هنا يمرح السمك عند الحافة خارجا وداخلا من الموج ساخرا من الصياد الذي يحظر عليه الصيد في هذه المنطقة ويتراقص صغاره قفزا وسباحة جيئة وذهاب في أسراب كبيرة، وتمخر سفن غادية رائحة بألوانها الزاهية وأحجامها المختلفة، وهناك في الأفق مواني أسنيم حيث يصدر الحديد إلى آفاق الأرض الرحبة .
وزوارق الصيد تسير جنوبا وشمالا بجد ومثابرة،
والموج الخفيف يهدر متغافلا عن حراكنا نحن البشر منتشيا بطبعه الأزلي الذي عليه فطر.
وفي القريب أطفال وشباب يسبحون ويصدرون أصواتا تكون همسا من مسافة .
ونسوة في الظلال لاتمللن صناعة الشاي وهن به في الحريم مستبشرات.
والسماء متناغمة مع زرقة المحيط إن خف بياض ربابها.
والنسيم المنعش تضافرت له الأرض والسماء ليجعل الثقور منفرجة بلا إذن ولا سبب .
وفي الخلف جبال بيضاء رمز الصبر على عوامل النحت والتعرية مشكلة جدارا لتحديد المعالم والحدود وتكملة لوحة الأصالة والشموخ والرسوخ .
والطيور تحط أو تطير بأنواع وألوان وأصوات مختلفة كأن الجمع مختفيا بها .
مكان موح ومؤنس ورائق.
ولم تكن تينك النخلتين إلا جزءا من هذه اللوحة الماتعة كأنما عناهما أمحمد :
أيا نخلتي لورين إني على العهد
وإن كنتما مني على العهد في زهد
ومبلغ جهدي أن سلام عليكما
وليس يلام المرؤ في مبلغ الجهد
أوعبد الرحمن الداخل بقوله :
تبدت لنا وسط الرصافة نخلة
تناءت بأرض الغرب عن بلد النخل
فقلت شبيهي بالتغرب والنوى
وطول التنائي عن بني وعن أهلي
نشأت بأرض أنت فيها غريبة
فمثلك في الإقصاء والمنتأى مثلي
سقتك غواد المزن من صوبها الذي
يسح وتستمري السماكين بالوبل
وقوله :
- يا نخل أنت غريبة مثلي
........في الغرب نائية عن الأصلي
فأبكي وهل تبكي مكممة
........عجماء لم تجبل على جبلي
فبهما يجمع المكان بين جمال المحيط وعظمته وبين شموخ النخل وسموه بين صحة منتوج الأول ولذة ثمرة الأخير .
بين إقتصاد الشمال والجنوب والكل عندي شمال وجنوب ليكون الحديد هناك من لواحم البلاد الواقع والمستقبل.
والبدر يدخل مطلعا على المكان كأنه مفاجأة الحفل البهيج وبخيوط أنواره يتصدر المشهد :
يا بدر أنت ابن القرى وأراك في
ليل الحواضر إن طلعت غريبا
نشر السكون على القرى أعلامه
فتكات تسمع للفؤاد وجيبا
ساحة من أجمل ما رأيت يقع فيها الحليم حيرانا هل يرمي على ( سوماسيرت) بكل غضباته لعدم إستثمارها في هذه الساحة التي تملكها وتحرسها وهي خاوية دون منتزه ولا مطعم ولا محلات بيع أو استراحة. أم يتركها تنافح عنها وقد تبني عليها تارة خياما لفاسدين أو زوارا من الخراف. غير أنها تبقى على الطبيعة دون تلك المشاريع التي قد تأتي بعكس المرغوب.
ومع هذا وذاك يتساءل المشفق أين ( سوماسيرت ) وماذا عملت وماذا قدمت منذ إنشائها وأين التطوير في عملها .
إن المتتبع للنقل التابع لها في القطار وخاصة للمواطنين يجده غاية في الرداءة والسوء حيث يجلس المواطن فوق الآخر في ركام بشري هائل وهناك من الغبار والأوساخ دون أي خدمة أو إهتمام .
كل ذلك دون أن يرف لها جفن لهذا الذنب ولا خجل من هذا التصرف ( والدار) هذه بعضها من قديم لم تلمسها يد صائن ولا مصلح.
والأغرب أن لها قاطرات جميلة مكيفة ومريحة مصونة عن المواطن لا يدخلها، مخصصة للسائح إن زار.
إن هذه الشركة وأترابها ممن نشأت في كنف أسنيم ورضعت من صافي تمويلها يجب أن تعاد دراستها والتحقيق في أدائها واستفادة المواطن منها ومردوديتها على أسنيم وعلى الإقتصاد الوطني وعلى السياحة بعد ذلك.
ولا يعكر ذلك السبح في المكان الحالم إلا أفراد من الدرك يخبرون أن المكان خاص بسوماسرت يحظر دخولة.