إلى وقت قريب كانت برامج الدعم الحكومي حاضرة على مستوى توفير المياه في القرى والتجمعات السكانية على طول الطريق المعبد من نواكشوط إلى روصو، وكانت الأكثر حظوة في الاستفادة من التوزيعات الحكومية وبرامج مكافحة الفقر التي تشارك فيها أحيانا هيئات غير حكومية وجمعيات خيرية ومنظمات إنسانية...ولا تزال أسماء بعض هذه الجهات حاضرة في أذهان الكثيرين غير تلك التي تخلدها نصب التدشين الرخامية، وأطلال ما تبقى من منشئاتها ذات النفع العام..كالآبار الجوفية وخزانات المياه السامقة وحتى المساجد المنيفة وغيرها.
أما اليوم فذلك ماض أصبح من التاريخ، وشريط ذكريات لا أحد يريد استرجاعه حتى لا يشعر بالنقمة والاستياء، صحيح أن إنجازات تحققت على مستوى توفير المياه والكهرباء في هذه القرى، إلا أن ارتفاع الهجرة الداخلية إلى هذه القرى التي تزايد عددها بشكل ملفت في العقود الأخيرة على جنبات الطرق المعبدة، وزيادة معدلات الفقر، وانعدام التقويم والمتابعة للكثير من برامج التدخل الحكومي وغير الحكومي عوامل وراء تدني استفادة السكان من هذه البرامج إن لم يكن انعدامها تماما..
الدعم المنسي
في التوفيق الغربي 36كم من روصو انقطعت المياه لأكثر من يومين لم يجد السكان بدا من شرب المياه المالحة التي جادت بها آبار ضحلة لم تنزح منذ سنوات وذلك بعد تعطل البئر الارتوازية التي تغذي العديد من قرى المنطقة كما يشرح لموفد الفكر محمد سالم ولد عبد القادر مسؤول القرية وهو يشير إلى معدات حفر وخزان إسمنتي هو ما أنجز من مشروع خيري لتوفير المياه ترعاه إحدى الجمعيات الخيرية.
وفي قرية لبيرد القريبة لا حديث عن برامج التدخل الحكومي كدكاكين أمل أو تآزر ولا حتى جهود الجمعيات الخيرية التي كان أحدثها وصولا جمعية البركة، التي لا تزال ترعى محاظر قرآنية في هذه القرى كما تقول خديجة بنت إبراهيم وهي تشرح معاناة السكان من الغلاء وحاجة التعاونيات النسوية إلى الدعم والمساعدة..
معاناة تتجدد
غير بعيد كانت أطلال بعض المحافر السطحية والآبار الجوفية شاهدا على معاناة متجددة مع العطش،لم يجد في التخفيف منها كثرة الآبار التي تحولت اليوم إلى مصائد للموت –وذلك بسبب ملوحة المياه الجوفية ومشاق العثور على بئر عذبة، تعلق بنت إبراهيم والتي ولدت وترعرعت في هذه القرية ولا تريد تركها رغم منغصات الفقر وضيق ذات اليد والمرض المزمن الذي أقعد والدها وهو لا يزال في سن العمل.
في الكلم 26 من روصو يعيش المنمي ألب ولد همت على هامش الحياة كما يقول بعدما أقعده العجز والفقر وشكوى الغلاء وانعدام الدعم الحكومي، فرغم وجود أحد دكاكين أمل على بعد 3كلمترات إلا أن معروضاته لا تصمد سوى ليوم أو يومين ولا تفكر السلطات في تموينه إلا كل شهر أو شهرين وأصبح لدى كثير من الساكنة في حكم العدم على حد تعبيره.
دعم من نوع آخر
لا يختلف الأمر في القرى الزارعية على ضفة النهر فحضور الدولة خجول جدا على مستوى توفير القرض الزراعي ودعم السكان في استصلاح مزارعهم وحمايتها من الأنعام السائبة وتوفير البذور المحسنة والسماد والمبيدات والحاصدات..الخ..
عريضة مطالب ثابتة يجدد السكان طرحها كل ما واتتهم الفرصة ليضيفوا لها هذا العام مطلب الاستفادة من برامج مكافحة الفقر والتي سمعوا عنها ولا يرون لها في الواقع أي أثر،فيما لم يترك لبرامج الدعم غير الحكومي أن تتدخل بمشاريعها التنموية والخيرية كما كان الحال في العهود السابقة كما يقول محمد ولد اعبيد من قرية سكام 2، وهو يتفقد لا فتة مطمورة لأحد مشاريع الدعم الزارعي والذي لم يعمر طويلا نتيجة التعقيدات الإدارية، وانعدام المعيارية والشفافية كما يقول السكان.
واقع أسلم السكان إلى حالة من العجز واليأس والفاقة لا نظير لها رغم وفرة المياه والأرض الخصبة المعطاء.
يتحدث السكان عن استفادتهم هذا العام من مشروع الشيشة لاستصلاح الأراضي الزارعية بشمامه لكنها استفادة لا زالت تحت الاختبار في ظل الشكوى من غياب العدالة في التوزيع، ومن المشاكل الفنية التي تتهدد شبكة الري وتعيق الاستفادة منها حسب مسؤول قرية سكام 2 محمد ولد إبراهيم.
الحاجة إلى التآزر والدعم
أما في قرية بغداد 5 كم من بابابى تأخذ الشكوى من غياب الدعم الحكومي بعدا جديدا عندما لا يستفيد السكان من أي من مشاريع الدعم لا تلك ذات الطابع الزارعي والتنموي ولا غيرها الموجهة لمحاربة الفقر كدكاكين أمل وتآزر وكأن القرية كما يقول العالم ولد حمود سقطت من حسابات المسؤولين على غرار قرى كثيرة قطعتها العزلة وأزرت بها ظروف الفاقة والتهميش وفق تعبيره.
في مدخل سليبابي دفعت الفاقة سكان بعض الأحياء القريبة من المناطق الزارعية إلى الاستفادة من مياه الأمطار في زارعة بعض الغلات التي تشتهر بها المنطقة شجعهم هذا العام المستوى الجيد للأمطار لكن غياب الدعم في استصلاح هذه الأراضي بما في ذلك حماية مزارعهم الصغيرة من سائبة الأنعام، وسابلة الطريق جعلهم كأنما ينحتون في صخر أو يخطون على الماء ،كما صرح لنا الكوري ولد محمد العيد ،وهو يجاهد لاستصلاح بضعة أمتار وزارعتها بالذؤة والدخن والفول السوداني، لم يسبق لهذا المسن العجوز أن سمع عن تآزر ولا غيرها من مشاريع الدعم الحكومي رغم إعاقته فهو أعمى لا يملك قوت يومه..
رغم صعوبة العيش في ظروف الفاقة والعوز فإن نبض الحياة لم يتوقف في قرى الضفة حيث لا يزال عطاء الأرض وغلاتها من الحبوب هو الملاذ الأخير للبقاء، والسياج القوي الذي يحمى كرامة السكان كلما حرموا السياجات الفلاذية لحماية مزروعاتهم وعندما تجود الأرض وتمطر السماء .