إلى بئر ارتوازية جديدة تغطي احتياجات السكان وتكفل الري الدوري لمشاتل وزارة البيئة التي جعلت من القرية حقل تجارب لإعادة الطابع الغابوي للضفة الشمالية من النهر، وبالتالي معالجة المشاكل البيئية المرتبطة بالتصحر والجفاف.
تحولات كبرى
لا يختلف الوضع المعيشي في بغداد عن غيره من قرى الضفة حيث الغلاء وغياب الخدمات الأساسية وشكوى ضعف الاستفادة من مشاريع مكافحة الفقر، بما فيها دكاكين أمل وبرنامج تآزر فأقرب دكان على بعد 5كلمترات ،ويعاني دوما من قلة العرض وارتفاع الطلب فيما لم يستفد من تآزر سوى 10أسر فقط لا أحد يمكنه التكهن بمعايير اختيارها ما دام الجميع يعيش تحت خط الفقر ويكتوي بنار الغلاء وبتردي خدمات التعليم والصحة والنقل يعلق أحد السكان.
إلى وقت قريب كان جل مساكن القرية من الطين المسقف بالحشائش وجذوع الأشجار، أما اليوم وبحكم القرب من المراكز الحضرية فإن بيوت الاسمنت المسقفة بصفائح الزنك بدأت تغزو النمط العمراني وتخل بالتناغم البيئي، وتصرف اهتمامات السكان إلى مجالات عمل أفضل من الحرث والرعي قد تكون في بابابى القريبة أو في بوغى أو حتى في مدن الضفة الأخرى من النهر ،يشرح أحد شباب القرية الذين واكبوا التحولات الكبرى التي عاشها السكان بما فيها ترك مواطنهم الأصلية واستقرارهم في هذا المكان قبل 17سنة من اليوم.
الفاتورة الباهظة
لا يبحث سكان بغداد أسباب اختيار قريتهم لاحتضان مشاتل وزارة البيئة، ولا يتوقفون كثيرا عند الحديث عن الفاتورة الباهظة لاستغلال المياه في قرية تعيش على شفا العطش، في مشاريع موسمية لا تبدو أهدافها المستقبلية واضحة، ومع ذلك لا يشككون في أهمية عودة منطقة النهر إلى عهود سابقة عندما كانت مروجا خضراء وغابات كثيفة يجد فيها المصطافون والصيادون ضالتهم، ويؤمن السكان من غلاتها المتنوعة من الزرع والدخن والفاصوليا والفول السوداني كل احتياجاتهم لعام كامل بل ويدخرون ويميرون مواطنيهم في البلدات القريبة يشرح أحد السكان بفخر واعتزاز.